كان “ماسبيرو” وما زال هو حصن الحماية لهذا الوطن ، وكان وما زال المعني الذي يشعر معه المواطن بالمصداقية .. فهو إعلام الدولة أو إعلام الشعب دافع الضرائب
وكان – وما زال – هو الإرث الحقيقي للشعب المصري .. ربما هو مصاب الآن ومنذ فترة بالمرض ، وأظن – وليس كل الظن إثم – أنه كان هناك تعمد إمراضه حتى يبدو هكذا لحساب ما يسمي بالإعلام الخاص ، وغالبا طمعا في هذا الإرث الكبير من التراث .. المبني والمعني !
ماسبيرو- بتليفزيونه وإذاعته – ما زال هو الضيف الذي يدخل بيوتنا بأمان وبلا خوف من صدور كلمة خارجة عن المألوف أو مشهد في برنامج حواري لا يتفق مع أخلاقيات وقيم المجتمع ، ومازال هو الحارس علي ما تبقي من لغتنا العربية التي تجري علي لسان مذيعيه ومقدمي البرامج فيه ..
ماسبيرو هو أمن قومي مصري بامتياز ، وهو خط الدفاع الأول وقت الأزمات ، فعندما تتعرض البلاد لأي خطر فإن أول شيء في أولوياتها يكون تأمين ماسبيرو من الداخل والخارج ، وهذا يدل علي أهميته الإستراتيجية وبُعد الأمن القومي فيه
ومع ذلك تركته الدولة سنوات يصارع المرض ،وتناوبت علي إدارته وجوه كثيرة ربما لا تدرك أهميته وقيمته .. فكما ترأسته تركته بلا أي أثر أو تأثير ، وفي ظني أن أبناء ماسبيرو لا يمانعون – كما يشيع البعض – في خطط الإصلاح والتطوير للمبني وللكوادر التي به رغم أن معظم من يعملون في القنوات الخاصة من مذيعين ومقدمي برامج وفنيين بكل تصنيفاتهم هم من أبناء ماسبيرو أو ممن كانوا تلاميذ في مدرسة ماسبيرو ..
ولكن أي تطوير يحقق الهدف المطلوب .. هل هو تطوير الشكل في برنامج واحد أو برنامجين باستوديو جديد وبعض المذيعين من غير أبناء ماسبيرو ؟ أم هو تطوير للمحتوي الجاد الذي يقف إلي جانب الدولة في معاركها المتعددة وحروبها التي لا تتوقف ؟ أم هو تطوير بهدف إنقاذ ماسبيرو ” المعني والمبني ” التراث والتاريخ ؟
ما يجري في ماسبيرو أصابني بالفزع والخوف علي ريادة كنا ننافس بها ، وكانت ركيزة من ركائز قوة الدولة الناعمة ، والعجيب أنه بعد أن صار الإعلام سلاحا مهما وحاسما في حروب الجيل الرابع والخامس يحدث هذا التهميش وهذا الإهمال ، وكأن المقصود هو ” دعه ينهار .. لسنا في حاجة له ” !
القرارات التي صدرت أخيرا تحت مسمي التطوير والضبط والربط أحدثت حالة من الاستياء بين جميع العاملين طفت علي سطح السوشيال ميديا – وما أخطرها كسلاح هدم – بالإضافة إلي الشكاوي المزمنة التي لا تتوقف من العاملين الذين أحيلوا إلي المعاش القانوني ولم يحصلوا علي مستحقاتهم حتي اليوم ، وشكاوي مذيعين يتم تهميشهم وركنهم علي الرفوف لحساب مذيعين من الخارج غالبا لا يملكون الحس الوطني لإعلام الدولة !
والحقيقة أنني أري – بصفتي مواطن من دافعي الضرائب – أننا بصدد حالة هزل في موضع الجد ، وأظن – وليس كل الظن إثم – أن هاجس التطوير والإصلاح الذي يسيطر علي متخذي القرارات في المبني ربما يجعلهم لا يدققون النظر في مجمل الصورة فتغيب عنهم الرؤية في منهج التطوير ويختل الهدف المراد الوصول إليه في ظل سباق محموم بين الشاشات ، وصراع مكتوم بين الإعلام الخاص والإعلام الرسمي
التفكير في التخلص من ماسبيرو خطر كبير ، وخروجه من يد الدولة خطر أكبر وأدعو الرئيس إلي الاهتمام به والتنبيه علي كل دعاة الهدم أن يتوقفوا ، فربما بعد ذلك يتوجهون صوب الهرم لهدمه فيحققون قول الشاعر الإغريقي ( هزمناهم ليس حين غزوناهم .. ولكن حين أنسيانهم تاريخهم ) .. وأعتقد أن ماسبيرو تاريخا طويلا مهما .