جذور العلاقات المصرية الروسية

تعود جذور العلاقات المصرية الروسية إلى عام 1748 عندما عينت روسيا قنصلا في الإسكندرية كممثل لها بمصر وذلك فى عهد الوالى العثمانى محمد راغب باشا ( 1748-1752م).
وفي عهد الملك فاروق اتخذت الحكومة المصرية برئاسة “علي ماهر” عام 1939 قرارا بإقامة العلاقات الدبلوماسية مع الاتحاد السوفييتي السابق، والتي بدأت بالفعل في 26 أغسطس 1943، وفي مارس 1954 تم رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي بين مصر والاتحاد السوفييتي السابق إلى مستوى السفراء.
تمت الخطوة الأولى للتعاون المصري الروسي في أغسطس عام 1948 فى عهد الملك فاروق بن فؤاد حين وقعت أول اتفاقية اقتصادية حول مقايضة القطن المصري بحبوب وأخشاب من الاتحاد السوفيتي.
وفي شهر مايو عام 1958، بدأ الرئيس المصرى “جمال عبد الناصر” زيارته لموسكو، والتي استغرقت نحو 18 يوما، وهي الزيارة التى أعادت تقويم السياسة الخارجية المصرية نحو المعسكر السوفيتي ، وخلال زيارة لعبد الناصر إلى موسكو، تم التفاهم على تعزيز التعاون بين البلدين في إقامة مجموعة من مشروعات الصناعات المعدنية و الهندسية وتوليد القوة الكهربية، وعندما تعرضت مصر للعدوان الإسرائيلي عام 1967، أصدرت الحكومة السوفييتية بيانا نددت فيه بالعدوان الإسرائيلي، وقدم الاتحاد السوفييتي التأييد السياسي الدولي لمصر في كل المحافل الدولية، واتخذ الرئيس الروسي في هذا التوقيت “ليونيد بريجنيف” قرارا بإرسال ما يقرب من عشرة آلاف خبير ومستشار عسكري إلى مصر بعد نكسة يونيو.
بلغت العلاقات الثنائية ذروتها في فترة الخمسينات والستينات من القرن العشرين حين ساعد آلاف الخبراء السوفيت مصر في إنشاء المؤسسات الإنتاجية، وبينها السد العالي في أسوان ومصنع الحديد والصلب في حلوان ومجمع الألومنيوم بنجع حمادي ومد الخطوط الكهربائية أسوان – ومصنع الحديد والصلب في حلوان ومجمع الألومنيوم بنجع حمادي ومد الخطوط الكهربائية أسوان – الإسكندرية. وتم إنجاز 97 مشروعا صناعيا بمساهمة الاتحاد السوفيتي فى مصر ، وزودت القوات المسلحة المصرية منذ الخمسينات بأسلحة سوفيتية. كما أمد الاتحاد السوفيتى مصر بمفاعل ذري في عام 1958م وتم تشغيله في عام 1961.
ظلت العلاقات المصرية الروسية مستمرة فى صدر حكم الرئيس السادات إلى أن شابها التوتر بسبب طرد السادات لعشرين ألف أسرة روسية ومستشارا عسكريا من البلاد فى العام 1972م وظلت الأمور متوترة إلى العام 1981م حتى استشهاد الرئيس السادات .
مع بداية عهد الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك بدأت العلاقات المصرية الروسية تتحسن تدريجيا ، ففي عام 1982 بدأ التحسن التدريجي في العلاقات المصرية السوفييتية، متزامنا مع إرسال الرئيس الأسبق حسني مبارك – الذى تلقى تعليما عسكريا بأحد الاكاديميات العسكرية بالاتحاد السوفيتى – وفدا رفيع المستوى لتشييع جنازة الرئيس السوفييتي “برجينيف”، وفي سبتمبر 1984 استأنفت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وتطورت العلاقات بينهما على نحو ملحوظ في كل المجالات، وبادرت مصر في عام 1991 بالاعتراف بروسيا كوريثة شرعية للاتحاد السوفييتي السابق، وشهدت التسعينات عدة زيارات دبلوماسية لموسكو.
