لا تختفِ وأنت فيَّ..
في حرم قلبي محجوبْ
عن شجن الشّمس ساعة الغروبْ
توافي نسيمات شوقي المشُوبْ..
وعلى أكماته الخضر، كالطّل تجولْ
وقطرةً فقطرةً تروي مشوقك المغلولْ
حاضر أنت في امتحان الغيابْ
عمود نار… عمود سحابْ
غائب لا يحتويك الحضورْ…
بعيد المدى، قصيّ الصّدورْ
أسير إليك… تفيء عليَّ…
قريب من النّفْس كالنّفَسِ
اصطفاك الهوى غيرَ ملتبسِ…
دنيّ، وفي دنوّك صبوةٌ
إلى أحسن الحسن منّي، غير مدلّسِ…
وجدانك بي ووجداني بكَ
ضميري ضميرك، بين الشّغاف تقدُّسي…
أنت منّي لا عينٌ ولا أُذُنٌ
بك أراك وأسمع وحْيك في غلسي…
اثنان نحن في عرف النّهى، غير أنّا واحدٌ…
أعنى معانيه فيك… لفظه فيَّ…
بعيد لا يحتوي لفظ البعد منك دلالةً
عليٌّ كأنّك فوق السّماء سماءُ
في مجدها تحفظ لي سكناً
فيه ابتدائي، إليه أبوءُ وما باؤُوا..
أبيت وملء حشاي طيوبكَ
وأصبح مشوقة، للقلب أنت رجاءُ..
فما قربك قربٌ ولا بعدك بعدٌ
لَأنت فوق التحيّز، أنّى نبضتُ أنت اللّقاءُ..
بحثت عنّي فيك.. وجدتك فيَّ…
تباعدْ كيفما شئتْ
فما بعدك إلاّ بشائر قرب رغيدْ
وما هجرك إلا بكائر وعدٍ وعيدْ
وتعاقبْ في ضميري تعاقبَ ليل ونهارْ
وعُدْ أبدًا، وكُنْ فرحي…
وتيّمني بعينٍ وثغر نضيدْ…
وكنْ لي، وكنْ منّي
وكنْ فيَّ…
تناءَ متى شئتْ
تستعرْ نيراني وأبلُغْ من الصّبِّ كمالَهْ
وأكُنْ للحبّ نجْمه وهلالَهُ…
وأهديك دمعي وشمعي وسمعي
وأشدوك آهي وتباريح شوقي وهمْعي…
وأتسنّم جبل الأقداس بالغةً سرّ أسراركَ
وقلبي عينٌ تراك، فإذا أنت فردي وجمعي…
تباعدْ وتناءَ، والتحمْ بروحيَ السّقيمْ
تقاربْ وتدانَ، واستدعِ لهيب الشّوق الأليمْ
ولا تختفِ…
انغمس في دمي
وانغمر بفيض حبّي
واحتجب عنّي بي…
وليكن البعد عنك قرباً
وكُنْ محْض جمالٍ أكُنْ حمْدًا وحبّاً…
وخذني، سيّدي، من سجن اغترابي ووحشتي
وأشرق على روحي، يا روح روحي أسكرْ وأَنتشي..
لا تختفِ… وامكث هنا أبداً
فيّ ما فيك… فيك ما فيّ…