ذهب رئيس الحكومة الإسرائيلية الجديد نفتالى بينيت إلى روسيا يوم الجمعة الفائت (22/10/2021) فى زيارة هى الأولى بالنسبة له منذ توليه منصبه فى يونيو الماضى، فى ظروف شديدة الحرج بالنسبة له شخصياً كرئيس وزراء يريد أن يثبت كفاءته فى إدارة الملفات الخارجية لكيان الاحتلال الإسرائيلى، وبالنسبة لإسرائيل التى باتت تعيش الخطر وتتجرع كؤوسه نظراً لفداحة عجزها منفردة عن مواجهته وبالتحديد فى ملفين يصنفان داخل المؤسسة الحاكمة الإسرائيلية باعتبارهما الأخطر حالياً على الوجود الإسرائيلى.
الملفان اللذان نعنيهما هما أولاً مستقبل الوجود الإيرانى فى سوريا ضمن «عملية التسوية» التى يجرى تصنيعها لتلك الأزمة، وتلعب فيها روسيا الدور الأهم، حيث ترفض إسرائيل رفضاً مطلقاً أى وجود عسكرى أو نفوذ سياسى إيرانى فى سوريا، لأن ذلك من شأنه أن يجعل سوريا، ما بعد انتهاء أزمتها، دولة مركزية فى «محور المقاومة» ضد إسرائيل الذى تديره إيران، كما أنه من شأنه أن يجعل من إيران دولة «جوار إقليمى لإسرائيل»، أى يضع إسرائيل بين فكى كماشة إيرانية واحدة فى جنوب لبنان عبر التحالف مع «حزب الله»، والأخرى فى جنوب سوريا على التماس مع هضبة الجولان المحتلة. لذلك تدرك إسرائيل أنه إذا كان الوقت قد حان لطرح تسوية للأزمة السورية عبر البوابة الروسية فمن الضرورى أن تكون إسرائيل طرفاً أساسياً فى تصنيع تلك التسوية لمنع أى وجود إيرانى فى سوريا، ولضمان أن تكون سوريا الجديدة بعد تسوية أزمتها عضواً فى «تحالف السلام الإقليمى» أو «السلام الإبراهيمى» كما يسمونه ضمن محاولات تجميله وتسويقه فى الدول العربية، .
الملف الثانى هو الملف النووى الإيرانى حيث يشعر الإسرائيليون بخطر مفعم بالخوف من أمرين؛ أولهما أن إدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن، بعد انسحابها المذل من أفغانستان، وفى ظل الهموم الداخلية والدولية لهذه الإدارة ليست لديها أى عزيمة أو نية لخوض حرب ضد إيران يكون هدفها تدمير القدرات النووية الإيرانية، وأن العكس هو الصحيح أى أن إدارة جو بايدن حريصة على استئناف إيران الحوار فى فيينا مع الشركاء الدوليين حول الاتفاق النووى الإيرانى الموقع عام 2015، وأنها تدفع شركاءها الأوروبيين لممارسة كل الضغوط على إيران للعودة إلى ذلك الحوار الذى توقف قبيل إجراء الانتخابات الرئاسية الإيرانية الأخيرة، حيث تخشى أمريكا والشركاء الأوروبيون وقبلهم إسرائيل، أن يكون التلكؤ الإيرانى للعودة إلى الحوار فى فيينا سببه توجه إيرانى لتسريع امتلاك القدرة على إنتاج القنبلة النووية، والأخذ بما يسمى «الخيار الكورى الشمالى» ووضع الأمريكيين والإسرائيليين والغرب أمام معضلة كبرى أن إيران أضحت «دولة حافة نووية” أى دولة على حافة صنع القنبلة عندما تريد ذلك.
