تعتبر ظاهرة التحرش واحدة من الظواهر الحديثه نسبياً على المجتمع المصرى فهى لم تظهر إلا مؤخراً فى بدايه الثمانينات فمن منا لا يذكر موضه المينى جيب التى انتشرت فى السبعينيات ولم تسجل حاله تحرش واحدة إذن فالمشكله لا تتمثل فى ملابس المرأه بل هناك أشياء أخرى تجعل المتحرش يقوم بفعلته .
حتى الأن لا يوجد تعريف واضح للتحرش , وعرف لفظ التحرش فى بعض المعاجم العربية على أنه ” كل فعل مستفز بقصد الإثارة ” , وبالبحث عن كلمه تحرش فى القانون المصرى تبين أن لا وجود لها وكان أول من استخدمها رئيس ومستشار معهد ” ماساتشوستس ” عام 1937 فى تقرير له عن المضايقات التى تتعرض لها ذوات البشرة الملونه من الأمريكيات , أما لفظ التحرش فهو يندرج ضمناً إلى جانب مصطلحات مثل ” المعاكسه , المراودة , هتك العرض , الاغتصاب ” .
يحدث التحرش فى أماكن كثيرة فالمتحرش لم يعد يخشى أحد لأنه للأسف لا يتحرك أحد لردعه أو إثناءه عن فعلته المشينه بل ينظر الجميع لما يحدث وكأن لا شىء يحدث وتواجه الفتاه وحدها المتحرش فى المواصلات والشوارع والشركات والعيادات وحتى الجامعات والمدارس والسينمات لا تخلو من المتحرشين .
يوجد السواد الأعظم من المتحرشين فى العشوائيات حيث ينتشر الفقر والجهل ويقل الوعى , كما يوجد أيضاً فى السجون وقد جسدت الدرما العربية فكرة التحرش فى السجون فى فيلم ” سوق المتعه ” للنجم محمود عبد العزيز وتناولته الدراما الأجنبيه بشكل ورؤيه أعمق فى فيلم ” وداعاً شاوشانك ” للرائع ” morgan freeman ” .
أسباب التحرش :
بالنظر إلى أسباب التحرش نجد أنها كثيرة يأتى على رأسها ” غياب دور الأسرة والمدرسة والجامعه وغياب الدور الذى تلعبه دور العبادة ” المسجد والكنيسه ” إلى جانب غياب الوعى والثقافه وتأخر سن الزواج والرساله الإعلاميه السطحيه التى تحملها معظم الأفلام الموجودة بسوق الدراما العربية .
الغريب فى أمر التحرش هنا شيئان اولاهما أن الفئة العمريه للمتحرش غير محددة فالطفل والشاب وحتى الرجال الذين تعدوا الأربعين والخمسين عاماً اصبحوا متحرشين , أما الأمر الثانى هنا أن المتحرش لا يفرق بين فتاه صغيرة وامرأة مسنه , بين امرأة ترتدى ملابس مثيرة وأخرى محتشمه .
للأسف ينسى المتحرش دائماً قول المولى سبحانه وتعالى فى سورة النساء ” قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ” صدق الله العظيم , فهو دائماً يبيح لنفسه التحرش بالمرأة لمجرد أنها ترتدى ملابس يرى هو أنها غير محتشمه بدعوى إنها ” عايزة كدا يعنى عايزة تتعاكس … !!! ” , أو أنه يفعل ذلك ليضايقها حتى تكف عن ارتداء ملابسها المثيرة وكأنه نصب نفسه مصلحاً إجتماعياً مع أن الأولى به أن يلتزم هو بالأخلاق ” ويدع الخلق للخالق ” .
تجارب النساء مع المتحرشين :
لأنه لا توجد امرأة لم تتعرض للتحرش نزلنا إلى الشارع لنسأل النساء منهم من خافت من الحديث معنا .. ! ومنهم من تكلمت بحرقة من ما تراه وتعيشه كل يوم ومنهم من تحفظت فى الحديث وأنكرت تعرضها للتحرش .
