اسمحوا لي أن استعير عنوان المقال من المسلسل الشهير للنجم عادل أمام مع بعض التعديل وما اود طرحه هو أن من أشد الأشياء على النفس قهر الرجال وإذا كان المصريون بطبعهم ضاحكون فانهم يخفون احيانا وراء انفراجة أساريرهم دموعا نتيجة وطأة الهموم وربما الآلآم !
وليس شرط أن تكون هذه الوطأة آلاما عضوية فالقهر المعنوي أشد كثيرا من القهر المادي وقد تصل قساوته إلى حد الاغتيال النفسي !
ولكن الله سبحانه وتعالى وهو الرحمن الرحيم جعل النكته على اللسان والضحكة في العيون سبيلا لتخفيف قسوة الأيام ومحاولة للتغلب على التحديات التي تواجه المرء منذ ان يصل إلى أولى محطات حياته حتى يوم ان يغادرها بعد وصوله إلى محطته الأخيرة طالت الرحلة أم قصرت .
وخلال الرحلة يواجه الإنسان مواقف وشخوصا ويلتقي بهذا وذاك وقد يؤثر ويتأثر !
وطالما ينبض قلبه بالحياة سيظل يتفاعل بالموجودات حوله !
وعملا بنظرية اينشتين لكل فعل ردفعل مضاد له في الإتجاه ومساو له في القوة تصبح حياة الانسان على هذا النحو سلسلة من الافعال وردود الافعال وبمقدار ما يتعرض المرء من ضغط بمقدار ما يكون رد فعله! وربما هذا يفسر لنا لماذا تقوم الثورات أو تتفجر الهبات الشعبية في المجتمعات ؟
في الخامس والعشرين من يناير عام 2011 حدث في مصر رد فعل لفعل متراكم منذ سنوات يمكن حسابها عندما ظن البعض ان الشعوب قد تنسى أو يمكن الضحك عليها أو تستغفل !
والغريب ان الامور تطورت على نحو متناغم مع موجة (ثورية ) اجتاحت العالم العربي سميت في ادبيات الطرح السياسي والاعلامي بثورات الربيع العربي رغم التناقض
اللغوي والفلسفي بين مفهومي الثورة والربيع فدائما الثوران مرتبط الامور غير المستقرة والمتفجرة والربيع مرتبط بالاجواء الصحوة والورود ومعظم الشعراء نظموا أحلى قصائدهم عن جمال وحسن الربيع لكن قد يقول قائل ان الربيع في عرف الشرق الأوسط مرتبط بالعواصف الخماسينية وطيبعة الصحراء في المنطقة غلبت على خيال الشعراء !
لكنها المرة الأولى التي ياتي فيها الربيع في شهر ديسمبر كما حدث في تونس وفي شهر يناير كما حدث في مصر وليبيا ثم سوريا واليمن والسودان
اذن الربيع الذي إتى في الشتاء لم يكن المقصود به تفاصيل حسابات المناخ أو قواعد الرصد الطقسي انما له دلالة سياسية تعني الانفراجه في مجتمعات اعياها القهر فباتت تبحث عن ربيعها المنشود وما تقدم يطرح ايضا التناقض بين الدموع والعيون الباسمة لكنه في تقديري سواء الربيع والثورة أو الدموع والضحك يعد تناقضا ظاهريا ! .
على آية حال ماذا حدث في مصر يوم 25 يناير وما بعده حتى سقط نظام الحكم باستقالة الرئيس حسني مبارك وكيف تلاقت إرادة الداخل مع رغبة الخارج ؟
25 يناير 2011 اشرق الصباح بنور ربه ولكنه نور غير عادي وكانت الضحكات قد غلبتها عبرات
غير معروفة الاسباب تترقرق في العيون حتي ايقنا ان القادم يحمل في طياته الكثير !
لم يخطر على بال احد ان مصر في هذا اليوم ستشهد بداية ثورة شعبية ضد نظام حكم متجذر منذ 30 عاما نظام استطاع ان يرسي قواعد وتقاليد!