جاءت الزيارة الرسمية الأولى للرئيس الأسبق مبارك إلى روسيا الاتحادية فى سبتمبر 1997، وقع خلالها البيان المصرى الروسى المشترك وسبع اتفاقيات تعاون، وقام مبارك بزيارتين إلى روسيا أقرت خلالهما البرامج طويلة الأمد للتعاون فى كافة المجالات والبيان حول مبادئ علاقات الصداقة ، وقد أعقب هذه الزيارة لمبارك زيارتين أخرتين قام بهما فى عامى 2001 ، 2006 وأعدت خلالهما البرامج طويلة الأمد للتعاون في كافة المجالات. كما قام الرئيس الروسى فلاديمير بوتين بزيارة عمل إلى القاهرة في 26-27 أبريل عام 2005 ، وصدر في ختام المباحثات الثنائية التي جرت في القاهرة البيان المشترك حول تعميق علاقات الصداقة والشراكة بين روسيا الاتحادية وجمهورية مصر العربية.
وفى أكتوبر من العام 2004م أنجزت شركة “لوكويل” الروسية مشروع مد خط أنابيب تصدير النفط إلى خارج مصر عن طريق الساحل الغربي للبحر الأحمر والذي يبلغ طوله 100 كيلومتر، وقد أقامت شركة الغاز المصرية “إيجاز” التعاون النشيط مع شركتي “غازبروم” و”نوفاتيك” الروسيتين. كما تطورت العلاقات الثنائية في مجال صنع السيارات. حيث وقعت شركة” كاماز” في مارس عام 2004 مع شركة “تاكو يوروماتيك” المصرية مذكرة التفاهم حول إنشاء معمل تجميع السارات ” كاماز”، وفي فبراير عام 2006 تم افتتاح معمل تجميع السيارات “لادا” في مصر.
الجدير بالذكر أن العلاقات المصرية الروسية تأصلت أكثر فأكثر عندما اتخذت دورة مجلس جامعة الدول العربية قرارا في سبتمبر2005م باعتماد سفير روسيا في جمهورية مصر العربية بصفته مفوضا مخولا لدى جامعة الدول العربية ، وهذه سابقة لم تحدث من قبل فى تاريخها.
وفي عام 2005 وقع وزير التعليم والعلوم الروسي آ.آ. فورسينكو مع نظيره المصري بروتوكولاً خاصاً حول تطوير التعاون الثنائي في مضمار التعليم العالي والعلوم وذلك أثناء زيارة العمل التي قام بها إلى القاهرة.
وفي عام 2006 بدأت الجامعة الروسية المصرية عملها في القاهرة والتي تأسست بمبادرة من الرئيس المصري الأسبق مبارك وافتتحت بالإسكندرية خلال مدة قصيرة.
وقد بلغ حجم تبادل السلع والخدمات بين البلدين في عام 2006 حوالي مليار و950 مليون دولار. ويشكل التبادل التجاري منه قرابة المليار و200 مليون دولار.
وإمعانا فى تعميق العلاقات المصرية الروسية قام وزير الصناعة والطاقة الروسي فيكتور خريستينكو بزيارة القاهرة في 10-11 أبريل عام 2007، وتم توقيع مذكرة التفاهم في مجال إنشاء منطقة صناعية خاصة يساهم فيها الرأسمال الروسي، وتم التركيز الخاص على هذه المسألة خلال المباحثات التي اجراها رئيس وزراء جمهورية مصر العربية أحمد نظيف مع نظيره فلاديمير بوتين، وذلك أثناء زيارته إلى موسكو ، وقد خصصت مصر قطعة أرض لإنشاء هذه المنطقة في ضاحية الإسكندرية برج العرب .كما وقعت شركة “نوفاتيك” في العام 2007م اتفاقية حول إنشاء مؤسسات مشتركة مع شركة” ثروة” لاستخراج وإنتاج الغاز في حقول بلدة العريش. كما تعمل شركة النفط والغاز الروسية العملاقة “گازپروم” بنشاط في مصر ، وأصبح موضوع التعاون في ميدان الطاقة الذرية الموضوع الرئيس للمباحثات التي جرت في موسكو يوم 25 مارس عام 2008 بين الرئيسين دميتري ميدفيديف وحسني مبارك وأسفرت عن توقيع اتفاقية حول التعاون في ميدان الاستخدام السلمي للطاقة الذرية.
