مر 48 عاما على حرب اكتوبر ولاشك ان هناك ملفات عديدة مازالت تحتاج الى ان تفتح للاجابة على الكثير من علامات الاستفهام حول هذه الحرب التي كانت نقطة فاصلة في الفكر العسكري والاستراتيجي الامر الذي كان له انعكاسات سياسية ليس على منطقة الشرق الأوسط فقط بل على العالم أجمع .
وعلى مدى اكثر من ساعتين التقى عدد من القامات العسكرية والثقافية والاعلامية للاحتفال بالعيد 48 لانتصار اكتوبر المجيد استمعوا الى شهادات ابطال حرب اكتوبر من واقع ماحدث ولكن المواضيع التي اثيرت تحتاج ساعات وساعات وليس مجرد صالون احتفالي لاحياء ذكرى عظيمة في ذاكرة كل مصري بل كل عربي .
اللقاء كان بمثابة دعوة لعقد مؤتمر واسع حول حرب اكتوبر في العيد الذهبي للنصر اي بعد عامين من الان و ارى انه من البديهي ان تسبقه دراسات لكل الوثائق المتعلقة بالحرب التي كشف النقاب عنها والتي لم يكشف عنها بعد وآن الاوان عقب هذه السنوات ان تخرج الى العلن !
وعموما تركز الحوار على 7 محاور نسوقها على النحو التالي :
اولا – حرب اكتوبر أول حرب ينتصر فيها الجيش المصري في التاريخ الحديث حيث استطاع الجندي المصري تغيير مفاهيم الحرب التقليدية بإعمال الفكر والعقل مقرونا بارادة حديدية واصرار على الثآر.
ومنها عملية اختراق خط بارليف وكانت من خلال استخدام خراطيم مياة قناة السويس بقوة دفع جباره سهل عملية الاقتحام وفتح نقاط لوضع رؤوس الكباري بطول القناة مكنت الدبابات والمدرعات من العبور الى الضفة الشرقية .
والاهم بعد ان كانت دبابة في مواجهة دبابة أو طائرة في مواجهة طائرة اصبح الجندي في مواجهة الدبابة والطائرة بسلاح محمول على الكتف وهكذا تغيرت المفاهيم بفعل إرادة الانسان .
ثانيا – لم يات نصر اكتوبر من فراغ انما كان تتمة لاكثر من الف يوم بعد نكسة الخامس من يونيه 1967 من الاستعداد القتالي في كل الاسلحة والجيوش وهو ماسمي بحرب الاستنزاف ولعل مارس وابريل من عام 1969 كان إشارة البدء الأولى في اننا على الطريق الصحيح عندما قررت القيادة اخلاء منطقة القناة من بورسعيد الى السويس بتهجير ساكنيها الى الاقاليم ودلالة هذا الاخلاء يعني ان ماتم خلال العامين السابقين كان ليس فقط اعادة بناء القوات المسلحة انما اعدادها لتحرير الأرض ولن يتات هذا إلا اذا أصبحنا وجها لوجه مع العدو وهو الذي لم يحدث في حرب يونيه 1967 ولضمان فعالية هذه الخطوة كان يجب تامين ملايين المدنيين من ابناء القناة الذي هجروا ديارهم وكلهم أمل في العودة القريبة لها .
خلاصة القول ان حرب الاستنزاف الاساس الذي تم البناء عليه للوصول الى لحظة تحرير الأرض
ثالثا – ان الترابط بين خط النار والجبهة الداخلية كان رهانا يقينيا بمعنى انه كان ادراكا محسوبا بدقة في منظومة الاعداد للمعركة واحد الاسباب التي أدت الى سهولة استيعاب أفكار الخداع الاستراتيجي التي وقع العدو في شراكها ورسمت باتقان خطوط مرحلة الحرب .
وفي المقابل كان الخطاب العام في هذه المرحلة يوحي بغير الواقع حالة اللاسلم واللاحرب التي اوحت بما يمكن تسميته بالاسترخاء العسكري فيما تواصل الضغط الشعبي خاصة في الجامعات المصرية حيث أصبحت مظاهرات الحركة الطلابية لاسيما في جامعتي القاهرة وعين شمس عام 1972 الصوت المنادي بسرعة تحرير الأرض .
وبينما كانت القيادة تعد للحظة الحاسمة كانت تروج لعام الضباب وغيره من مفردات تفتح أمد الإنتظار ما ادى الى اثارة الشارع المصري بمزيد من الاهتمام بدائرة صنع القرار في ذلك الوقت
ولعل قرار انهاء مهمة الخبراء السوفييت في الجيش المصري كان عملية تخدير للعدو الذي يمكن ان يقلل من درجة استنفاره مع صدور هذا القرار .