س . أ تحدثت معنا وهى طالبه بمدرسه ثانويه تقع داخل مجمع كبير للمدارس قالت أنها تتعرض للمضايقات يومياً فى أثناء ذهابها وعودتها من المدرسة من الأولاد الذين يدرسون بالمدراس المجاورة لهم حتى أن أحدهم فى مرة من المرات حاول لمس صدرها لكنها صرخت وصفعته وهربت بعدها إلى المدرسة , أما ر. ن وهى تعمل سكرتيرة بشركه قالت أنها تعمل فى شركة سياحه الأن لكنها قبل عملها هذا كانت تعمل فى شركة للنقل والتوزيع وكانت تتعرض لمضايقات عديدة من مديرها فى العمل الذى كان يتعمد تقريب وجهه من وجهها أو لمس يديها أثناء تسليمه بعض الاوراق كما أنه كان ينظر إلى أماكن معينه من جسدها ويطيل النظر لها فاضطرت أن تترك العمل وتبحث عن عمل اخر لا يوجد به مدير ” تندب ف عينه رصاصه” على حد قولها , أما ف . ع وهى ربه منزل فى أوائل الأربعينيات من عمرها تقول أنها تذهب يومياً للمدرسة تنتظر أولادها حتى لا يعودوا إلى المنزل بمفردهم وأثناء ذهابها لمدرسة أولادها فوجئت بصوت صفير تكرر أكثر من مرة فنظرت لترى من أين يأتى الصوت ففوجئت بشخص يقف وراء شجرة وقد كشف عن أعضائه الخاصه ففرت هاربه ومن يومها لم تعبر من
هذا الشارع أبداً , اما أ . م فأكدت أنها تتعرض للتحرش يومياً فى وسائل المواصلات عن طرق احتكاك بعض الرجال المتعمد بها فى الميكروباصات أو الحافلات وحتى فى مترو الانفاق الذى تركبه يومياً وعندما سألتها لماذا لا تستقل عربة من العربتين الخاصتين بالنساء قالت أنها تجد الرجال فى عربات النساء خاصه فى غياب الأمن بالمترو ..!!! , وعندما تطلب من أحدهم المغادرة يرفع صوته عليها فتضطر ان تصمت حتى لا تتعرض للإهانه لكنها أكدت أنها فى بعض الأوقات تتعرض للتحرش .
أغلب النساء والفتيات اللاتى قابلتهن أجمعن على أنهن يتعرضن للتحرش اللفظى بصفه مستمرة حيث يصف المتحرش مفاتنهن أو جزء خاص من أجزاء جسدهن وبالمناسبه كان بينهن المحجبه والغير محجبه وأخريات كانوا يرتدين الإسدال أو الجلباب الفضفاض كما تتعرض بعضهن للتحرش الجسدى حيث يحاول المتحرش لمس أجسادهن والاحتكاك المتعمد بهن خاصه فى وسائل المواصلات وبعضهن الأخر قالت أنها تتعرض للتحرش الغير اللفظى حيث يركز المتحرش نظره باتجاه جزء معين من اجسادهن .
البنت عايزة تتعاكس … !!!
قد يبدو العنوان غريباً بعض الشىء , لكن للأسف الواقع أغرب … وبما أننا نزلنا للشارع وسألنا الفتيات والنساء كان لابد أن نسأل الرجال أيضاً فإذا كانت المرأة مجنى عليه فالرجل هو الجانى.
ع . ج وهو طالب بالجامعه عندما سألته هل تتحرش بالسيدات ؟؟ “رفع حاجبه وهز رأسه بالنفى قائلاً أبداً أنا لا اتحرش بأحد .. فأعدت عليه السؤال بصيغه أخرى إذن لماذا فى وجهه نظرك يتحرش الرجال بالسيدات أجابنى ” هما اللى عاوزين كدا ” طلبت منه تفسيراً فرد بأى أن ملابسهم هى التى تدفع الرجال أن يتحرشوا بهم , وأن السيدة أو الفتاه إن أرادت أن لا يتحرش أحد بها لابد أن تخرج من بيتها وهى محتشمه وعندما ذكرته بحديث رسولنا الكريم بغض البصر أجابنى كيف أغض بصرى وإن غضضته عن واحدة ظهرت لى كثيرات غيرها , أما ي . ح قال ” يستاهلوا ” وعندما سالته ” هما مين اللى يستاهلوا وليه ؟؟ ” أجابنى النساء أما لماذا فأجابنى بأن من تخرج من بيتها وهى كاشفه لشعرها ومفاتنها تستحق التحرش وعندما سألته ولماذا تعالج الخطأ بخطأ أخر قال ” عشان تتعلم تنزل محترمه من بيتها ” .
