فى نهاية كل عام يقدم المراقبون كشف حساب من وجهة نظرههم لأهم أحداث العام، وقد جرت العادة أن يقدم المفكرون العرب هذا الكشف عن العالم العربى. ولا أظن أن أى رصد لأحداث العالم العربى يمكن أن يتجاهل عدداً من الأحداث التى تؤرق المهتمين بالعالم العربى ونخص منها خمسا أساسية. الملف الأول هو ملف الأحداث فى مصر وهو الملف الذى شغل العالم العربى كله وربما ألقى بظلال معينة على دول المنطقة العربية، وأعنى بذلك ما حدث فى 30 يونيو وما اعقبها من أحداث يريد الجميع أن تخرج منها مصر سالمة لأن مصر هى الرافعة الأساسية للعالم العربى وتؤثر أحداثها فى كل بيت عربى سلبًا أو ايجابًا كما يتأثر كل بيت مصرى بما يقع فى المنطقة العربية من أحداث وتطورات. ولكن الخصائص الأساسية لملف مصر هو حالة الانقسام حتى داخل الأسرة الواحدة والانصراف عن التحديات الحقيقية وبروز أزمة التيار الإسلامى فى السلطة والتى تحتاج إلى دراسة موضوعيه متأنيه، لأن هذه الأزمة أثرت تأثيراً واضحاً على أوضاع مصر الداخلية وعلى علاقاتها الخارجية.
الملف الثانى، هو الأزمة البنيوية الدموية التى تضرب ليبيا، وكذلك الأزمة السياسية الحادة التى تواجهها تونس وهذه من تداعيات الحركات الشعبية التى وقعت فى البلدين. ويلحق بهذا الملف التوترات فى اليمن والاتجاهات الانفصالية ومحاولات جمع اليمنيين فى حوار وطنى شامل يواجه عقبات جادة فضلاً عن توابع وجود التطرف والإرهاب. يتسع هذا الملف أيضًا لأزمة مكتومة فى لبنان وهى من توابع المأساة السورية بالإضافة إلى عدم الاستقرار فى العراق عشية الاستحقاقات الانتخابية. الملف الثالث هو أزمة اللاجئين العرب الذين تجاوز عددهم عدة ملايين وكان الشائع أن اللاجئ هو الفلسطينى وحده الذى طرد من أرضه ولجأ إلى الدول المجاورة أملاً فى العودة. ولكن اللاجئين لم يعودوا فقط فلسطينيين بل صار اللجوء المزدوج وهو الفلسطينى اللاجئ فى سوريا أو العراق والذى لجأ إلى دولة ثالثة ،ومحنة هؤلاء ناجمة عن تقلب أوضاع العالم العربى .فاللاجئ الفلسطينى فى سوريا مطارد من طرفى الصراع وهو فى الأساس محسوب على النظام وضيف عليه. وأما اللاجئ العراقى من بقايا النظام السابق فقد وقع فى نفس المحنة، ويجد الأمرين إذا أعيد إلى العراق أو هاجر إلى دولة عربية ثالثة، ولذلك فان حل مشكلة اللاجئين السوريين والعراقيين والفلسطينيين لا يتحقق إلا بتسوية المشاكل فى بلادهم والتى فروا وأصبحوا لاجئين بسبها، ونتمنى أن يشهد العام الجديد تسوية اللازمة السورية وأن يحقق العراقيون توافقاً يتجاوز التقاطعات البغيضة التى تفصل بين أبناء الشعب الواحد. ولكن الدول العربية الأخرى عليها مسئولية مواجهة مشكلة اللاجئين العرب التى يجب أن يخصص لها صندوق وأن تقرر الدول العربية مبادئ اساسية يلتزم بها الجميع لتخفيف محنتهم وحفظ كرامتهم فى مواطن اللجوء فى الدول المجاورة، فهذه كلها شعوب كريمة من بلاد عامرة بالخيرات، ولكنها تعرضت لمحن متعددة وأبرزها قصر النظر والمؤامرات.
إذا سويت الأزمة السورية فسوف تطوى معها ملفات شائكة وسوف يعود اللاجئون السوريون إلى وطنهم وبيوتهم، ويخف التوتر فى لبنان، ويعود الوئام إلى الدول العربية التى تأثرت علاقاتها بهذه الأزمة.
الملف الثالث، هو الدماء العربية التى اريقت فى صراعات داخلية طائفية وسياسية تفوق عدة مرات مجمل الدماء العربية التى سالت فى الصراع العربى الإسرائيلى ،والأخطر أن هذه الدماء تسيل فى اطار تفتيت الأوطان العربية أو الصراعات كما يحدث فى العراق وفى سوريا فضلاً عن أن هذا العام سجل معدلاً مرتفعاً للغاية فى الاغتيالات السياسية.
الملف الرابع، هو الصراع العربى الإسرائيلى وأهم ما فيه أن كل أعداء إسرائيل يحترقون فى المحرقة السورية وأن أوراق الفلسطينيين محدودة كما أن الشقاق لا يزال محتدماً فى الصف الفلسطينى، والنتيجة الطبيعية هى المزيد من طمع إسرائيل فى تحقيق أهدافها فى فلسطين عن طريق الاستيطان والعدوان، كما أن عملية السلام التى بدأتها الولايات المتحدة دخلت فيها إسرائيل من أجل ضم المزيد من الأراضى الفلسطينية وليس تقديم ما يغرى الفلسطينيين بالتفاوض ولذلك يمضى هذا العام وقد ترك مفاوضات السلام تدور فى حلقة مفرغة.
الملف الخامس، هو التقارب الايرانى الغربى وآثاره الاقليمية المتوقعة فى الملف السورى والملف النووى الإيرانى وغيره من جميع قضايا المنطقة. وإذا كانت إيران فى هذا الملف سوف تقدم تنازلات فى ملفات كثيرة وأولها الملف النووى فإن المقابل هو الاعتراف بها كقوة إقليمية ولا يزال الجدل مستمرا حول هذا التحول الكبير. وفى الوقت الذى كنا نطالب فيه الاطراف العربية بالحوار مع إيران، فإن الموقف العربى لم يدرس دراسة كافية جماعية بسبب اختلاف الآثار التى تواجهها كل دولة فى هذا الملف. وإذا كان مجلس التعاون الخليجى قد رحب بشكل عام بهذه الخطوة، إلا أن هناك محاولات لعرقلتها من جانب إسرائيل ودول أخرى. ولما تحققت إسرائيل من جدية واشنطن فى هذا التوجه الاستراتيجى، فقد اعدت نفسها للتعاون مع إيران واعلن الرئيس الإسرائيلى بأن إيران لم تعد دولة عدو وأنه يرحب بالتقارب معها، مما يفتح الباب لهذا التطور الجديد وهو تطور بلاشك سوف يؤثر على كل الملفات العريية.