وخلال الأيام السابقة للسادس من اكتوبر لم يكن هناك اي شيء غير عادي سواء في الجبهة الداخلية أو على خط النار وكان كل هذا جزءا من عملية خداع عسكري غير مسبوقة
رابعا- عندما نتحدث عن روح اكتوبر فاننا نعني بها إرادة امة قررت في لحظة تاريخية خلق املاءات جديدة على الأرض لتنتج واقعا مختلفا .
انها روح ايجابية و بناءه الامر الذي ادى الى بروز سمة مميزة للمصريين بعد 73 بعبارة اخرى تم تغيير الصورة الذهنية لمصر في فكر الاخر وهو توجه لم يكن متاحا قبل 73
هذه الروح كم نحن في حاجة اليها اليوم في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية واخص تحديدا ونحن نتعامل مع ملف سد النهضة واليست قضية مياه النيل صراع وجود ؟
خامسا- عندما بدأت قواتنا المسلحة عبور اضخم واصعب مانع مائي في العالم في ساعة واحدة تغيرت فيها خطط وانهارت نظريات وقامت على اشلائها نظريات جديدة في الفكر العسكري والسياسي .
كان لابد ان يتزامن مع هذا كله تفعيل القوى الناعمة وتغيير لغة الخطاب الاعلامي وهو بلاشك تفعيل ضروري وتغيير طبيعي تميز بالهدوء والثقة .
ولو قارنا بين الحالة الاعلامية لمصر في 67 لنجدها مختلفة عن مثيلاتها في 73 الأولى حماسية والثانية هادئة الأولى لم تكن مدركة لابعاد الحدث والثانية كانت واقعية تخطط الرسالة الاعلامية من المعطيات على أرض الواقع .
وفي اعتقادي اننا في حاجة لدراسة تاثيرات الرسالة الاعلامية قبل وبعد حرب اكتوبر على عملية صنع الادراك السياسي للمتلقي المصري والعربي والخروج منها بالدروس المستفادة التي يمكن قياسها على الحالة الاعلامية في اي وقت بما فيها وقتنا الحاضر .
ان التطوير الاعلامي قضية حيوية ومطلوبة ولكن تحتاج الى دراسة وتخطيط يستفيدان من القرارات المتخذه فيما سبق وعلى سبيل المثال لا الحصر كيف تم التعامل الاعلامي مع المواقف المرتبطة بفترة الاعداد لثورة 30 يونيه وما بعدها ؟
سادسا – ورغم الزخم الكبير واللامحدود لانتصار اكتوبر إلا ان الاعمال الدرامية الموثقة له لم تكن على مستوى هذا الزخم فما زلنا في حاجة لانتاج ضخم يسخر له المال والجهد وقبلهما الفكر لكي يغطي جوانب اخرى من هذا النصر العظيم لما للدراما من دور في خلق الاحتشاد الوطني ونلاحظ هذه الحالة عندما تم عرض فيلم الممر أثبت ان الشخصية المصرية لديها سمات تربط بين توجهاتها الفكرية وعلاقة الولاء والانتماء للوطن .
وهذه دعوة لصانعي الدراما في مصر وعالمنا العربي لانتاج عمل درامي ضخم عن حرب اكتوبر يخرج الى النور في العيد ال 50 لانتصارات اكتوبر عام 2023!
سابعا – تبقى رسالتنا للأجيال التي لم تعاصر حرب اكتوبر والاجيال القادمة ان تتم اعادة كتابة تاريخ هذه الفترة بامانه وموضوعية .
وهناك مسئولية ملقاة على عاتق قادة الراي والسياسيين والمفكرين والباحثين في توثيق حرب اكتوبر وتعدل مناهج التاريخ في المدارس والجامعات وفقا بهذا التوثيق .
في التحليل النهائي اذا كانت حرب اكتوبر قد طوت صفحة من تاريخ العالم العربي الحديث الا انها كانت مقدمة للانتقال الى حلقة جديدة من حلقات الصراع العربي – الاسرائيلي حتى ولو تغيرت علاقات الصراع وقامت إشكال جديدة للتعامل بين العرب والاسرائيليين وادخلوا مفردات مثل التطبيع والسلام الى قاموس المصطلحات السياسية نقول بالرغم من هذا كله فان الصراع مستمر وبالتالي لن تكن حرب اكتوبر آخر الحروب !
ان الحرب القادمة معارك وجود متصلة قد لا تكون بنفس صورة حرب اكتوبر ولكن سوف تاخذ صورا اخرى !