الغريب فى الأمر أن بعض الرجال يحرمون على المرأة النزول من منزلها وهى ” متبرجة ” على حد قولهم ويحللون لأنفسهم مضايقتها والتحرش بها مع أن الأولى أن يتركها وشأنها أو ينصحها بالحسنى إن هى وافقت على الحديث معه , لكن المتحرش يتمادى لأنه لا يوجد أحد يحاسبه فى الشارع ولا بالقانون .
وبذكر القانون كان لابد أن نذهب لواحد من رجال القانون بمصر وهو المحامى ” محمد مختار ” المحامى بالإستتئناف العالى ومجلس الدوله لنسأله عن رأيه فى المتحرش ووضعه فى القانون المصرى والدستور الجديد فأجابنا :
” التحرش يعنى جريمة التعرض لشخص بالقول أو بالفعل أو الإشارة على وجه يخدش الحياءفى طريق عام أو مكان مطروق أو التعرض لشخص بالسب عن طريق وسائل الإتصالات السلكيه أو اللاسلكيه , ويعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سته اشهر ولا تتجاوز سنتين وبغرامة لا تقل عن خمسمائه جنيه ولا تزيد عن ألفى جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين , ويسرى حكم الفقرة السابقه إذا كان خدش الحياء قد وقع عن طريق التليفون أو أى وسيله من وسائل الإتصالات السلكيه أو اللاسلكيه .
فإذا عاد الجانى إلى ارتكاب جريمه من نفس نوع الجريمة المنصوص عليها فى الفقرتين السابقتين خلال سنه من تاريخ الحكم عليه نهائياً فى الجريمة الأولى فتكون العقوبه بالحبس لمدة لا تقل عن سنه وغرامه لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد على خمسه آلاف جنيه ” مادة 306 عقوبات ” تعرضت هذه المادة لجريمة التعرض لشخص بالقول أو بالفعل أو بالإشارة على وجه يخدش حياءه فى طريق عام أو مكان ما مطروق سواء كان هذا الشخص ذكراً أم أنثى وكانت فى النص قبل التعديل بالمرسوم بقانون رقم 11 لسنه 2011 من تعرض لأنثى بالقول أو الفعل بدون الإشارة , ولكن رغبه من المشرع فى ضبط آداء الشارع المصرى ومنع التحرشات والتجاوزات والمعاكسات بكل أنواعها فتم تشديد العقوبه وإدخال مفردات جديدة فى سياق المادة وبالتالى عمم المشرع الشخص المتعرض له بالقول أو بالفعل أو بالإشارة بعد أن كان فى النص القديم قاصراً على من يتعرض لأنثى فقط , وحسناً فعل المشرع حيث أن هذه الجرائم أصبحت غير قاصرة على الإناث دون غيرهم وامتدت إلى الذكورأيضاً مما حدا بالمشرع لتعديل المادة فى سياقها الجديد.
وهذه الجريمة شأنها شأن باقى الجرائم لها ركنان ركن مادى وركن آخر معنوى
الركن المادى
هذه الجريمة تفترض فيها أن يتعرض شخصاً ما بالقول أو بالفعل أو بالإشارة على وجه يخدش حياءه فى الطريق العام أو فى مكان مطروق ” أى مكان يسمح فيه للناس بالدخول والخروج كالمحلات العامه ” والعلانيه هنا أحد عناصر الركن المادى , وهذه العلانيه تتخذ وسائل ورد ذكرها على سبيل المثال فى المادة (171 ) من قانون العقوبات وهى تكون عن طريق القول أو الكتابه أو الإيحاء , ونظراً للمستحدثات الجديدة فى وسائل التكنولوجيا كان لزاماً على المشرع أن يقرر إمتداد الفعل الإجرامى إلا إذا ما كان خدش الحياء قد وقع عن طريق التليفون أو أى وسيله من وسائل الاتصالات السلكيه واللاسلكيه , كما يلاحظ أن التعرض الواقع بالفعل فى سياق هذه الجريمة قد يشكل جريمة أخرى ” كالفعل الفاضح ” إذا بلغ حداً من الجسامه , كما انه غالباً إن لم يكن دائماً يشكل جريمة من الجرائم الماسه بالاعتبار حينما يقع التعرض ” بالقول ” وهنا يلزم إعمال حكم المادة 32 عقوبات والحكم على الفاعل بالعقوبه المقررة للجريمة الاشد .
الركن المعنوى
يتطلب القانون لتوافر جريمة التعرض لشخص ” ذكر أو أنثى ” بالقول أو بالفعل أو بالإشارة على وجه يخدش حياءه فى طريق عام أو مكان مطروق توافر القصد الجنائى العام وهو يتحقق بإنصراف إرادة الجانى إلى الفعل ولا عبرة بما يكون قد أوقع الجانى إلى فعلته أو بالغرض الذى توخاه , هذا عن القانون … أما عن المنظور الإجتماعى فنجد أنه دأب بعض فاسدى الخلق على معاكسه الفتيات والسيدات وغيرهم فى الطرق والأماكن العامه حتى أصبحت هذه المعاكسة عادة ولوناً من ألوان التسليه لهم .
وقد أرجعت بعض الدراسات الإجتماعيه هذه الظاهرة إلى عوامل عده أهمها ” اضمحلال الثقافه والتعليم فى المجتمع وكذلك البطاله وأمور أخرى مثل التفكك الأسرى ” , فقلما نجد مثل هذه الجريمة تقع من إناس لديهم قسط وافر من التعليم أو ليس لديهم بطاله عن العمل ومهتمون بأمور بأعمالهم أو وظائفهم .
وكذلك هناك تحول خطير أثر على المجتمع المصرى بالسلب وهذا التحول كان نتاج سياسه الانفتاح الاقتصادى الذى من خلاله سادت الأنانيه وأن المال أهم من أى شهادة علميه وظهرت فى تلك الحقبه طبقه ” المهلباتيه ” وتراكم الفساد من خلال تلك السياسة التى أهملت الزراعه والصناعه وأصبحت قيمه الإنسان المصرى تحسب وتقاس بما يملكه من مال وليس بما يملكه من قيمه علميه أو مجتمعيه أو إنتاجيه فى اقتصاد قومى أصيل , ومن خلال وجود تلك الطبقه الجديدة وبرعايه النظام الحاكم تغيرت بعض المفاهيم الأصيله والثقافه الوطنيه التى تربى وترعرع عليها الشعب المصرى وأصبحت الكلمه لرجال أعمال الإقتصاد والهش القائم على التجارة والسمسرة والعمولات , الأمر الذى جعل من السلطة حارسة لهذه العوامل التى أضعفت الدوله والمجتمع معاً , الأمر الذى كان لابد معه من قيام ثورة 25 يناير ضد الفساد والاستبداد وزواج المال الحرام بالسلطة الفاسدة .
يظل المتحرش مهما اختلفت طبقته الإجتماعيه انساناً مريضاً يحتاج للعنايه والرعايه حتى لا يتسبب بالإذى لنفسه ولمن هم حوله , ويجب على الدوله العمل بكد من أجل توجيه طاقات الشباب فيما ينفعهم , كما يجب أن يعود دور الاسرة من جديد التى انخرطت فى الزحف وراء لقمه العيش وأن توفر ولو جزء صغير من وقتها لرعايه أطفالها , كما يجب أن تعود دور العبادة لممارسه دورها الحقيقى فى تقويم الأخلاق والسلوك وتوعيه الشباب بدورهم فى حمايه النساء والفتيات وليس التحرش بهن .