خلال عشرة أيام حلق الدولار عشرة آلاف ليرة ليتخطى سعر 37 ألفاً، ثم بثلاث ساعات هبط إلى 30 ألفاً. فهل من عاقل يعتقد أن الأسباب اقتصادية؟؟؟
في دول العالم المتحضّر تكون السياسة في خدمة الاقتصاد، وينجح الرؤساء والنواب في الانتخابات استناداً إلى برامج سياسية، تخدم التحسّن الإقتصادي للبلاد والعباد. أما في لبنان فيتم توظيف الاقتصاد في خدمة السياسة، وهكذا يتغيّر سعر صرف الدولار وفق مزاج أصحاب القرار، دون أي مبررات اقتصادية.
خلال الأسبوع الفائت امتنعت عدّة مصارف عن إعطاء الدولارات للمواطنين، وتوقفت فيها منصّة صيرفة، رغم تمديد حاكم المركزي العمل بالتعميم 161 لغاية نهاية شهر تموز، مع قابلية التجديد. وعلى المسرح السياسي بدا التشرذم والانقسام سيّدا الموقف، فلا اتفاق على شيء، بدءاً من إعادة تشكيل المجلس النيابي لنفسه، بانتخاب الرئيس ونائبه وهيئة المكتب وتعيين اللجان، كي ينطلق في ورشة عمله المنتظرة، في استحقاقات داهمة، وإلى تشكيل الحكومة، إقرار القوانين الاصلاحية، وحتى انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
المشهد سوداويٌ للغاية، فكل طرف يريد الحصول على كل شيء، وأصبح الحوار مقطوعاً بين الفرقاء، وبات يدور من فوق المنابر والسطوح والسقوف العالية، فبدت التسويات بعيدة المنال. وللخروج من المأزق كان على ما يبدو، لا بد من إشغال الناس بلقمة عيشهم، وصرف اهتمامهم إلى الليرة والدولار وجنون الأسعار. واستغلّ المضاربون الفرصة، وبدأت فِرق الصرافين واتباعهم بجمع الدولارات من السوق، فساد الهلع بين الناس، ودخل البلد في حالة هيستيرية، دون أي ضوابط وفي غياب تام للدولة.
الخميس دعا الرئيس بري إلى عقد جلسة لمجلس النواب، حاسماً الجدل، ورافضاً المساومة وتقديم أي تنازلات أو مقايضة في موضوع رئاسة المجلس، (كما قال مقربون منه)، والجمعة أعلن رياض سلامة أنه سيزود المصارف بالدولارات اعتباراً من نهار الأثنين، وطلب منهم تمديد أوقات العمل، ودفع الدولارات للمواطنين وفقا للتعميم 161 وعلى سعر منصة صيرفة.
طبعاً لم تُمطر السماء دولارات في لبنان، ولم ينتعش اقتصادنا فجاة، وما سيقدمه سلامة للمصارف، سيكون مما تبقى لديه من احتياط إلزامي وبعض دولارات التحويلات OMT، والكل يعلم أنه لم يبقَ سوى القليل، والمركزي يُعطي بالقطّارة لتجار الدواء والمحروقات. والسؤال الأهم: كم سيصمد المركزي في ضخ الدولار في السوق، في ظل شح المداخيل، اذا لم نقل انعدامها؟؟؟
ما فعله المركزي اليوم تحت الضغط السياسي، ووفق معلومات مسرّبة، (إن صدقت) عن تلقي سلامة تهديدات بالسجن، إذا لم يتدخل للجم تدهور سعر الصرف، يعني أن هذا العلاج هو عبارة عن مسكّن وإبرة مخدّر لن يدوم مفعولها طويلاً.
لكن من ناحية ثانية فإن ما حصل اليوم، شكّل ضربة مؤلمة للصرافين المضاربين، الذين خسروا بيوم واحد مبالغ طائلة، تفوق كل ما جنوه من أرباح طيلة شهر كامل، وقد يكون هذا درساً، تعادل قيمته وآثاره، توقيف وسجن الصرافين، الذين طالما تلاعبوا بالنقد الوطني وحياة الناس، لكن من جانب آخر، فإن أسعار السلع لدى مافيا التجار، ارتفعت مع الدولار ولن تنخفض بانخفاضه، وبالتالي سيدفع المواطنون الثمن.
الطلب على الدولار في لبنان يفوق المليار دولار شهرياً، حيث تبين أن البلد ما زال يستورد بمبلغ 13إلى 14 مليار دولار سنوياً، فيما يدخل إليه حوالي 6,5 مليار دولار من أموال المغتربين، وأقل من مليار ونصف من تصدير البضائع، وهذا يعني اننا بحاجة إلى أكثر من 6 مليار دولار لتأمين العجز الحاصل.
واذا استمر المركزي باستخدام الاحتياط الالزامي، فنحن ذاهبون إلى الارتطام الكبير في غضون ستة أشهر إلى سنة على ابعد تقدير، و سيتحول لبنان بعدها إلى فنزويلا الشرق.
وبالخلاصة قد يسأل البعض عن الحل فنقول له: الحل بسيط جداً. إجعلوا السياسة في خدمة الاقتصاد، وأوقفوا المناكفات والمحاصصات والحسابات الضيقة، والتدخل في شؤون الآخرين، والتفتوا إلى لبنان وشعبه وأزماته. فلتتشكل حكومة كفاءات، وليتم تنفيذ ما يلزم من إصلاحات، وتشريع ما يلزم من قوانين، وأعطوا شعب لبنان الأمن والعلاقات الجيدة مع الدول الصديقة والشقيقة، وعندها سيعود المستثمرون والمغتربون والسياح، وسينتعش لبنان من جديد، فهذا شعب مبدع يحب الحياة ، لكن أعطوه فرصة للحياة بدل حروبكم وفسادكم ومتاجرتكم به وبمستقبله.