انقسم المجلس النيابي حول جلسة مناقشة اتهام الوزراء الثلاثة الذين ادعى عليهم قاضي التحقيق العدلي، بجرم الإخلال بالواجب الوظيفي، في جريمة انفجار مرفأ بيروت، بين كُتل تريد تطبيق مواد الدستور والقانون ٩٠/١٣ وإحالة الوزراء للمحاكمة أمام المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، وكُتل أُخرى ترغب برفع الحصانة عن النواب ومحاكمتهم أمام القاضي العدلي بيطار.
يعلم النواب الذين سيقاطعون جلسة اليوم والذين يعترضون على إحالة الملف إلى المجلس الأعلى بأن لا صلاحية للقاضي بيطار في هذا الموضوع، فالدستور واضح، لكنهم يعتبرون أن حجم الجريمة يبرر مخالفة الدستور، وينطلقون من أن الموضوع يجب مقاربتة من زاوية إنسانية، بالتضامن مع أهالي الشهداء والضحايا، حتى ولو اضطر الأمر إلى مخالفة الدستور.
وذهب تيار المستقبل إلى تقديم عريضة شكّلت سابقة في تاريخ الجمهورية اللبنانية بعد الاستقلال، تعيدنا إلى زمن الاستعمار وحكم المفوض السامي الفرنسي، حيث دعا المستقبل إلى تعليق مواد الدستور المتعلقة بمحاكمة الرؤساء والوزراء أمام المجلس الأعلى، ليتسنى للقاضي بيطار محاكمة المتهمين منهم.
خطير هذا العبث بالدستور أيّاً تكن الحجة.
بات النواب وكأنهم دخلوا في بازار مزاد علني، فالكل يريد استجرار العطف الشعبي قبل الانتخابات النيابية، متناسينَ أنهم سلطة تشريعية ومؤتمنون على تطبيق الدستور وتشريع القوانين، وبدل المطالبة بالغاء المحاكم الخاصة بدءاً بالمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، يُصرّ البعض على انتهاك الدستور، دون أن يخطر ببالهم أن هذا العمل يُشكّل جريمة توازي الخيانة العضمى، وتُعرّض أي مسؤول للمحاكمة بدءاً برئيس الجمهورية الذي لا يُحاكم سوى بهاتين الجريمتين.
إن انقسام المجلس النيابي أصبح واقعاً، والأخطر أنه بنتيجة هذا الانقسام لن تتم إحالة الملف إلى المجلس الأعلى، كما لن يتم رفع الحصانة عن النواب، وهذا ببساطة بمثابة قرار بمنع المحاكمة عن الوزراء، والمسؤول عن هذا الخيار بالدرجة الأولى، هم النواب الذين يصرّون على مخالفة الدستور ويبيعون مواقف شعبوية.
إن الخيار السليم هو بتعديل الدستور والغاء المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء وكافة المحاكم الخاصة، لتتحقق بذلك فعلاً مساواة اللبنانيين أمام القضاء والقانون ولكن اذا كان ذلك متعذراً فيبقى خيار محاكمة الوزراء أمام هذا المجلس أفضل من عدم محاكمتهم، والدخول في نفق السجالات، وخرق الدستور، فمن ينتهك الدستور اليوم بحجة ،سيخرقه غداً بالف حجة، وحينها على لبنان ودستوره ودولته والعدالة السلام.