مقدمة ديوان (أوتار) بقلم الشاعر.. عصام طلعت الرفاعي

ديوان مجمع – صادر عن جمعية مبدعي الغد
=======================
هذه الأوتار تدعوني إلى أن امتطي جوادي ، وأخلد إلى الدعة والراحة ، بين يدي نبضات وإشراقات تحمل الهزة الروحية عنوانا لها ، والفكر المطير ديدنها ، حيث يتراءى لي من بعيد فوارس الكلم ، يعزفون على قيثارة اوجاعهم أعذب النغم .

إنه خمر يحمل سكرا ، للأرواح ترويح ، وللحياة إصلاح وتوجيه، الشعر بلسم مبلسم ، يروي القلوب المتعطشة ،يسعد الكون بأنفاسه وترياقه ، فيبدو مشمسا بنقاوة ألحانه وربيع أنغامه ، إنها الحياة داخل قصيدة ، فمتى تكون القصيدة شريان حياة ؟!

(أوتار) جمع وتر وهو : شبه عرق أو خيط غليظ يشد على بعض آلات لموسيقى كالعود أو الكمان ، ويضرب عليه بريشة أو نحوها فينبعث منه النغم . وتحمل تلكم التسمية صدى غريب وليس بعجيب ، إنما توحي بالتغني والتجلي بوجدان الشعراء الذين يتناثر درهم داخل هذا الحصن الجميل ، والذي سلط الضوء على الضوء فامتزج الضوءان، فالأوتار نضرب عليها فيخرج نغما شاديا شاجيا ، وبين الشدو والشجو يقطن الشعراء .

ولو طوفنا في هذا الستان المعمور بأزاهير ندية ودفقات شجية ، تجلو الأعين تجذب الأفئدة ، نجدها دعوة للمصالحة بين الكون ومفرداته ، دعوة للحب ، لسان حالها : ماذا لو حرثنا أرضَ قلوبنا وزرعناها عشقا لمرايا إخواننا ، وسقيناها بماء الحبِ لظلالنا ؟! تحمل نداءات للأخوة الإنسانية ، فنحن في الترابِ قد تنقلنا وعلى بابِ الوجود تغذينا ، فما بال الإنسان يسعدُ بهزيمة أخيه في الإنسانية وشقاوته واغتيالِ حريته ، دعوة للتصافح للتكاتف، علها تهزُ الكون بالقلب ، لتعزف على مفرداته أغاريدَ الحب .

إن هذا الإصدار عن جمعية مبدعي الغد ، لخير شاهد على ما تحمله تلكم الجمعية من هموم للأدب والأدباء ، حيث تنتشر في ربوع الوطن العربي ، تغزل نسيج الوحدة الفكرية بين الشعوب ، تخلص الإبريز ، تكتشف الإبداعات في شتى مجالاته ، تنطلق في كل مكان تبحث عن المبدعين ، تبصرهم الطريق ، ترتقي بهم ، تقدمهم لمن يهمه الأمر وتتابعهم ، إنها حقا جمعية قد نالت من اسمها نصيبا كبيرا ، فكلهم مبدعون ، يحملون على عواتقهم حب الأدب والأدباء .
هذا الديوان (ديوان أوتار) فيه قاسم مشترك عظيم لخصائص الأدب في الآونة الأخيرة خاصة الحقبة الزمنية لثورات الربيع العربي ، وأقول : لعل التخبط المجتمعي المعاش في هذه الحقبة جراء تعدد الأحزاب والطوائف واختلاف الرؤى وتباين الاتجاهات بين أفراد المجتمع ، أسفر عن وجدانات مغايرة ، وأفكار متقاتلة ، هذه الإحداثيات والموروثات الآنية والمكانية استطاعت أن تفرز لنا أدبا راقيا يحمل احلام الشعوب المتباينة ، بل يشجو بالآلام من ناحية ، ويشدو بالأحلام من ناحية أخرى ، وأصبحت المحبوبة في أشعارهم الأوطان ، بل يبدو جليا أن هناك خيطا شعوريا معنويا يجمع هؤلاء الشعراء ألا وهو الحب للوطن ، لكن كل يحاول الوصول إلى عزة وطنه بطريقة مغايرة قد تتفق والآخر أو قد تصطدم يالأغيار . فانبرى الشعراء يمجدون الأوطان ، ويحاولون رأب الصدع في علائق بني الخلان .

يغلب على الديوان شعر العامية ويحسب له مجاراة الهموم الذاتية ، و أي شعر خلاف الشعر العربي الفصيح هو شعر عامي أو شعر شعبي. والشعر العامي هو الّذي يتكلم بلهجة أهل البلد الدارجة والمتميزة، والتي ينطق بها شخص يعرف أنّه من أهل ذاك البلد .

إن لعاميّة في كل اللغات هي (لغة فطريّة متحوّلة متحرّكة، لغة الإقليم لا الوطن الكبير، ويتميز بالمحدودية اللغوية والتاريخية، والمحدودية الجغرافية، هو شعر ارتضى لغة محلّية، يفهمها أهل القرية أو الدولة فقط، ،و لو تفوق الشاعر العامّيّ على نفسه ففعل ما ليس في إمكانه ولا من طبيعته (فَرَضًا) – فمَن سيفهم عاميّة المغرب في المشرق أو عاميّة المشرق في المغرب؟! ومن سيفهم عاميّة اليوم غدًا؟ )، وهنا لي وقفة لأقول : ليس كل ما كتب بالعامية يستحق أن يكون شعرا ، فهناك أنصاف الشعراء وأشباههم ، وهناك الشعراء ، وبين هؤلاء و أولئك بون خطير ، وديوان (أوتار) فيه من الشعراء من علموا أن الوصف بالشعر يفوق السرد ، وأن التلميح أبلغ من التصريح ، والمحاكاة والتخييل لها قداسة لديهم ، وإنني أرى أنه لا يجانبني الصواب حين أدعي صدقا أن العديد من الشعراء يتأرجحون ما بين العامية والفصحى ، وهذا التأرجح يفقد الكثير منهم شاعريته بل هويته الشعرية .

يحمل ديوان ( أوتار) من القضايا الاجتماعية والوطنية الكثير والكثير ،بخلاف ما طرأ على الساحة الأدبية في الآون الأخيرة ، فالساحة الأدبية قد نضبت من موضوعات تتصل بالإنسان كإنسان ، وأصبحت موضوعات الحب والمقاومة الوطنية هي السمة السائدة في الفترة الراهنة بعد ثورات الشعوب العربية ، وأتساءل ما موضوع الشعر ؟ ويجيبني الديوان (أوتار) : كل ما تقع عين الشاعر عليه يصلح ليكون موضوعا للشعر ، وهنا التميز والتفرد ، وهنا بناء الإنسان وعلاج حياته ككل متكامل ، ليتسنى للشاعر بناء حضارة إنسانية قوامها الإنسان كإنسان مبدع ، يفوق كل الكائنات ومفردات الكون من حوله.

وأخيرا أهتف مفتخرا بكم : أيها الموجعون ، أيها الأدباء ، أيها الكرماء، حقا إن لشهيقكم ألم، ولزفيركم نغم .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *