منذ فترة تجنبت الحديث عن الأزمات التي يعاني منها مبنى ماسبيرو الذي من المفترض أنه يمثل حتى اللحظة الإعلام العمومي في مصر غير ان الحديث عن الحوار الوطني وإن الاعلام احد محاوره الاساسية ومن متابعتي لما يحدث على الأرض خاصة مع استمرار معاناة العاملين فيه خاصة الذين شاء حظهم العاثر أن يخرجوا الى التقاعد في هذه الفترة وكذلك إنتشار الاحباط بسبب تداول ان التخلص من ماسبيرو اصبح قريبا جدا!
اقول كل هذه الامور دفعتني الى ان أتناول أزمة ماسبيرو من خلال وجوهها الحقيقية وهي في نظري تنحصر في مشكلة متعددة الأبعاد ليس منها الإفتقار الى الإبداع والمبدعين كما يدعي البعض من المبررين لفكرة الإجهاز على إعلام ماسبيرو ! بدليل أن الذي يقود ويعمل في قنوات الإعلام الخاص الآن هم أصلا من مبدعي ماسبيرو !
واعتقد ان هناك خمسة ابعاد للازمة التي نناقشها تتحدد فيمايلي :
1) مشكلة مادية أو مالية نجمت عن ترحيل المشكلات المتراكمة منذ إنشاء المبنى عام 1960 الأمر الذي أدى الى وجود ديون أعتقد أن معظمها إن لم يكن كلها تعتبر ديونا حكومية لا دخل بماسبيرو فيها انما هي نتاج نظام مالي للدولة -معقد إلى حد كبير – اوقع الإعلام المملوك للدولة في مأزق وينطبق هذا على ماسبيرو وغيره من مؤسسات الصحف القومية بعبارة ٱخرى إنها مشكلة عامة ملخصها أنه تم تقديم خدمات إعلامية لم يتم دفع مقابلها وتحملها ماسبيرو وتزامن معها تأجيل الدفع لبنك الاستثمار القومي ما أدى إلى صدور أحكام لصالحة مكنته من الحجز على موارد واصول المبنى لسداد مبالغ تتخطى بالفوائد حوالى 30 مليار جنيه !
ونتيجة لذلك لم تستطع الهيئة الوطنيه للإعلام سداد مستحقات العاملين أو المحالين للمعاش منذ عام 2018 فيما تتحمل الحكومة فقط 220 مليون جنيه شهرياً هي رواتب العاملين الذين إنخفض عددهم من 34 الف موظف في عام 2011 الى 18 أو 19 الف موظف في عام 2021
2) مشكلةادارية يعاني منها المبنى نتيجة أن الهيئة الوطنيه للإعلام عند انشائها بديلا لاتحاد الاذاعة والتليفزيون لم تحل ماورثته من مشكلات وقبلت أن تعمل في ظروف أسوأ مما كان عليها الاتحاد ومن ثم لم تكن هناك رؤية متكاملة لحلحلة المشكلات وكل ما سمعناه عن جهود للحل كان عبارة عن اجتهادات وللأسف غير ناجحة! وترتب على ماتقدم نوع من التخبط الاداري تمثل في وقف الترقيات والإكتفاء بإصدار قرارات تكليف بتولي المناصب القيادية لدرجة ان رؤساء قطاعات احيلوا للمعاش بدرجة مدير عام
3) مشكلة سوء فهم تتعلق بإنه رسخ في ذهن الحكومة ان مبنى ماسبيرو هو منشأة اقتصادية وعليه تدبير احتياجاته المالية من موارده وهو أمر يتنافى مع الواقع حيث أن ماسبيرو كما اوضحنا مكبلا بالديون غير أنه إعلام عمومي لا يهدف إلى الربح لانه يصنف على أنه إعلام خدمة عامة وبالتالي يجب أن تتحمل ميزانيته وديونه واحتياجاته الحكومة باعتباره إعلاما للدولة
4) مشكلة علاقة الدولة بماسبيرو حيث ترى الحكومة انه اصبح عبئا عليها وتستكثر عليه مبلغ ال 220 مليون المدفوع شهرياً للرواتب وحسب ماذكرنا يجب تدبيره من الموارد الذاتية وقد ساهم في ترسيخ هذا الموقف عدم وجود صوت وزاري في الحكومة يدافع عن العاملين في المبنى بعد إلغاء حقيبة الإعلام ثم فشل تجربة تعيين وزير دولة للإعلام
5) مشكلة دستورية نقف نحن اليوم أمامها فيما يتعلق بالمادتين 212 و213 من الدستور والمتعلقتين بتنظيم الإعلام حيث نجد تداخلا في سلطات الهيئات الإعلامية ولا أعتقد أن الهيئة الوطنيه للإعلام تتمتع بالاستقلالية في اتخاذ القرار كما نص الدستور بدليل أنها تقف عاجزة أمام حل الأزمة المزمنة لماسبيرو!
خلاصة القول إن إدارة الأزمة بشكل صحيح تتيح امكانية حلها اذا توافرت الإرادة السياسية لذلك من خلال فتح حوار مجتمعي تشارك فيه منظمات المجتمع المدني والجامعات ومراكز الابحاث لعمل مايسمى think tank يطرح البدائل والحلول ويساعد متخذ القرار والبرلمان على رصد طريق انفراجة أزمة ماسبيرو !