في السادس من أوكتوبر 1973 وفي تمام الساعة 14.00، شنّت مصر وسوريا هجوماً جوياً وبرياً وبحرياً على إسرائيل . فأقلعت 200 طائرة مصرية، وقصفت المطارات الإسرائيلية وعمق الدفاعات والقواعد العسكرية، ثم بدأت تدكّ خط برليف الذي كان يعتقد الإسرائيليون أنه أقوى خط دفاع في العالم، نظراً لقوة تحصيناته وموقعه المميز على ضفة حاجز مائي كبير أي( قناة السويس)، إضافة إلى تفوّق سلاح الجو الإسرائيلي، مما يجعل مهمة خرقه شبه مستحيلة، وفي نفس الوقت كانت 200 طائرة سورية تهاجم إسرائيل من الشرق .
ورغم أن الأمريكيين كانوا قد أبلغوا قادة إسرائيل قبل ثلاثة أيام باحتمال وقوع الحرب، لم يتّخذ الجيش الإسرائيلي استعداداته اللازمة. فسبب الهجوم الصاعق صدمة كبيرة لهم ، يصفها إيهود باراك بالقول ؛ «عندما دخلت غرفة العمليات (التي كانت تُسمى بالحفرة) كانت الوجوه شاحبة كأنه يعلوها الغبار، فلقد كانت تلك اللحظة الأقسى في الحرب»
حاول الإسرائيليون الرد سريعاً على الغارات العربية، لكن صواريخ «سام-٦» السوفياتية الصنع ، المضادة للطائرات، كانت بانتظارهم، وبدأت طائراتهم تتساقط كالأوراق المحترقة، في مشهد لم يعتاده طياروهم من قبل، فأصابهم ذلك بالذعر والهلع ، واضطرّت القيادة الإسرائيلية إلى وضع الطيارين في مقاعدهم بالقوة، وخسرت في تلك الحرب 372 طائرة مقاتلة، مقابل 120 طائرة مصرية، و 117 طائرة سورية.
وكانت الحرب الباردة على أشدّها بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي، ومثّلت حرب تشرين حرباً بالوكالة عن الراعيين الأساسيين للدول المتحاربة، وعندما وجد الأمريكيون أن كفّة الحرب رجحت لصالح العرب، أمدّت إسرائيل بجسر جوي مباشر، وزوّدت طائراته بالقنابل الحرارية للتشويش على صواريخ «سام» ، وكذلك زودتها بكميات كبيرة من صواريخ التاو المضادة للدبابات. وفي المقابل أقام السوفيات جسراً جوياً بنسبة أقل باتجاه مصر وسوريا .
منذ مدة كشفت المخابرات البريطانية عن وثائق سرية، أظهرت أن تلك الحرب تسببت بأزمة بين بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، فقد عمدت أمريكا إلى رفع جهوزية جيشها إلى (دافكون 3) أي حالة الدفاع رقم ثلاثة التي يتم فيها استنفار السلاح النووي، ولم تُعلم بريطانيا بالاستنفار النووي، الذي دخل حيز التنفيذ الساعة السادسة بتوقيت غرينيتش ، سوى بعد مضي عدة ساعات، رغم أن اجتماع دول الناتو كان قد بدأ عند الساعة 11.45 وانتهى عند الساعة 13.30 ، لكن البحرية الأمريكية لم تُرسل إخطاراً بذلك سوى عند الساعة 8.00 .
وكتب بول رينولدز مراسل الشؤون العالمية في بي بي سي حينذاك يقول: إنه في المذكرة اللاذعة، التي نُشرت بعد 30 عاماً من السرية، اتهم رئيس الوزراء البريطاني آنذاك إدوارد هيث، الرئيس نيكسون بمحاولة صرف الانتباه عن فضيحة ووترغيت . وبحسب تقييم حالة التأهب من قبل لجنة المخابرات المشتركة، فإن الدكتور كيسنجر أبلغ السفير البريطاني في واشنطن اللورد كرومر عن حالة التأهب، لكنه ذكرها بطريقة «محيرة» أو غامضة.
بعد التدخل الأمريكي بواسطة الأسطول السادس ، الذي كان مرابطاً على مقربة من مسرح العمليات في البحر الأبيض المتوسط، تغيّرت موازين القوى. فعلى الجبهة المصرية اندفع أرئيل شارون عبر ثغرة الدفرسوار إلى الضفة الغربية لقناة السويس وطوق الجيش المصري الثالث، لكنه رغم ذلك لم يتمكن من تحقيق هدف استراتيجي، فهو فشل في احتلال مدينة السويس أو الأسماعيلية، وكذلك بقي الجيش الثالث صامداً في مواقعه رغم الحصار، وعندما تم وقف اطلاق النار في 28 أوكتوبر كان الجيش المصري قد حقق أهدافه بتحطيم خط برليف، وعبور قناة السويس، واتخذ مواقع دفاعية على الضفة الشرقية للقناة .
أما على الجبهة السورية فكان الوضع أسوأ مما هو على جبهة مصر ، فلقد تمكّنت القوات الإسرائيلية من إعادة سيطرتها على كامل الجولان، ووسّعت منطقة احتلالها وتمددت خارج الحدود التي احتلتها عام 1967 إلى مساحة 500 كلم مربع، بما عُرف حينها ب«جيب سعسع» وبالرغم من النتائج النهائية التي فرضها التدخل الأمريكي في أرض المعركة ، كانت ارتدادات الحرب تهزُّ الكيان الإسرائيلي، الذي فقد نفسياً نشوة انتصاره عام 1967، وضاع منه شعار «الجيش الذي لا يُهزم».
