للمرة الأولى منذ خمس سنوات ينخفض اليورو إلى هذا المستوى حيث أصبح يساوي $1.0471 وسط توقعات بأن يتابع انخفاضه ليصبح قريباً مساوياً للدولار, الذي يحقق ارتفاعاً على حساب العملة الأوروبية، بسبب انعكاسات الحرب في أوكرانيا، على اقتصاديات هذه الدول.
لم تعد التغطية الذهبية للعملات الوطنية، هي المعيار لتحديد سعر الصرف. فلبنان مثلاً يملك ثاني أكبر احتياط ذهبي بين الدول العربية، لكن عملته انهارت وتدنّت قيمتها عشرين ضعفاً تقريباً، خلال الفترة الماضية بسبب الأزمة السياسية والاقتصادية.
القوة الاقتصادية للدولة باتت العامل الأساسي في تحديد قيمة العملة الوطنية. وبالنسبة لليورو والدولار فإن البنك الفيدرالي الأمريكي، والبنك المركزي الأوروبي، يلعبان دوراً هاماً في تحديد سعر الصرف ، عن طريق تحديد سعر الفائدة.
بعد الحرب في أوكرانيا، باتت العقوبات الأوروبية على روسيا، ترتدّ سلباً على دول الاتحادالأوروبي، خاصة الركيزتين الأساسيتين المانيا وفرنسا. ففي حين استمرت الدول الأوروبية في استيراد الغاز والنفط والمواد الخام من روسيا، والتي هي فعلياً تُشكّل معظم الصادرات الروسية إلى اوروبا، نجد الآن آلاف الشحنات من البضائع الأوروبية، من سيارات وأدوية وأدوات منزلية ومواد غذائية وغيرها، التي كانت متوجهة إلى روسيا، قد توقفت، وخسر أصحابها مليارات الدولارات.
تستورد أوروبا 110 مليار متر مكعب من الغاز الروسي سنوياً، وفي عام 2020 وبسبب جائحة كورونا تخلت معظم الشركات الأوروبية عن العقود الآجلة، بسبب انخفاض سعر الغاز إلى حوالي النصف، في الصفقات الآنية، عن سعر تلك العقود، التي كان يتراوح السعر فيها بحدود 300 دولار لكل الف متر مكعب. أما الآن فيحصل العكس تماماً، فقد ارتفعت أسعار الغاز في الأسواق، إلى 1350 دولاراً، لكل الف متر مكعب، ولهذا السبب حققت الشركة الروسية غازبروم خلال الشهر الفائت مبلغ 9,5 مليار دولار من الأرباح، وفقا لبيانات هيئة الجمارك الفيدرالية الروسية.
لم تتمكن أوروبا من الخروج من آثار جائحة كورونا بعد، حتى جاءت الحرب في أوكرانيا، لتجعل اقتصاديات دولها مهددة بمزيد من الانكماش والبطالة والفقر، خاصةً بعد انجراف قادتها خلف الراعي الأمريكي في فرض العقوبات على روسيا، الأمر الذي سبب ارتفاعاً غير مسبوق في اسعار الطاقة، التي تُشكّل المحرك الأساسي للاقتصاد، وبدأ اليورو يتهاوى بشكل خطير، وتشير بعض التوقعات إلى احتمال انخفاضه إلى أقل من دولار، وهذا طبعاً قد يجعل العديد من الأُسر الأوروبية، مجبرة على التخلّي عن رفاهيتها المعتادة، بل وغير قادرة على تأمين مستلزمات العيش اللائق.
احتفل الاتحاد الأوروبي بفوز الرئيس إيمانويل ماكرون في فرنسا، (وهو اشتراكي سابق، تموضع في الوسط منذ ترشّحه للرئاسة عام 2017) ، وبنجاته من قطوع مرشحة اليمين الفرنسي المتطرف مارين لوبان، ابنة مدرسة البونابارتية، ومقولة “الرئيس القوي” وصاحبة النزعة الانفصالية عن الاتحاد، والتي رغم خسارتها، أحرزت تقدماً ملحوظاً بحصولها على 41,4% من أصوات المقترعين، وهذا ينمُّ عن تنامي نزعة العنصرية، والعداء للمجنّسين في فرنسا خاصة المسلمين منهم.
أن نظام الاقتراع على دورتين الذي أرساه الجنرال ديغول في فرنسا، أظهر عورة ما يُسمّى بالديمقراطية، حيث صوت 72% من المقترعين في الدورة الأولى ضد الرئيس ماكرون، الذي حاز فقط على 28% (حوالي 8,9 مليون صوت) في حين أن الآخرين الذين صوّتوا له في الدورة الثانية، كان اقتراعهم، تعبيراً عن رفضهم لمنافسته اليمينية المتطرفة، وبهدف قطع الطريق عليها بالوصول إلى الأليزيه، وقال غالبيتهم: أنهم يختارون بين السيء والأسوأ.
وبالأرقام فإن الذين اقترعوا في الدورة الثانية بلغ عددهم 32,057325 ناخباً
من أصل 48,7 مليون ناخب مسجلين على لوائح القيد نال منهم ماكرون 18,768,639 صوتاً في ظل مقاطعة تجاوزت 28% . وبتعبير آخر فإن ماكرون يمثل فعلياً نسبة 18,7% من الفرنسيين إضافة إلى 20,5% منحوه أصواتهم كتعبير عن رفضهم للوبان. وهذا يعني أن من قرر مصير فرنسا هم أقلية وليسوا أكثرية على الإطلاق، لأن الديمقراطية الحقيقية تقوم على إعطاء الحق بالحكم للغالبية، التي تُمثّل أكثر من نصف عدد الناخبين، وليس نصف المقترعين الذين يشاركون في العملية الانتخابية.
وهنا يكمن خطل ممارسة الديمقراطية في مختلف دول العالم، بحيث تتمكن اوليغارشية قليلة، من الامساك بزمام الحكم، في حين تكون الغالبية الحقيقية من الشعب معارضة لها، وهذا يسبب تحوّل الصراع عالباً، من شكله الديمقراطي في صناديق الاقتراع، إلى اندلاع العنف وتبادل اطلاق النار واندلاع الحروب الداخلية.
لقد بدأت الشعوب الأوروبية تشعر بالضائقة الاقتصادية والغلاء الناتج عن سياسات الأوليغارشية المتحكمة بهذه الدول، والتي بمعظمها تابعة ومرتبطة بجماعة أصحاب رؤوس الأموال، المتمركزة في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تُدير وتحكم معظم دول العالم.
هذه الجماعة أشعلت حروباً من أجل بيع السلاح، والسيطرة على الثروات الطبيعية، من العراق إلى ليبيا وسوريا واليمن، والآن أوكرانيا، وغداً تايوان، تتم التضحية بآلاف الأرواح ومصير الشعوب والدول، وكل ذلك لكسب مزيد من الربح، وبسط السيطرة والنفوذ على العالم.
يُرجى الحفاظ على حقوق الملكية الفكرية عند نسخ أي شيء من مضمون الخبر وضرورة ذكر اسم موقع «الثائر» الالكتروني وإرفاقه برابط الخبر تحت طائلة الملاحقة القانونية.