الرجولة.. لقد أجمع العقلاء على مدحها والدعوة إليها في قديم الزمان وحديثه، فهي خصلة نبيلة، وصفة جميلة،، إنها أمر يتفق عليه الجميع؛ مؤمنهم وكافرهم، تقيهم وفاجرهم، عاقلهم وسفيههم، بل إنك ترى كثيرًا من الحمقى والسفهاء يبرّرون حماقتهم بأنها مقتضى الرجولة .
كانت الرجولة في عصر العرب الأوائل إرثًا، كانت مفخرة وممدحة، فقد كان لديهم سمو في الأخلاق ونبل في المعدن، ولذا بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- فيهم، وأخبر أنه بعث في خير الناس، فقد خلق الله الخلق عربًا وعجمًا، وجعل الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- من العرب وهم خيرهم.
ليس كل الذكور رجالاً، ولا كل المؤمنين رجالاً، ولا كل أصحاب العضلات المفتولة، أو الشوارب المبرومة، أو اللحى المسدولة، أو العمائم الملفوفة، أو النياشين البراقة، أو الألقاب الرنانة رجالاً.
وبالرغم من كثرة المسلمين في هذا الزمان واقتراب أعدادهم من المليار ونصف، إلا أنني أجزم أن أكبر أزمة تعانيها الأمة الآن – بعد أزمة الإيمان – هي أزمة رجولة وقلة رجال.
والمتأمل في القرآن الكريم يكتشف أن الرجولة وصف لم يمنحه الحق تبارك وتعالى إلى كل الذكور، ولم يخص به إلا نوعًا معينًا من المؤمنين، لقد منحه لمن صدق منهم العهد معه، فلم يغير ولم يبدل، ولم يهادن، ولم يداهن، ولم ينافق، ولم يتنازل عن دينه ومبادئه، وقدم روحه شهيدًا في سبيل الله، أو عاش حياته في سبيله مستعدًا ومنتظرًا أن يبيعها له في كل وقت.
نفهم هذا من قول الله عز وجل: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} [الأحزاب:23]، فقد بين سبحانه صفات الرجولة بعد أن أكد أنه من المؤمنين رجال وليس كل المؤمنين رجالاً.
ماذا تعني الرجولة؟
هي أن تذكر الله دائماً في أعمالك وأفعالك ، الرجولة كلمة شرف و موقف عز، الرجولة هي البذل والعطاء والتضحية و الفداء، الرجولة هي أن تحسن إلى من أحسن إليك ولا تسيء إلى من أساء إليك ، الرجولة هي أن تحترم الآخرين وتحترم وجهات نظرهم ولا تستصغر شأنهم ولا تسفه أرائهم ، الرجولة هي أن تقول الحق وتجهر به ولا تأخذك فيه لومة لائم ، الرجولة هي الشهامة والمروءة في أجلى معانيها ، الرجولة هي أن تعطي كل ذي حق حقه ، الرجولة هي الأخلاق الكريمة والمعاملة الحسنة، الرجولة هي أن تحب لغيرك ما تحب لنفسك ، الرجولة هي أن تمد يد العون للمحتاج في كل الظروف ،الرجولة هي تعرف قدر نفسك فلا تتجاوز بها الحد ،الرجولة هي أن تغفر وتعفو عند المقدرة وأن تمسك نفسك عند الغضب،الرجولة هي أن تمسح بيد حانية دمعة ألم عن وجه بائس ،الرجولة هي أن تنام قرير العين مرتاح الضمير غير ظالم ، الرجولة هى أن ترعى مصالح أسرتك وبيتك وزوجتك وان توفر لهم الأمان والاستقرار ،الرجولة هى حب الرجل لأمرأتة .. هى الوفاء.. المودة ..الرحمة ،الرجولة هى ان تجعل زوجتك تشعر بأنها اسعد إنسانة فى الوجود ولا حياة لها بدونك، كم من تلك الصفات تجدها في نفسك ؟
والرجولة وقوف في وجه الباطل، وصدع بكلمة الحق.
يفهم هذا من موقف مؤمن آل فرعون الذي كان يكتم إيمانه، لكنه لم يستطع السكوت عندما علم بعزم فرعون على قتل نبي الله موسى – عليه السلام -،وقرر الوقوف في وجه الظلم، ومناصرة الحق، ولم يخش على حياته التي توقع أن يدفعها ثمنًا لموقفه، ولم يخش على منصبه الكبير عند فرعون، فنهاه عن قتل موسى – عليه السلام – وحاول إقناعه بأن ذلك ليس من الحكمة والمصلحة، ولم يكتف بذلك، بل توجه إلى موسى وأخبره بما يخطط له فرعون وزبانيته، ونصحه بالخروج من مصر.
وقد استحق هذا المؤمن وصف الله له بالرجولة فقال سبحانه:
**وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ} [غافر: 28], وأكد على وصفه بالرجولة في موضع آخر فقال تعالى: **وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ} [القصص: 20].
والرجولة قوامة على النساء:
ومن لا يملك هذه القوامة، ويرضى بأن تكون المرأة قوامة عليه حاكمة له، ويدعها تنحرف وتتبرج، وتفعل ما تمليه عليها أهواؤها، فهو لا يستحق وصف الرجولة، وإنما وصف الذكورة فقط، لأن الحق جل وعلا أكد أن الذي يملك القوامة هم أصحاب الرجولة حيث قال: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ …} [النساء: 34].
وعند التأمل في واقع المسلمين اليوم على ضوء مفهوم الرجولة في القرآن الكريم يتبين لنا أن الأمة تعاني فعلاً من أزمة رجولة؛ فسكوت أغلب حكام المسلمين عن مقدساتهم التي تدنس، ودمائهم التي تنزف، وكرامتهم التي تمتهن، وأعراضهم التي تنتهك، وأرضهم التي تحتل، وثرواتهم التي تسرق، ناتج عن انعدام الرجولة أو ضعفها عند هؤلاء- فضلاً عن ضعف الإيمان .
وصرنا بحاجة إلى أن نذكر الكثير من الرجال بسمات الرجولة، ونطالب الشباب أن يكونوا رجالاً لا صغارًا، بل حتى أن تذكر بعضهم بأن يكونوا ذكورًا لا إناثًا، فترى بعضهم يجتهد في محو معالم الرجولة حتى من وجهه، وكأنه يمحو العار عنه، فلا تفرق بينه وبين الأنثى إلا بعسر، إن اللباس وقصة الشعر وطريقة التحدّث كلّها لها تأثير على النفس، فلباس الرجولة يورث في النفس الرجولة، ولباس الميوعة يهدم النفس ويورث الضعف.
إن أمتنا – بحاجة ماسّة إلى الرجال الصادقين الذين هم على استعداد أن يتحمّلوا المشاق في سبيل النهوض بالأمة والوطن ، كل في مجاله الذي هيأه الله له، بحاجة إلى ذلك الرجل صاحب المروءة والشهامة والنخوة، صاحب السريرة النقية والقلب الحي المتوقد، بحاجة إلى ذلك الرجل الذي يتمعر وجهه من فعل ما يشينه، نريد رجلاً يثب لمساعدة الآخرين ونفعهم وثبًا لا يريد منهم جزاءً ولا شكورًا، شيمته التواضع وعادته الكرم، ليس غبيًا مغفّلاً ولا منغلقًا أو غير واعٍ.