أُجبر العرب على القبول بوقف إطلاق النار وأعلن الرئيس المصري أنور السادات أنه لا يستطيع محاربة الولايات المتحدة الأمريكية، وفي 21 كانون الأول 1973 ذهبت كل من مصر والأردن وإسرائيل إلى مؤتمر جنيف ، استناداً إلى قرار الامم المتحدة رقم 338 للبحث عن حل للصراع العربي الإسرائيلي، وشاركت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي في المؤتمر فيما امتنعت سوريا عن الحضور. وكان قد رتب للمؤتمر وزير الخارجية الأمريكية هنري كيسنجر، وأثمرت جهوده لاحقاً عن فك الارتباط العسكري بين المتحاربين في ربيع عام 1974 .
في آب ( أغسطس) 1977 سأل الرئيس المصري أنور السادات الرئيس الروماني تشاوشيسكو، عمّا إذا كان رئيس وزراء إسرائيل آنذاك مناحيم بيغن مستعداً للسلام، وعمّا إذا كان بإمكانه تمرير السلام في إسرائيل ؟؟ فجاء جواب بيغن للرئيس الروماني بأنه على استعداد لمقابلة أي زعيم عربي . وفي نفس الشهر وصل إلى القاهرة وزير الخارجية الأمريكية سيروس فانس، ليُطلع الرئيس السادات على مضمون المحادثات التي جرت بين الرئيس الأمريكي جيمي كارتر ورئيس وزراء إسرائيل مناحيم بيغن، وسلّمه رسالة من الرئيس كارتر يُعبّر فيها عن رغبته في تحقيق السلام بين العرب وإسرائيل، وأن الوقت قد حان لإجراء المباحثات.
وفي 15 نوفمبر 1977 تلقّى السفير الأمريكي في مصر صموئيل لويس رسالة من رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن، موجّهة إلى الرئيس السادات ، وكانت عبارة عن دعوة للسادات لزيارة إسرائيل، فقام بنقلها إليه وقبلها السادات على الفور، وقبل ذهابه عرض فكرته على الرئيس الأمريكي جيمي كارتر فأبدى الأخير ترحيبه وتشجيعه للسادات، وكذلك أيّده شاه إيران محمد رضا بهلوي الذي كان على علاقة جيدة مع إسرائيل، وأيّده؛ الرئيس الروماني، وملك المغرب الحسن الثاني، وعرض السادات فكرته على المملكة العربية السعودية، وكذلك طلب من الرئيس السوري حافظ الأسد أن يذهبا معاً، لكن الاسد رفض الاقتراح واستنكر خطوة السادات .
في التاسع من نوفمبر ألقى السادات خطابه أمام مجلس الأمة المصري، معلناً استعداده الذهاب إلى آخر العالم من أجل السلام ،وكان يسعى لإخراج مصر من ضائقتها الاقتصادية . توجّه وفد مصري إلى إسرائيل في 18 نوفمبر برئاسة رئيس ديوان الجمهورية المصرية حسن كامل، للتمهيد لزيارة السادات. وفي 20 نوفمبر ألقى السادات خطابه أمام الكنيست الإسرائيلي الذي صفّق له طويلاً .
في 18 سبتمبر 1978 وبعد 13 يوماً من المفاوضات وقع السادات وبيغن بحضور ومباركة الرئيس الأمريكي كارتر اتفاق السلام ،وكان عبارة عن وثيقتين؛ تناولت الأولى مستقبل الضفة الغربية وقطاع غزة ،والحاجة إلى حل المسألة الفلسطينية، وأعطت الوثيقة الثانية الحق لمصر بالسيادة على سيناء وانسحاب إسرائيل منها .
رفضت سوريا السلام مع إسرائيل ومعها الجزائر وليبيا واليمن الجنوبي ومنظمة التحرير الفلسطينية ، فيما أيّده عدد من الدول العربية، خاصة السودان وتونس والمغرب وسلطنة عمان، أما السعودية التي استعملت سلاح النفط وأوقفت تصديره إلى الولايات المتحدة خلال الحرب، فبقيت صامتة وشكّلت بوابة مصر إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وقدمت لها الدعم الاقتصادي .
بعد أكثر من 42 عاماً على مبادرة السادات ما زال الجولان السوري محتلاً، والدولة الفلسطينية غير موجودة وتقتصر على ادارة بعض أراضي الضفة الغربية، فيما لم تفعل الدول العربية التي عارضت السلام أي شيء لتحرير الأراضي المحتلة، بل عقدت اتفاقات هدنة مع إسرائيل، وناءت بنفسها عن القضية الفلسطينية، خاصة بعد سلام أوسلو المنقوص بين الفلسطينيين وإسرائيل، فيما ذهب البعض الآخر إلى التطبيع مع إسرائيل بالحد الأدنى من المكاسب متخلياً عن مبادرة السلام العربية التي أقرّها الرؤساء العرب في بيروت. ليبقى السؤال ماذا كان ليحصل لو ذهب العرب مع السادات إلى مفاوضات السلام في كامب ديفيد ؟؟؟ .