ترددت كثيرا في الكتابة عن ملف الاعلام, رغم أنه علي رأس أولويات اهتماماتي و شغلي الشاغل سواء من خلال شرف تواجدي ضمن مجلس أمناء المنتدي المصري للاعلام, كأول مؤسسة عمل مدني تهتم بالشأن الاعلامي, وتضم كوكبة من الرموز الوطنية وخبراء الاعلام, أو من خلال لقاءاتي التليفزيونية, ومبعث ترددي هو ذاك المشهد الاعلامي الذي لم يتحرك قيد أنملة, منذ أحداث 25يناير و ثورة 30يونيو حتي الأن, فما زالت العشوائية, وعدم وضوح الرؤية هي المسيطرة, رغم وجود الهيئات الاعلامية التي استحدثها الدستور, و رغم محاولات الدولة المستمرة لتغيير الوجوه والسياسات الاعلامية أملا في رسالة اعلامية تواكب تحرك الدولة المصرية نحو أفاق التنمية المستدامة وبناء وتطوير مؤسساتها وبنيتها التحتية لارساء قواعد الجمهورية الجديدة, وهنا يتبادر للذهن العديد من الأسئلة:
أين الخلل..؟1 وكيف يمكن حلحلة مشكلات الاعلام المصري..؟! و ماهو مستقبل اعلام الدولة..؟! الخ… ؟!!
وحتي نحاول الاجابة علي هذه التساؤلات وغيرها, لابد أن ندرك أولا مدي أهمية وخطورة الدور الذي يجب أن يلعبه الاعلام للحفاظ علي هوية الأجيال الجديدة, وتعزيز وعيها, وتعميق انتمائها الوطني, في ظل عالم جديد بتحالفاته, عالم عاصف بالتوترات وصراعات المصالح, عالم بات الاعلام أهم وأخطر أسلحته لتفتيت الدول وتقسيمها, من خلال الرسائل الاعلامية الموجهة التي تضرب المجتمعات في مقتل من خلال تغييب الوعي وتفتيت الهوية, وتحييد منظومة القيم الانسانية والآخلافية والدينية, واطلاق الشائعات التي تستهدف زعزعة استقرار الدول وجعلها فريسة يسهل الانقضاض عليها.
أين الخلل…؟!!
أري أنه رغم تعدد الهيئات الاعلامية و تعدد محاولات الدولة لتطوير منظومة الاعلام المصري, الا أن المشكلة والخلل الحقيقي يكمن في الأتي
1- عدم وجود رؤي واستراتيجيات حقيقية تؤسس لاستعادة الريادة للاعلام المصري, وتنقذه من حالة الارتباك والعشوائية التي يلمسها الجميع, والتي أدت الي فقدان ثقة المتلقي وانصرافه الي مصادر أخري يستقي منها معلوماته, في ظل عالم متعدد الوسائط, الأمر الذي يمكن أن يجعل المتلقي فريسة لوسائل الاعلام الموجهة التي تبث سمومها عبر وسائل الاعلام التقليدية والسوشيال ميديا.
2- الاعتماد علي السوشيال ميديا ووسائل التواصل الاجتماعي كمصادر للأخبار دون تدقيق.
3- اعتماد بعض نجوم “التوك شو” علي نموذج المدرس أو المناظر السياسي الذي يحتكر الهواء منفردا ليطرح رؤاه السياسية والاقتصادية والاجتماعية ويقدم النصح والارشاد وكأنه احتكر الحقيقة وامتلك نواصي المعرفة,
4- اعلاء القيم الاعلانية علي القيم الاعلامية بهدف زيادة نسب المشاهدة وجذب المعلنين الأمر الذي يحول الرسالة الاعلامية الي سلعة تتبني مفاهيم الاثارة والجدل علي القيم المهنية والأخلاقية.
5- اعتماد بعض الفضائيات الخاصة علي ظاهرة “بيع الهواء” مما جعل “الاعلام مهنة من لا مهنة له”, فأي شخص قادر علي شراء مساحة اعلامية يستطيع الظهور دون أي معايير أو ضوابط تحكم ذلك الظهور. ودون احترام لقيمة الرسالة الاعلامية وخطورتها وأهميتها.
كل هذا وغيره كان سببا في حالة العشوائية والارتباك في المشهد الاعلامي الراهن, الذي يحتاج لوقفة حقيقية, لتصحيح المسار واستعادة البوصة.
كيف يمكن حلحلة مشكلات الاعلام المصري…؟!!
أري أن الأمر لا يحتاج لتغيير وجوه واستحداث هيئات, بقدر ما يحتاج لرؤية واستراتيجية واضحة, خاصة وأن الارادة السياسية موجودة,, فأحاديث الرئيس في المناسبات المختلفة لا تخلو من التنبيه علي أهمية وخطورة الرسالة الاعلامية ومطالباته الدائمة بضرورة تحري الدقة والصدق, في التعامل مع الأخبار والقضايا المجتمعية حفاظا علي الأمن القومي والنسيج المجتمعي, مع حرصه علي حرية الرأي والتعبير. وأخر هذه المناشدات كانت بالأمس, خلال مداخلته مع الاعلامي شريف عامر علي فضائية “MBC MASR” في لفتة أبوية انسانية لتحية الطفل أحمد تامر, الذي لم يتخطي السنوات السبع, والذي يحفظ كتاب الله “القرءان الكريم” كاملا ويجيد ترتيله, فما كان من الرئيس السيسي الا استغلال الفرصة للتأكيد علي أن مثل هذا النموذج الايجابي وغيره من النماذج المتفوقة والمبدعة في مختلف المجالات, هو النموذج الذي يجب أن يتبناه الاعلام, وتهتم به الرسالة الاعلامية.
وهنا و نظرا لخطورة هذا الملف وأهميته, أناشد الرئيس السيسي, أن يتبني شخصيا تكوين “لجنة عليا” تضم عددا من خبراء الاعلام الوطنيين, علي المستويين الأكاديمي والمهني, والذي يذخر بهم الوطن, الي جانب عدد من السياسيين و ممثلين عن الأجهزة السيادية ووزارة الخارجية, تختص هذه اللجنة بوضع “استرايجية اعلامية” تستهدف تطوير الرسالة الاعلامية لتواكب ما تنشده الدولة المصرية للجمهورية الجديدة, من تعميق للوعي وتعزيز الانتماء والحفاظ علي الهوية, و دعم خطط التنمية المستدامة, من خلال رسالة اعلامية قادرة علي استعادة ثقة المتلقي, وخطاب اعلامي يستطيع مخاطبة الأخر لتغيير الصورة الذهنية المغلوطة عن الداخل المصري, مع مراعاة مقتضيات الأمن القومي المصري, ووضع رؤية لتطوير ودعم اعلام الدولة “ماسبيرو” كأحد ركائز الأمن القومي المصري, والمنوط به الحفاظ علي قيم وتقاليد وهوية المجتمع, وتعميق الوعي وتعزيز الانتماء, و دعم خطط التنمية المستدامة, فاعلام الدولة هو الوحيد القادر علي القيام بهذا الدور من خلال كوادره وامكاناته البشرية والفتية التي تحتاج لادارة واعية و رشيدة.
وفي الختام لابد أن يعلي الاعلامي قيم الرقابة الذاتية والضمير المهني, وأن يدرك أمانة الكلمة وخطورة الرسالة التي يتصدي لها ومدي تأثيرها علي الفرد والمجتمع.
حفظ الله لمصرنا الحبيبة أمنها وأمانها ووحدة شعبها…