الأزهر والتعايش السلمى ……بقلم رئيس التحرير

انتهى الدكتور عبدالباقى السيد عبدالهادى … أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية ، ورئيس القسم السياسى بجريدة “أحوال مصر” من كتابه الجديد عن دور الأزهر الشريف فى ترسيخ القيم والتعايش السلمى ، وذلك بعد صدور ثلاثة كتب له عن دار الآفاق وهى ” تاريخ أهل الظاهر” ، ” الظاهرية والمالكية وأثرهما فى المغرب والأندلس فى عهد الموحدين” ، ” ابن حزم الظاهرى وأثره فى المجتمع الأندلسى ” .
ومن خلال حوارنا معه حول كتابه أكد لنا على أمور عديدة طرحها فى كتابه الجديد منها :
• أن السياسة تدخلت لتعصف بنشاط الأزهر الجامعي زهاء ثمان وتسعين سنة حيث اعتمد صلاح الدين الأيوبي سياسة الموت البطئ لجامعة الأزهر ومذهبها الشيعى . كي ينسي الناس المذهب الفاطمي المخالف للمذهب الشافعي مذهب صلاح الدين والذى سعى إلى تعميمه فى دولته ، وعندما آل الحكم إلى المماليك عاد الأزهر إلى دوره العلمى وعرف بالعصر الذهبى لظهور العديد من العلماء الموسوعيين فى شتى التخصصات كابن حجر والمقريزى والسخاوى والسيوطى والعينى وابن خلدون.

• أن الدراسة الجامعية بالأزهر إبان الحكم العثماني أدت إلي الحفاظ علي عروبة مصر، والحفاظ علي النمط السلوكي المصري في الوقت الذي كانت السيادة علي مصر للوالي العثماني الذي لا يعرف العربية ويتحدث التركية.

• لعب الأزهر دورا مهما فى الدفاع عن الدين من خلال مواجهة أى اعتداء أو عدوان على مصر وديار الإسلام ، والحفاظ على هوية مصر الإسلامية فى دساتيرها بدءا من دستور 1923م فى عهد الملك فؤاد ، ومساندة الأقليات الإسلامية فى العالم الخارجى، والوقوف ضد المد الشيعى ، وتبيين حقيقة الفرق والنحل الضالة كالقاديانية والبهائية ، وتبيين وجه الحق بشأن الكثير من المسائل حتى وإن كانت معرضة لتوجه بعض الحكام .

• نجح الجامع الأزهر فى الحفاظ على قيمة العلم وتأصيلها من خلال الجم الغفير الذى تخرج منه فمنهم من حمل لقب العالم الموسوعى ، ومنهم من تولى قيادة الأزهر من خلال منصب شيخ الأزهر كالشيخ حسن العطار ، والمراغى ، ومصطفى عبدالرازق ، ومحمود شلتوت ، وعبدالحليم محمود فأفادوا بإصلاحهم للأزهر ، وبمصنفاتهم العديدة ، ومنهم من تولى منصب الإفتاء كالأستاذ الإمام محمد عبده ، والعلامة محمد بخيت المطيعى ، والشيخ حسنين مخلوف ، ومنهم من تولى الحكم فى بلده بعد عودته إليها كمحمد صديق خان حاكم بهوبال فى القرن التاسع عشر ، وهوارى بومدين رئيس الجزائر الأسبق ، ومنهم من صار زعيما سياسيا يشار إليه بالبنان كأحمد عرابى ، وسعد زغلول.

• لعب الأزهر دورا مهما فى ترسيخ القيم العليا والحضارية من خلال مواجهة الاعتداءات الآثمة على مصر والشعب المصرى ، ومواجهة الظلم والجور ومن ذلك وقوف الإمام عبدالله الشرقاوى شيخ الأزهر أمام مراد بك وإبراهيم بك ، حينما فرضا على الشعب المصري ضرائبا ومكوساً باهظة في ذلك الوقت مما اضطر مراد بك وإبراهيم بك إلى التراجع والخضوع لرغبة الشعب ، ومنها الوقوف فى وجه خورشيد وفرق الدلاة التى عاثت فى الأرض فسادا ، ومنها مساندة الثورة العرابية ضد ظلم وخيانة الخديو توفيق، وكان الشيخ محمد عبده هو من يحلف الثوار يمين القسم ، وما موقف الأزهر الشريف من ثورة 25 يناير 2011م منا ببعيد ، وكذا موقفه من ثورة 30 يونيه 2013م للدفاع عن حقوق ومطالب الشعب المصرى.

• نجحت الأروقة فى تحقيق التعايش السلمى توطيد العلاقات الدينية والثقافية والتربوية بين مصر ودول العالم، حيث كان أبناء الدول الإسلامية يفدون إليه من كل صوب وحدب ، وكان لكل بلد أو إقليم رواق في الأزهر يسمى باسمهم ، قبل إنشاء مدينة البعوث الإسلامية بالأزهر ، وكان الرواق مكانا للإعاشة الكاملة من طعام وشراب وكسوة وسكن ومرتب شهري ، كل ذلك على نفقة الأزهر الشريف.

• قدم الأزهر عبر تاريخه العديد من نماذج التعايش السلمى من خلال موقف بعض علمائه من الحملة الفرنسية وموافقتهم للمشاركة فى الديوان الذى اسسه نابليون لتسيير الأمور ورفع الحرج والمشقة عن الناس إلى أن انكشفت الغمة وخرج الاحتلال من مصر ، كما أن كلا من شيخ الأزهر حسن العطار وتلميذه الطهطاوى مثلا نموذجان للتعايش السلمى ، كما أن ثورة 1919م بقيادة الأزهرى سعد زغلول وبدعم شيوخ وطلبة الأزهر مثلت نموذجا للتعايش السلمى ، كما مثلت البعثات الأزهرية للخارج نموذجا للتعايش السلمى والتى كان الأزهر حريصا عليها ولا يزال . كما أن حوار الأديان الذى تبناه الأزهر رغم ما يشوبه من أزمات وخلافات يمثل نموذجا حيا للتعايش السلمى . بل إن بيت العائلة المصرى الذى دعا لتأسيسه العلامة أحمد الطيب شيخ الأزهر مثل نموذجا للتعايش السلمى بين المسلمين والنصارى بمصر.

• هناك تحديات عديدة ومهام صعبة أمام فضيلة شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب للعودة بالأزهر من جديد إلى مكانته المأمولة ودوره المعهود في تحسين صورة الإسلام فى العالم القائمة على منهج الاعتدال والوسطية فى الإسلام، والتأصيل للفتاوى بالأدلة والبراهين ، وجعله قبلة حقيقية لطلاب العلم والثقافة الاسلامية الوسطية من كافة أنحاء العالم ، ومواجهة كل ما يطرح من أزمات بصرامة وحسم ، والسعى قدما فى طريق تجديد الخطاب الدينى بحق ، وإظهار الدور الإعلامى للأزهر الشريف ، وضرورة أن يكون شيخ الأزهر بالانتخاب حتى لا تتحكم فى سلطات سياسية أعلى ليظل قمة شامخة بعيدا عن الضغوط أو الشبهات .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *