أعلنت منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم اليونسكو اعتزامها تنفيذ مشروع جديد تبلغ قيمته 530 ألف دولار فى كل من مصر وليبيا لدعم السلطات المحلية فى كلا البلدين وتمكينها من الاستمرار فى توفير التعليم النوعى فى ظل الأوضاع الصعبة الراهنة.، بالإضافة إلى مساعدتها فى إصلاح وإعادة هيكلة نظامها التربوى.
ولكن لن تنهض مصر بالمساعدات الخارجية !!
حيث يواجه الإصلاح التربوي المصري عددا كبيرا من التحديات التي تثقل خطواته وتشل قدرته على الانطلاق. فالوطن العربي كله يعاني من التاءات الثلاثة: التبعية والتجزئة والتخلف وهو الثلاثي الذي يشكل قدر هذه الأمة في المرحلة الراهنة ويعيق حركة نمائها ويجعل من حركة نهوضها وتطورها محفوفا بالخطر. و يمكن أن نميز حالات رئيسة تتمثل في منظومة من التحديات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية القيمية. وهذه التحديات تمثل في الوقت نفسه منطلقات للعمل الإصلاحي في مجال التربية والتعليم وفي المجالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المختلفة.
ولا بد لنا من القول في هذا السياق: إن الإصلاح التربوي المصري، لا يمكن أن يتحقق فعليا، وأن يصل إلى غاياته، إلا في موكب من الإصلاحات الشاملة، التي يجب أن تتم في ميدان الإدارة والاقتصاد والحياة السياسية والاجتماعية في مختلف جوانبها. وهذا يعني بالضرورة أن الإصلاح التربوي لن يتم بصورته الطبيعية ما لم يتم في إطار رؤية شمولية للواقع السياسي والاجتماعي برمته .
على الرغم من الجهود التي بذلتها الدولة سياسيا وتربويا واجتماعيا، مازال النظام التعليمي يراوح في مكانه، ومازالت الصعوبات تمنعه من الانطلاق، والتحرر من أثقاله.
والسؤال هنا لماذا لم يستطع التعليم أن ينهض رغم هذه الجهود التي بذلت في مختلف المستويات ؟ والإجابة عن هذا السؤال ليست بالأمر اليسير.
وقبل أن نضع الإجابة حول هذا التساؤل لا بد لنا من عرض لبعض الأسباب والعوامل الرئيسية التي تؤدي إلى إخفاق برامج الإصلاح التربوي أو نجاحها.
إن أول : التحديات تحديات اقتصادية يدخل الواقع الاقتصادي المصري بصعوباته وإشكالياته في قلب الأزمة التربوية ويشكل في الوقت نفسه جزءا من بنيتها.
حيث ان الواقع الاقتصادي يأخذ طابعا مأساويا في مصر التي ترزح تحت ديون كبيرة متراكمة وتعاني إلى حد كبير من شلل اقتصادي شامل ينعكس على مجمل الحياة الاقتصادية والاجتماعية بصورة عامة. ومن الطبيعي جدا أن ينعكس هذا الواقع الاقتصادي عل إمكانيات الإصلاح التربوي. فالأسباب الاقتصادية توجد في بنية الأسباب التي أعاقت حركة الإصلاحات التربوية، في مصر حيث بقيت أغلب المشاريع والخطط التربوية المصريه معلقة بسبب التحديات الاقتصادية التي تجعل أغلب المحاولات الإصلاحية حبرا على ورق.
ثانيا : تحديات علمية، ينطلق الإصلاح التربوي من واقع الدراسات والأبحاث الجارية حول النظام التعليمي القائم. فالدراسات الجارية هي التي تحدد مواطن القوة والضعف والقصور في النظام التعليمي، وهي التي تبين الصعوبات والتحديات التي تعيق نهضة التعليم وتطوره. وهي بالتالي التي تشكل قاعدة الإصلاحات والمشاريع الإصلاحية الممكنة. ويمكن تسجيل عدد كبير من الملاحظات التي تقلل من مشروعية الدراسات الجارية بوصفها المقدمات الأساسية للإصلاح التربوي ومنها:
– لم تأخذ الدراسات الجارية طابعا شموليا بمعنى أنها كانت دائما وأبدا تقتصر على دراسة جانب دون الآخر في النظام التعليمي، وهذا يضعف من شأن هذه الدراسات عندما تكون الغاية تهيئة المجال لإصلاح تربوي شامل.
– أغلب الدراسات التي أجريت بوحي من وزارات التربية والتعليم لم تأخذ طابعا منهجيا أكاديميا وبقيت هذه الدراسات أقرب للتقارير منها إلى البحوث العلمية المتكاملة.
– يلاحظ غياب التنسيق المطلوب بين الجامعات ووزارة التربية والتعليم في مجال إجراء البحوث والدراسات وهذا مما لا شك فيه ينعكس سلبا على وضعية التعليم وإمكانية التطوير والإصلاح.
– غياب نسق الأولويات في تحديد المشكلات: يضع الباحثون العرب غالبا نتائج أبحاثهم في سلة واحدة حيث تضيع الحدود الفاصلة بين التحديات الكبرى والمشكلات الصغيرة. فغالبا ما تخرج هذه الدراسات بمئات التوصيات التي لا تتباين في أهميتها..
ثالثا: تحديات في مستوى التخطيط التربوي، يشكل التخطيط منطلق الإصلاح التربوي في العالم المتقدم، ومن يبحث في مضامين الجهود الإصلاحية، التي أشرنا إليها في البلدان المتقدمة، يجد أنها تقوم على أساس التخطيط والتنظيم المتكامل. وغني عن البيان أن التخطيط يضمن للنظام التعليمي القدرة على تحقيق التكامل والتوازن في مسار تطوره الدائم.
وفي هذا المستوى يمكن القول أن التخطيط للإصلاح التربوي في الوطن مصر يأخذ طابعا تراجيديا. فأغلب الإصلاحات التربوية في مصر تأتي بصورة اعتباطية والأمثلة أكثر من أن تحصى في هذا الميدان.
وفي هذا السياق يمكن الإشارة إلى مجموعة من التحديات في مستوى التخطيط والتي انعكست سلبا على طبيعة العمل التربوي في مسيرته التنموية خلال الفترة الماضية ومنها:
– آلية التخطيط وديناميته: يأتي النشاط التخطيطي بتوجيهات الإدارات العليا غالبا، وهي صورة معكوسة لما يحدث عادة في البلدان المتقدمة. فالمشاريع التخطيطية تطرح في المؤسسات المعنية وتأخذ اتجاها صاعدا حيث تصل القضايا المعنية ناضجة إلى المستويات السياسية العليا، وعندها تتخذ القرارات السياسية المناسبة لإجراء الدراسات والأبحاث المطلوبة. وعلى خلاف هذا يتم التخطيط في البلدان النامية بصورة معكوسة فغالبا ما تأتي المبادرات من قبل القيادات السياسية العليا. وهذا ينعكس سلبا على نتائج النشاط التخطيطي ويؤدي إلى بناء خطط هزيلة غير قادرة على أداء الغاية التربوية المنشودة .
– غياب منهجية التخطيط التكاملي داخل النظام التربوي: وهذا يعني أن التخطيط التربوي يأخذ جوانب منفصلة من جوانب الحياة التربوية ويضع لها خططا بصورة منفصلة عن مجريات الحياة التربوية برمتها وبعيدا عن صيغة الأهداف التربوية. على سبيل المثال يلاحظ أن الخطط التربوية مثل خطط المعامل والبناء المدرسي غير متكاملة مع بعضها البعض، أو مع الجوانب الأخرى التي تتصل بالمعلمين والمناهج والتصورات المستقبلية إلى آخره. فالمعنيون بالأمر يخططون لكل جانب من جوانب الحياة التعليمية بصورة منفصلة تماما عن الجوانب الأخرى.
– غياب منهجية التخطيط التكاملي بين التربية وخطط التنمية: يلاحظ بصورة عامة غياب التنسيق بين التخطيط التربوي القائم واستراتيجيات التنمية التي تعتمدها الدولة في المستويات الاقتصادية والاجتماعية. وبصورة عامة يمكن القول إن أي عمل تخطيطي تربوي أو غيره لا يأخذ بعين الاعتبار الصيغة التكاملية سيطرح نفسه عبئاً على عملية التنمية في المستقبل، وسيشكل في نهاية الأمر نوعا من الهدر الاقتصادي.
– تجاهل العلاقة بين المدرسة والمؤسسات التربوية الأخرى: يسعى الإصلاح التربوي إلى بناء المدرسة ويتجاهل أهمية المؤسسات التربوية الأخرى كالأسرة وجماعات الأقران والمساجد وهي مؤسسات تربوية لا تقل أهمية عن المدرسة في بناء الشخصية وبناء الإنسان. مما لا شك فيه أن المدرسة لا تعمل منفصلة عن الأسرة والمؤسسات التربوية الأخرى، ومع ذلك لا نجد في الإصلاحات التربوية ما يشير إلى الاهتمام بالصلة الحقيقية بين المدرسة والأسرة والمساجد.
– عدم الاستفادة من التجارب العالمية الإصلاحية المعاصرة: تشكل التجارب التنموية العالمية في مجال التربية والتخطيط التربوي خزانا معرفيا ومنهجيا بالغ الأهمية في مجال التخطيط التربوي. ومع ذلك يبين الواقع أن نتائج هذه التجارب لم توظف بعد في خدمة التنمية والتخطيط في مجال التعليم بصورة عامة في مصر.
رابعا : تحديات ثقافية القيمية، حيث إن اتجاهات السكان في الدول النامية عامة نحو الحياة والعمل تعتبر معوقا للتنمية لما تتميز به من عدم احترام للنظام وانتشار الخرافات والخضوع للاستغلال وعدم الرغبة في التعاون وغير ذلك.
تشكل التحديات الاجتماعية والثقافية للواقع الذي نعيش فيه منطلق الإصلاح التربوي، وفي نسق هذه التحديات يمكن تحديد الدور الذي يمكن للتربية أن تؤديه في عملية النهضة التنموية الشاملة ولا سيما في مجال التنمية الثقافية.
في النهاية يمكن القول أن منظومتنا التربوية المصرية كمثيلاتها العربية تحتاج إلى إصلاح لكن هل سيبقى هذا الإصلاح حلما للأجيال القادمة أم يبقى مجرد شعار في ظل اللامبالاة وعدم تحمل المسؤولية والانفلات وعدم وضوح الرؤية ومجازات المتقاعسين بالرفق واللين بالتسميات والترقيات العشوائية والغياب الكلي للمتابعة للتحسين والتطوير