الإسرائيليون يعيشون هذا الهاجس ويضغطون على الأمريكيين لطرح «الخيار باء» أو «الخيار البديل» ضد إيران، والمعنى هو الخيار العسكرى أى أن تقبل واشنطن بأن تكون شريكاً لإسرائيل فى شن حرب تدمير قدرات إيران النووية لسببين أولهما وعى الإسرائيليين بأنهم وحدهم غير قادرين على القيام بالمهمة، وثانيهما عدم استئثارها برد الفعل الإيرانى، أى أن يكون نصيبها محدوداً من الانتقام الإيرانى وتوزيع هذا الانتقام على أمريكا وشركائها الإقليميين الذين سيشاركونها بالطبع الحرب ضد إيران إذا قررت أمريكا ذلك.
ذهب وزير الخارجية الإسرائيلى يائير لابيد إلى واشنطن مرتين خلال أقل من شهر لبحث هذين الملفين، لتجديد الضغوط على الإدارة الأمريكية لتغيير موقفها فى الاتجاه الذى تريده تل أبيب خصوصاً بعد أن أعلن نفتالى بينيت رئيس الحكومة أن إيران حققت خلال السنوات الثلاث الماضية ما اعتبره «قفزة هائلة للأمام فى تخصيب اليورانيوم»، وعلم أن لواشنطن «مقاربات وحسابات أخرى»، لذلك كان التعويل الإسرائيلى قوياً على روسيا وأن يحصل نفتالى بينيت من الرئيس الروسى على ما يرضيه فى الملف النووى الإيرانى وملف التسوية السورية، وبالتحديد ما يتعلق بتجديد التفاهمات الثنائية الإسرائيلية ــ الروسية بخصوص المصالح الأمنية الإسرائيلية فى سوريا التى سبق أن توصل إليها رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق بنيامين نيتانياهو مع الرئيس فلاديمير بوتين، وأن يقنع الرئيس الروسى بالخطة الإسرائيلية الخاصة بالتسوية السورية التى ترمى إلى تأسيس مسار آخر لتلك التسوية بديل أو منافس لـ«مسار أستانة» الذى يجمع روسيا مع إيران وتركيا على أن يكون المسار الجديد ثلاثيا أيضاً يجمع إسرائيل مع روسيا والولايات المتحدة، كى تأتى تسوية الأزمة السورية وفق المصالح والأهداف الإسرائيلية وإلغاء أى دور إيرانى أو تركى فى هذه التسوية.
الواضح أن زيارة بينيت لم تحقق شيئاً يذكر فى الملف النووى الإيرانى حيث غابت أى إشارة لهذا الملف سواء من الجانب الإسرائيلى أو الجانب الروسى، أما ما استطاع تحقيقه فى الملف السورى فهو مجرد تجديد التفاهمات السابقة بين بوتين ونيتانياهو والتى تتضمن ثلاثة نقاط هى: عدم السماح بتحويل سوريا إلى مصدر تهديد لإسرائيل، وعدم السماح بتمركز قوى معادية لإسرائيل قرب المناطق الحدودية، والاعتراف الروسى بحق إسرائيل فى توجيه ضربات ضد مواقع تنطلق منها تهديدات.
وزير الإسكان الإسرائيلى زئيف إلكين الذى حضر لقاء بوتين وبينيت كمترجم، قال لإذاعة الجيش الإسرائيلى أمس الأول الأحد (24/10/2021) إن اللقاء «كان دافئاً» وأنه تم الاتفاق على العديد من الأمور التشغيلية، وأشار إلى أن اللقاء «لم ينجح فى جذب روسيا إلى المسار الثانى الذى تريده إسرائيل بعيداً عن مسار أستانة».
هذا يعنى أن روسيا لم تحسم أمر الاجتماع الذى تحدث عنه الأسبوع الماضى السفير الإسرائيلى فى موسكو بين رؤساء مجالس الامن القومى فى إسرائيل وروسيا وأمريكا لبحث المسار الجديد الذى تريده إسرائيل للتسوية، لكن الأهم أنه حتى إذا تم عقد هذا اللقاء فإن موسكو ليست متحمسة لطرح فكرة المسار البديل الذى تأمله إسرائيل، ما يعنى أن نفتالى بينيت عاد من موسكو بالكثير من الإحباطات، وأنه سيكون معنياً بالبحث عن مخارج جديدة للمأزق الإسرائيلى مع إيران.