لاشك أن الإعلام أصبح صناعة مكلفة و يتطلب إمكانات مادية لكي يطور الشكل والمحتوى وحتى لا يصبح مايسمى ب ( التطوير ) رتوشا سطحية تبهر لفترة قصيرة ثم تملها عين المتلقي وتزهدها وفي النهاية تضيع الملايين وتذهب سدى بما يعتبر اهدارا للمال العام !
ولكن ليس معنى أن الإعلام مكلف فإننا يجب أن نتعامل معه – كدولة أو حكومة – بمنطق ( انسف حمامك القديم ) إلى الحد الذي جعل البعض أن يعتقد أن الحل هو خصخصة الإعلام ماليا مع ان يظل تحت عباءة حكومية بشكل أو بآخر !
هذه الصيغة قادت إلى فكرة نقل مهام الإعلام وهنا اتحدث تحديدا عن الإعلام الرسمي المملوك ملكية مباشرة للدولة والمتمثل في مبنى ماسبيرو بكل ما يعنيه ماديا ومعنويا بالنسبة للمصريين اقول نقل مهامه إلى نوافذ إعلامية خاصة أو كانت ملكا لبعض رجال الأعمال ثم تعثرت نتيجة التأرجح في سوق الإعلام الفضائي ماادى إلى وصول كثير منها إلى حد الإفلاس وعجزت عن تدبير رواتب العاملين فيها لأشهر عديده! وفي اعتقادي الشخصي أن السبب الرئيسي في الإفلاس الإعلامي قبل الإفلاس المالي لهذه القنوات هو عدم الفصل بين الملكية والإدارة بعبارة اخرى ان الفشل جاء من تدخل المالك بشكل سافر في السياسة التحريرية لقناته التي يعتبرها ضيعة خاصة به تروج لأنشطته والا لماذا يكلف نفسه اموالا طائله دون مردود أو ربح ؟
وكما نعلم أن رأس المال جبان ومن ثم كان قرار أو هوجة بيع هذه القنوات واصبح الطريق ممهدا أمام شركات الدعايةو الإعلان لتشتري أو تدير بعضها وبدأت التغييرات في سوق القنوات على ما اعتقد بالقنوات الرياضية ثم تفشى مرض البيع إلى بقية القنوات!
وبات المشهد الإعلامي تحت مظلة الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية وهي شركة متخصصة في الإنتاج الاعلاني والدرامي وطبيعي في الوضع الجديد أن تكون الوظيفة الإعلامية من مهامها بالاعتماد على مجموعة من الصحفيين الذين وجدوا في العمل التليفزيوني ضالتهم وبزغ نجم بعضهم في رئاسة تحرير أو تقديم برامج التوك شو المسائية واحقاقا للحق جذب بعضهم الأنظار إليه بينما فشل آخرون لعدم وجود درجة قبول بينهم وبين الجمهور…!
وفي الوقت نفسه وجد أبناء ماسبيرو أنفسهم يتساقطون جراء سحب السجادة رويدا رويدا من تحت أقدامهم بحجة ما يسمى بالتطوير تارة أو لأنهم اي أبناء ماسبيرو ينقصهم الابداع ويتعاملون مع وظائفهم الإعلامية كموظقين تارة أخرى !
وزاد من صعوبة الموقف عدم قدرة الهيئة الوطنية للإعلام في إدارة اعلام الدولة باليات جديدة افضل من اتحاد الإذاعة والتليفزيون السابق ناهيك عن الديون التي ورثتها الهيئة من الاتحاد ومعظمها ديون حكومية لبنك الاستثمار القومي ترجع عمرها لعشرات السنين! وبالتوازي مع هذا الموقف تم الغاء وظيفة وزير الإعلام مع الإبقاء على الوزارة التي آلت في النهاية إلى المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام وأعتقد رئيسه ان معنى ذلك انه الوزير ولن ننسى الصراع بين رئيس هذا المجلس ورئيس الهيئة الوطنية للإعلام على المكاتب والسيارات المتعلقة بوزير الإعلام !
ثم قسمت التركة بينهما وحلت المشكلة على السطح حتى جاء وزير دولة للإعلام وشعر الجميع بالخطر وبغض النظر عن تقييم دور الوزير أو ما قدمته هذه الوزارة تابعنا مسلسل صراع اخر تجسد في تحالف الجميع من صحفيين وإعلاميين ونواب في البرلمان ضد الوزير حتى اجبروه في موقف غير مسبوق في وزارة تعتبر من الوزارات السيادية أن يقدم استقالته! .
اذن أصبح المشهد الإعلامي على النحو المتقدم ضبابيا وفقد الإعلام دوره التنويري في توعية وبناء وعي ووجدان الأمة وسادت قيم البلطجة والتحرش والعنف والقدوة السيئة أعمالنا الدرامية الا مارحم ربي في بعض المسلسلات التي تخاطب قيم المصلحة العامة والاحتشاد الوطني ! ولاحظنا تراجع التغطيات الإخبارية للاحداث الكبرى الطارئة وتركزت على التغطيات التقليدية الرسمية فقط واختفت شبكة المراسلين ولم تعد هناك لايفات من موقع الحدث داخل او خارج مصر وأعتقد أن الرئيس السيسي ألقى باللوم في أكثر من مناسبة على الإعلام في عدم مواكبته الموضوعية للاحداث بل وأذكر أنه في إحدى المناسبات طالب بقناة اخبارية متطوره وان كنت أعتقد أنه لم يقصد نسف الموجود والعودة للمربع صفر إنما أراد تطوير قناة مثل النيل للأخبار وقيل إنها ستتحول لشركة اخبار ولم يحدث أو قناة مثل اكسترا نيوز وأثبتت وجودها في كثير من الأحداث ! على اي حال
من هنا جاء التفكير في صياغة جديدة لإعلام الدولة يكون فيها بعيدا عن الملكية المباشرة للدولة! بعبارة أدق يكون بعيدا عن مبنى ماسبيرو وينتقل إلى قنوات تابعة للشركة المتحدة مثل الحياة واون والمحور ودي ام سي وغيرها!
وهنا تحقق الحكومة إنجازا مهما يتمثل في رفع العبء المالي عن كاهلها حيث يتم تمويل الإعلام ذاتيا وهو ما عجزت عنه الهيئة الوطنية للإعلام! وعندما جاء الحديث عن قناة اخبارية مصرية على المستويين الإقليمي والدولي وجدنا أنفسنا أمام ثلاثة بدائل :
1️⃣ تطوير قناة النيل للأخبار وضم النيل الدولية إليها وهي الإعلام بلغات الآخر !
2️⃣تطوير قناة اكسترا نيوز حتى لا يتم اللجوء لماسبيرو مرة أخرى لانه يعاني مشكلات يجب البعد عنها لكن لامانع من الاستفادة من بنيته التحتية !
.3️⃣ نسف كل التجارب السابقة والتخطيط لانشاء قناة اخبارية تليق باسم مصر على أعلى مستوى مهني وتقني يجري تمويلها من خلال (المتحدة ) وتتمتع بقدر من الحرية وبذلك ترفع عن الحكومة عبء التمويل والحرج في تناول بعض الأخبار !
ويبدو أن البديل الثالث هو الأقرب للتنفيذ لكن قبل أن تنسف حمامك القديم وقبل البدء في تنفيذ الجديد لابد من محاسبة المسئول عن تجارب التطوير السابقة !
ودعونا نقول وسط الافكار الجديدة وصيغ التطوير المنتظرة واحيانا عدم وضوح رسالة الإعلام يجب ألا ننسى أن الإعلام هو امن قومي واحد القوى الناعمة المهمة في عالم اليوم بل إن الإعلام مرآة الأمة يعكس آمالها وهمومها ويوقظ وعي ابنائها ويكون وجدانهم! .
على الرغم من تسليمنا بأن الإعلام صناعة مكلفة إلا أن الإعلام الراقي ليس صفقة ربحية لكنه يقوم بتوظيف الفلوس من أجل بناء النفوس وأتمنى أن تكون رسالتي وصلت للجميع !