وسواء اتفقت معه أو اختلفت كان يحتاج هذا النظام الى تصحيح المسار بعدما اختلف الحمائم والصقور في الحزب الوطني الحاكم عندما طفت النقائص الى السطح ووصلت لحد التآمر على شعب رفض ان يكون لقمة سائغة في فم نظام ارتضى ان تسيطر على مفاصله عناصر زاوجت بين رأس المال والسلطة من خلال حزب حاكم في الواقع لا يؤمن بفكرة تداول السلطة رغم انه روج لها بخبث شديد في إنتخابات الرئاسة وانتخابات البرلمان عام 2005 لتجميل صورته أمام الجماهير ما جعلهم يبتسمون وترى عيونهم ضاحكة لكن الدمعة كانت غالبة لأنهم شعروا من جديد أنهم عادوا الى عصر ال 5 ٪ !
والتقت إرادة التغيير مع رغبة تزايدت لدى القائمين على إدارة الشأن الدولي ان النظام القائم في مصر فقد القدرة على الحركة وتطوير نفسه والتأثير حوله ففقد صناع القرار القدرة على اتخاذه وحانت الفرصة عندما خرجت مظاهرات محدوده في شوارع القاهرة لمطالبة وقف التدخلات الأمنية في حياة المواطنين واعلام الحكام بتجاوزات من استخدموا اموالهم لتوجية سياسات الدولة لتحقيق مصالحهم ورغم ان تيار الرفض كان محدودا في البداية الا ان رد الفعل كان يزداد رويدا رويدا فالغليان تحول الى قوة انفجار عارمة في الأيام التالية !
وتعامل الاعلام مع الموقف بشيء من الاستهتار ولم تكن لديه قدرة استشرافيه على توقع التطورات وخلال 18 يوما من 25 يناير الى 11 فبراير تحولت الهتافات الى مطالب شعبية و ارتفع سقفها الى ضرورة رحيل النظام !
وكان ميدان التحرير في قلب القاهرة غرفة عمليات ادارة المطالب ومع زيادة الضغوط ارتفعت درجة الزخم حتى جاء يوم الحادي عشر من فبراير ليرتفع صوت الجماهير الهادر وحانت لحظة استسلام النظام لارادة الشعب وتخلى الرئيس حسني مبارك عن موقعه وسقط الحزب الحاكم بكل جبروته وخيلائه بعد ان احترق مقره المطل على نيل القاهرة !
وتولت القوات المسلحة إدارة المرحلة الإنتقالية التي يجب ان تعبر من خلالها البلاد إلى بر الأمان وتبدأ في التجهيز لاقامة نظام مدني ديمقراطي يعبر عن إرادة الشعب وينفذ شعارات المرحلة الثورية عيش حرية عدالة اجتماعية !
وكانت المسئولية ثلاثية الابعاد التي تحملها المجلس الأعلى للقوات المسلحة بقيادة المشير محمد حسين طنطاوي كان عليه إدارة دفة الحكم سياسيا واقتصاديا واجتماعيا بعد سقوط نظام مبارك وحماية امن البلاد بعد تراجع دور الشرطة عقب 25 يناير والدفاع عن الوطن عن اي اخطار خارجية وهو الوظيفة الاساسية له !
و احقاقا للحق والتاريخ وبحكم موقعي في ذات الوقت تحمل المجلس العسكرية المسئولية وسط تحديات داخلية وخارجية وقاد السفينة بهدوء وسط الانواء !
كنت على رأس قطاع الأخبار في اعلام ماسبيرو في ذلك الوقت وسنحت لي الفرصة ان أكون راصدا لتطورات الأحداث واتذكر مشاركتي في اجتماع عقده د. عصام شرف رئيس الوزراء بحضور د. سامي الشريف رئيس اتحاد الاذاعة والتليفزيون والمشرف على وزارة الاعلام واللواء طارق مهدي عضو المجلس العسكري وطرحت يومها رؤيتي لدور الاعلام في هذه الفترة العصيبة حيث دعوت الى اقامة نظام اعلامي قوي يساند الدولة المصرية الجديدة حيث ان الاعلام سيكون همزة الوصل بين الدولة والشعب ذهابا وايابا حتى تتحقق الديموقراطية قولا وفعلا وبناء عليه فتحنا شاشاتنا لكل الآراء ودخل مبنى ماسبيرو ضيوف كانوا من قبل محظورين حتى من المرور على رصيفه!
وماهي إلا أيام حتى تم إعفاء الشريف وتولى اللواء مهدي ادارة منظومة الاعلام ولاشك انها كانت خطوة ايجابية لأن الرجل قاد الامور الصعبة بفهم عال واقترب من العاملين في المبنى بشكل غير مسبوق ماساعده على اكتساب شعبية وصل صيتها الى ميدان التحرير نفسه !
فاذا نظرنا خارج الحدود نجد أنه قد تحقق لمن يراقب الاوضاع عن كثب ما اراده تم اسقاط النظام واستمرت الثورة في الميدان وتديرها ائتلافات من توجهات مختلفة وأدى هذا كله الى
بروز حاجة المواطن للامن بعد اختفاء الوجود الشرطي في الشارع باختصار أصبحت الصورة ضبابية!
وبات الآن السؤال كيف تم إدارة المشهد السياسي والإعلامي في المرحلة التالية ؟
في عام 2015 اصدرت كتابا يحمل عنوان اللحظات الحاسمة شهادة من قلب ماسبيرو رصدت فيه تطورات الاحداث في مصر من منظور اعلامي من عام 2011 الى عام 2013 وما يعنينا هنا انني أوضحت في هذا الكتاب أن تعدد الإئتلافات في ميدان التحرير الذي كان رمزا لثورة 25 يناير أوحى بإن ثمة خطر يحيق بهذه الثورة التي عقدت عليها الجماهير آمالها فهي ثورة بلا رأس أو قيادة موحدة وكان الميدان أقرب ما يكون لحديقة (هايدبارك ) في وسط لندن كل من يريد ان يتكلم يعتلي هذه المنصة أو تلك والاخطر أنه حدث تسلل لتيارات هي أقرب للإنتهازية منها للثورية ويمكنني القول ان مكتبي كان يوميا يزدحم بوجوه تقول إنها من الميدان ولم تكن سوى راكبي موجة الثورة للبحث عن دور أما الثوار الحقيقيون لم يكن يهمهم ( الشو) الاعلامي!
نعود لميدان التحرير سوف نجد ان جماعة الإخوان كانت الأكثر وضوحا وقدرة على الحشد في الميدان حيث يفد إليه كل يوم جمعة منذ الصباح الباكر مئات الحافلات المحملة بانصار الجماعة من كل محافظات مصر !
وكنت ارى الحافلات تصطف من كوبري قصر النيل حتى وكالة البلح و بولاق أبو العلا ما يعني ان الإخوان كانوا يخططون للاستيلاء على الثورة تدريجيا وهو ما حدث بالفعل في الفترة التي سبقت وصولهم لسدة الحكم بعد إنتخابات البرلمان في بداية عام 2012 والانتخابات الرئاسية في يونيه من نفس هذا العام !
ولم يجد اي مراقب صعوبة في كشف تناقضات المشهد السياسي في مصر انذاك وعلى سبيل المثال لا الحصر :
▪️الاخوان يدعون للديموقراطية والانفتاح على الرأي والرأي الآخر ويمارسون اشد انواع الإنفراد بالرأي واقصاء المعارضين!
▪️ الإخوان يدعون الى التعددية السياسية وتحقيق العدالة الإجتماعية بينما هدفهم إعلاء قيم الأهل والعشيرة والتمييز بين قطاعات المجتمع !
▪️مواجهة الارهاب ومحاولة تحجيم نشاطة وفي الوقت نفسه فتح قنوات اتصال مع فصائله داخل وخارج مصر !
▪️رفع شعارات الرفاهه والنهضة الاقتصادية وفي المقابل كساد اقتصادي وتناقص ملحوظ في الاحتياطى النقدي وارتفاع معدلات التضخم !
ويبقى السؤال إذا كان الشعب المصري قد قام بثورة في 25 يناير فهل كانت من أجل ازالة نظام والاتيان بنظام أشد ديكتاتورية وفسادا؟.
بل ويزيد عليه ان نظام الاخوان كان يعمل وفق اجندات غير مصرية وتسيره توجيهات مكتب الارشاد و التنظيم الدولي للاخوان !
بعد فشل المائة يوم الأولى من حكم الاخوان بدأ العد التنازلي لحدوث أمر ما!
إما أن تمضي مصر الى نفق مظلم ومغلق لا يعلم عواقبه غير الله .
أو يقول الشعب المصري كلمته ويسقط نظام حكم الإخوان .
وبالفعل انتفضت الجماهير ولفظت حكم الظلم والظلاميين في ال 30 من يونيه عام 2013
وهكذا عادت الابتسامة للعيون مرة اخرى بعد ان حجبتها عبرات الدموع في أصعب فترة عاشتها مصر في تاريخها وينتهي فصل يجمع بين المأساة والملهاة بلغة الدراما في حقبة مهمة من تاريخ مصر الحديث !