ما زالت ردود أفعال واقعة المعلمة وداد حمدي رئيسة لجنة مدرسة الشهيد محمد الشقري الابتدائية تتوالي ، وما زال رواد السوشيال ميديا يتابعون تفاصيلها
ولمن لم يتابع هذه الواقعة فإن هذه المعلمة الفاضلة كانت قد تلقت تهديدات على مدار أسبوع لها ولأسرتها – قبل الواقعة – بالضرب والقتل كما جاء علي لسانها في التحقيقات من قبل أولياء أمور الطالبات بسبب منعها الغش داخل اللجنة ومصادرتها للهواتف المحمولة وعدم رضوخها لضغوط الفتيات وأولياء الأمور لتسهيل عملية المراقبة والسماح بالغش أثناء أداء الامتحان.
وفي اليوم الأخير للامتحان تجمهر أولياء أمور الطالبات وحاصروا المدرسة لأكثر من ساعة بعد انتهاء الوقت الأصلي للامتحان وخروج الطالبات في انتظار خروج المعلمة للاعتداء عليها مما دفعها لاستدعاء الشرطة التي حضرت وأخرجتها من المدرسة، بينما أولياء الأمور يعتدون عليها بالسب والشتم في حراسة الشرطة.
الواقعة في حد ذاتها تكررت كثيرًا، وإن كانت بصور ومشاهد مختلفة ـ وفي كل مرة لا يتعدى الأمر إلى مجرد خبر عن حالة غش أو حالات داخل لجنة أو بعض اللجان، وأحيانا حالة تعدٍ على معلم أو معلمة من ولي أمر داخل حدود المدرسة أو خارجها.
وقائع متعددة اعتدنا على سماعها ومتابعتها وربما حفظنا عن ظهر قلب الإجراءات غير الرادعة التي تجري بشأنها، والتي تعالج العرض ولا تعالج المرض..
الشرطة فرقت أولياء الأمور واصطحبت المعلمة في سيارتها بعيدًا عن المكان، والمعلمة أدلت بأقوالها في محضر الشرطة ولم تتهم أحدًا بعينه فليس بينها وبينهم سابق معرفة، وقيادات الوزارة تابعت الأمر، والدكتور طارق شوقي قرر استقبالها في مكتبه، وأشاد بها وبدورها كمعلمة ملتزمة تؤدي واجبها.
الرأي العام على السوشيال ميديا تابع الواقعة، وأدلى بدلوه فيها، وبدلا من استهجان فعل أولياء الأمور للتحريض على الغش، والمطالبة بمحاسبتهم رأينا بعضهم ألقى اللوم على الوزير والوزارة واتهمهم بالتقصير وبفشل برنامج تطوير التعليم برمته.
وبعضهم طالب بمنح المعلمة وسامًا لدورها في منع الغش، وبعضهم طالب بضرورة قيام الوزير بزيارتها وتكريمها في المدرسة محل الواقعة، وبعضهم قال ماذا فعل التطوير في منع الغش؟
وبعضهم قال “كفاية” تجارب في التعليم، وبعضهم لديه موقف شخصي من الوزير لا يستطيع تبريره أو إقامة الحجة عليه، وكل هذه الآراء فيها من التطرف في الرأي ما يكفي لفساد دلالاتها!
في تقديري الشخصي – وأنا أدعم الدكتور طارق شوقي وأدعم عملية تطوير التعليم بكل قوة – أن واقعة المعلمة “وداد حمدي” تكشف أزمة التعليم الحقيقية التي تسعى الدولة والوزارة والوزير المختص إلى مواجهتها بعد عقود طويلة.
على الرغم من المطالبات خلال تلك العقود بضرورة إصلاح التعليم وتغيير نمط الامتحانات التي تعتمد على الحفظ والتكرار للحصول على نتائج وهمية تتيح للطلبة الالتحاق بكليات ليسوا في مستوى التأهل لها، ثم يتخرجون فيها لا يفقهون شيئًا، ولا يستطيعون اللحاق بوظائف سوق العمل التي تتغير بسرعة نتيجة تغير العصر!
الواقعة كشفت عن أخطر ما يهدد مستقبل التعليم في مصر وهو الرغبة الشديدة لدى طلبة وطالبات في مراحل مختلفة للغش واحراز النجاح بلا مذاكرة وفهم ، وإن شئت قل وبلا تعليم من الأساس
والأخطر هو دعم أولياء الأمور لهذه الظاهرة التي تقوض إحراز أي نجاح في تطوير التعليم ، وأعتقد أنه لا يوجد مكان في العالم حدث فيه تجمع أولياء أمور لعقاب معلمة لرفضها السماح لأبنائهم وبناتهم بالغش ، وربما لا يتصور عقلا ومنطقا أن يدلس أولياء أمور علي مستقبل أبنائهم وبناتهم إلي هذا الحد ، ثم يجأرون بالشكوي من فشل أولادهم في الحصول علي وظيفة أو عمل ويلقون المسئولية علي الدولة أو وزارة التعليم ..
أي رسالة يقدمها أولياء الأمور يمكن أن تترسخ في أذهان أولادنا عن التعليم وعن العلم ؟!
تطوير التعليم مسئولية المجتمع بكاملة.. حكومة ومدرسة ومعلم وتلميذ وطالب وفي مقدمتهم تربية في الأسرة وتقويم للسلوك المعوج، وأن الغش ينهي عنه الدين وتذمه الأخلاق، ولا يحقق في النهاية غير الفشل!
واقعة المعلمة وداد حمدي ناقوس خطر، ولمبة حمراء لاستشعار هذا الخطر والتنبيه إليه، ورسالة لكل من تركوا دلالات هذه الواقعة وهذا الفعل الفاضح على فساد الذهن والمنطق وتحدثوا على السوشيال ميديا عن تحميل الوزير أو الوزارة أو الدولة المسئولية فقط دون توجيه أي لوم لأولياء الأمور ومن يشجعونهم من أصحاب المصالح الذاتية – وهم يعرفون أنفسهم – الذين يواجهون بكل قوة عملية تطوير التعليم .. هؤلاء عليهم أن يتقوا الله في أبنائهم وفي وطنهم!