يقول الله تعالى: (وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا ) .. (النساء -124 )، وهذه الآية ساوت بين الذكر والأنثي لكل من يعمل الصالحات.
والعمل الصالح هو العمل الذي يفعله الإنسان في الدنيا من تطبيق المنهاج الإلهي في كل ما يتعلق بالعلاقات الإنسانية بين البشر، والتعاون فيما يتوافق مع التعليمات الإلهية والعظات الربانية، والتي تأتي في مقدمتها الرحمة بكل معانيها ، بدءًا من العدل والإحسان والتسامح والمساعدة لكل محتاج ورعاية الفقراء، والمشاركة في إعانتهم ، وتقديم ما يستطيع لهم من دعم ومساندة والوقوف مع المظلوم، وتقديم النصيحة لمن ضل طريقه وإرشاده لطريق الخير، وما نصت عليه الآيات الكريمة في المنهاج الإلهي الذي يصفه الله سبحانه في قوله: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) .. (فصلت-33).
نجد التسلسل الإيماني يبدأ بالدعوة الى الله وتوحيده، إلها واحداً لا شريك له، وأن يعمل الإنسان عملا صالحا ثم يثبت انتماءه لدين الإسلام، يقول بعد العمل الصالح: إنني من المسلمين وليس من التباهي بالإسلام خيانة الأمانة، والإفساد في الأرض، وقسوة القلوب، وأكل أموال الناس، والسطو على حقوقهم ومصادرتها، وقتل الأبرياء وتشريد الأطفال بل المسلم الحق من لا يظلم الناس بلسانه ويده، يقيم شعائر العبادات، ويساعد الفقراء ويمد المساكين بالعون، وبما يلبي حاجاتهم، متواضعا كريما ، سريع الاستجابة لمن يطلب المساعدة ، المتسامح والكاظم الغيظ الذي يدفع بالتي هي أحسن، ومن ينشر السلام ويصلح بين الناس، ويأمر بالمعروف، وينصح الناس بالابتعاد عن المنكر.
والمنكر كل عمل يخالف شرع الله ومنهاجه بصفة عامة، وقد وصف الله سبحانه أهل العمل الصالح بقوله: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأرض هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجاهلون قَالُواْ سَلاَماً* وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً* وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً* إِنَّهَا ساءت مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً* وَالَّذِينَ إذا أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً* وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَـهَا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثَاماً) .. ( الفرقان 63-70).
وقوله سبحانه: (وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا) .. (الإسراء -26).. وقوله سبحانه: (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) .. (الإسراء – 35) وقوله سبحانه(وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) .. (الإسراء – 36).
وقال سبحانه وتعالى: (وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا) .. (الإسراء-37).. وقوله سبحانه: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (فصلت – 34).. وقوله سبحانه وتعالى: (بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) .. ( آل عمران – 76).
وقوله عز وجل: (وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا) .. (النساء – 86).. وقوله سبحانه وتعالى: (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ۚ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ) .. (الأعراف – 56).. وقوله سبحانه وتعالى: (وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِين) .. (الشعراء – 183).. وقوله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ) .. (الحجرات-12).
ولا يتبع المسلم كل تشريع أو حكم ينسبه إلى الله وإلى الرسول دون أن يكون له سند في كتاب الله، وعلى سبيل المثال صيام عاشوراء من أين استمد أهل الروايات المزورة هذا الأمر وجعلوه تشريعًا يتبعه الناس، وافتروا على الرسول بالكذب والتزوير…..؟!
فالله سبحانه شرع الصيام في شهر رمضان لحكمة عنده وطاعة من عبده لأمره، وامتحان لمجاهدة النفس بالامتناع عن الأكل والتشاجر بين الناس، وتحريم الظلم وتحريم أكل أموال الناس بالباطل، وتعويد النفس على طاعة الله بالسيطرة على الغرائز، فشهر الصيام جعله الله دورة تدريبية لتطهير النفس والانتصار على إغراءات الشيطان، أمًا صيام عاشوراء فهو عادة متوارثة لروايات كاذبة ليس لها دليل في تشريع الله في كتابه المبين، وقد نهى الله عن اتباع فتاوي بعض البشر من أن تضللهم وتبعدهم عن طريق الحق، ولذلك أراد الله سبحانه أن يحصن المسلمين بكتابه بقوله (اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ۗ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُون ) .. (الأعراف – 3).
ولو اتبع المسلمون التشريع الإلهي والمنهاج الرباني في آياته لما اختلفوا فيما بينهم وتقاتلوا وسفكوا دماءهم ظلما ،وتعددت مرجعياتهم، والله يريد لهم الأمن والسلام بالاعتصام بكتاب الله الذي يوحدهم على طريق الحق والسلام، بقوله سبحانه: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ) .. (ال عمران – 103) وحذرهم من التنازع والصراع فيما بينهم بقوله سبحانه وتعالى: (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ) .. (الأنفال – 46) فشلوا وتفرقوا وتنازعوا وذهبت ريحهم وأصبحت أراضيهم مستباحة وثرواتهم منهوبة لأنهم نسوا الله واحتموا بأعدائهم، وظنوا أنهم أقدر على حمايتهم من خالقهم ، فجزاهم الله على عصيانهم له بالحروب الأهلية من جانب، وعدوهم يسعى لتدميرهم وتخريب ديارهم من جانب آخر، فوقعوا في شر أعمالهم كما قال سبحانه (يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) .. (العنكبوت -٥٥)