وفى العام 2008م بلغ العدد الإجمالي للسياح الروس القادمين إلى مصر زهاء 1.8 مليون شخص بينما لم يتجاوز هذا العدد 750,000 سائح في عام 2005. كما بلغ التبادل السلعي بين البلدين في عام 2008 حوالي 2.065 مليار دولار.
وفى الثالث والعشرين من يونيو 2009 جرت في القاهرة المباحثات بين الرئيس الروسي دميتري مدفيديف ونظيره المصري حسني مبارك ، وتم التوقيع على عدد من الوثائق الخاصة بالشراكة الاستراتيجية بين البلدين.كما وقع الجانبان اتفاقية حول تسليم السجناء لقضاء محكوميتهم في الوطن ومذكرة تفاهم بين وزارتي الثروات الطبيعية في البلدين والبروتوكول حول التعاون في مجال التلفزة واتفاقية التعاون في مجال الرقابة على المخدرات وغيرها، ووقع رئيسا روسيا ومصر معاهدة الشراكة الاستراتيجية بين روسيا الاتحادية ومصر. وترسم هذه الوثيقة المؤلفة من 300 صفحة اتجاهات التعاون بين البلدين خلال السنوات العشر القادمة. وبالإضافة إلى ذلك تم توقيع مذكرة التفاهم بين وزارتي العدل في الدولتين ومذكرة التفاهم والتعاون بين وكالة الأرشيف الفيدرالية الروسية والمكتبة الوطنية المصرية وأرشيف مصر.
أما فى عهد الرئيس المعزول محمد مرسى فلم تحقق زيارته لموسكو العام الماضى أية نتائج ايجابية حيث اخفق فى اقناع موسكو بتعزيز العلاقات وتزويد مصر بالقمح بأسعار خاصة ، ولم تجر لمرسى خلال الزيارة أية مراسم رغم تهليل الصحف الرسمية والتلفزيون الرسمى لهذه الزيارة .
وعقب الثورة الشعبية الملهمة التى وقعت فى 30 يونية 2013م كان لزاما على القيادة المصرية أن تتجه شرقا لا سيما بعد الضغوط الأمريكية ومحاولات الابتزاز ، ومن ثم رأينا الوفود الشعبية تتجه لروسيا تمهيدا لتعميق العلاقات وإعادتها إلى ما كانت عليه أيام الرئيس الراحل عبدالناصر ، وقد كللت هذه المحاولات بزيارة وزير الدفاع الروسى سيرغي شايغو لمصر ضمن وفد رفيع المستوى فى نوفمبر 2013م وسط أنباء عن صفقة أسلحة روسية للجيش المصري تفوق قيمتها ملياري دولار ، وقد أشاد وزير الدفاع المصري الفريق أول عبد الفتاح السيسي بهذه الزيارة ووصفها بـ “عهد جديد” في العلاقات المصرية الروسية. كما أبلغ السيسي نظيره الروسي بأن الزيارة “تطلق إشارة التواصل الممتد للعلاقات الاستراتيجية التاريخية من خلال بدء مرحلة جديدة من العمل المشترك والتعاون البناء المثمر على الصعيد العسكري.”
هذا وقد رافق وزير الدفاع الروسى ممثلون عن شركتين روسيتين للأسلحة في لقائه مع السيسي، بالإضافة إلى مبعوث خاص للرئيس فلاديمير بوتن ، وكان عضو المجلس الاستشاري التابع لوزارة الدفاع الروسية، روسلان بوخوف، قد أعلن في وقت سابق أن مصر تسعى لإبرام صفقة أسلحة روسية بنحو ملياري دولار ، وتشمل الصفقة حسب بوخوف طائرات مقاتلة من طراز ميغ تسعة وعشرين، وأنظمة للدفاع الجوي، وصواريخ مضادة للدبابات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *