قال عنه الإمام الأكبر د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر، ذات يوم فى تدوينة جميلة: «سعدت بلقاء الأمير تشارلز بالجامع الأزهر ووجدت فيه قائداً يتحلى بالحكمة والمسئولية وصوتاً غربياً منصفاً فى حديثه عن الإسلام والمسلمين».
وصدق والله الإمام الطيب فإننى أتابع الأمير تشارلز منذ أكثر من ثلاثين عاماً وأُعجب بحكمته وتريثه ومحبته للإسلام والشرق، وكلماته الرائعة فى إنصاف الإسلام ونبيه الكريم
فلم يضبط الرجل يوماً يدعو إلى التعصب أو إقصاء الآخر أو سب العرب والمسلمين أو الهجوم عليهم.
وكان فى شبابه رمزاً للحكمة، ومن أشد المعارضين لغزو بلاده للعراق أيام تونى بلير وكان ينتقده فى كل مجالسه، ويتحدث دوماً عن حل عادل للقضية الفلسطينية، والأمير درس القرآن الكريم دراسة متعمقة وتعلم اللغة العربية ودائماً يتعاطف مع قضايا العرب العادلة.
ومن إحدى مآثرة كلمته التى ألقاها عام 2010 بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيس مركز الدراسات الإسلامية فى جامعة أكسفورد والذى يعود الفضل فى إنشائه -مع عشرات غيره فى أرقى الجامعات الكبرى- إلى الملك السعودى الراحل صانع المعروف خادم الحرمين الشريفين فهد بن عبدالعزيز، والتى استمرت قرابة ساعة، والتى لم يتخيل أحد أن ملك بريطانيا ورأس كنيستها القادم دستورياً يعرف عن جوهر الإسلام أكثر مما يعرفه الكثير من المسلمين، وينصف الإسلام أعظم من بعض العلمانيين العرب الذين ينظرون للإسلام بعين عوراء أو يقرأون الإسلام من نعله وليس من رأسه.
ومنها قول الأمير: «جهودنا فى العالم الصناعى اليوم لا تنبثق حتماً من حبنا للبحث عن الحكمة، ولكنها تتركز فى الرغبة فى الحصول على أكبر عائد مادى، وهذه الحقيقة تتجاهل تعاليم روحية مثل تعاليم الإسلام الذى يؤكد على أن الجانب الحيوانى من حاجتنا كبشر لا يشكل حقيقة ما نحن عليه، ومما أعرفه عن القرآن أنه يصف مراراً وتكراراً العالم الطبيعى على أنه صناعة أنتجتها قوة توحيدية راعية، والقرآن يقدم رؤية تكاملية للكون تشمل الدين والعلم والعقل والمادة جميعاً».
ما أروعك أيها الأمير الحكيم! إن هذه الحقيقة البسيطة يشكك فيها بعض مفكرى العرب المسلمين الذين أغرقوا فى العلمانية أو أغرقتهم الشهوات والشبهات وأعمتهم عن حقائق القرآن والإسلام العظمى.
ويقول أيضاً: «إن منطق الحسابات الرقمية الكمية فقط لن يساعد حقاً فى فهم العالم، ولغة العلم رغم جودتها لا تقدر وحدها على فهم تجارب الإيمان أو التعامل مع قضايا الروح».
ويضيف الأمير تشارلز فى هذه المحاضرة القيمة فى أعرق جامعات بريطانيا أكسفورد: «تأمل ما أحدثه هذا التصور من فارق خلال القرنين التاسع والعاشر الميلاديين خلال فترة ما يسمى بالعصر الذهبى للإسلام والتى شهدت نمواً رائعاً للتقدم العلمى، لكن كل هذا التقدم كان مبنياً على فهم فلسفى للواقع راسخ فى روحانيته ويحتوى على احترام كامل لحرمة الطبيعة والأرض، وتمثل رؤية متكاملة للعالم تعكس الحقيقة اللانهائية بأن الحياة بأسرها متجذرة فى وحدانية الخالق، هذه هى شهادة الإيمان أليست كذلك، إنها شهادة كامنة فى المعطيات القائمة على التأمل فى القرآن، إنه مفهوم التوحيد أو وحدة جميع الأشياء ضمن رعاية توفرها وحدة الخالق».
والغريب يومها أن الأمير تشارلز استخدم كلمات «الحقيقة» و«التوحيد» بلفظها العربى أثناء محاضرته الرائعة وضرب مثلاً عن أن هذه الرؤية عبرت عن نفسها لدى المفكرين المسلمين مثل ابن خلدون الذى كان يعلم بأن كل المخلوقات توحد وفق نظام مرتب ومنضبط تكون الأسباب فيه موصولة دائماً بالنتائج.
ويزداد تألقاً بقوله: «إن الطرح السابق يعيد إلى الأذهان درجة الرقى الكامنة فى المنظومة الحضارية الإسلامية حين تقدم للإنسان قواعد التعامل مع الكون من حوله وهى قواعد لا تكاد تجد مصداقاً عملياً لها فى واقع المسلمين المعاصر»، وكأن تشارلز يفرق بين الإسلام ومنظومته الرائعة وتنكب المسلمين اليوم للطريق وتخلفهم عن الركب.
ثم يردف الأمير قائلاً: «إن العالم الإسلامى يحوى واحداً من أعظم كنوز الحكمة المتراكمة والمعرفة الروحية الموجودة لدى البشرية، وهى تشكل فى نفس الوقت تراث الإسلام النبيل وهدية لا تقدر بثمن لباقى البشرية، ورغم هذا يتم استصغار تلك الحكمة الآن بسبب التوجه السائد لتبنى المادية الغربية، أى الشعور بأنه لكى تكون عصرياً وحداثياً فإن عليك أن تقلد الغرب».
ويختم كلمته بقوله: «إننى أحب أن أضع أمامكم لو أمكن تحدياً آمل أن يصل إلى ما وراء هذا الحضور اليوم ويكمن فى تحفيز العلماء والشعراء والفنانين والمهندسين والحرفيين المسلمين لتحديد الأفكار العامة ومعها التعاليم والتقنيات الكامنة فى الإسلام والتى تشجعنا على العمل بالانسجام مع الطبيعة وليس ضدها أو فى تضارب معها».
الأمير تشارلز يعد من أعظم من فهم الإسلام والقرآن وقرأهما قراءة متعمقة، وقد أثار الأمير الذى سيصبح يوماً ما ملكاً لبريطانيا بعد حديثه هذا منذ أكثر من عشر سنوات حفيظة بعض الكتاب والصحفيين البريطانيين واتهمه بعضهم بأنه مسلم يخفى إسلامه، والحقيقة غير ذلك، إنه يفهم ويدرك حقائق الإسلام وتآخى الأنبياء وتلاقح رسالاتهم وأنهم اغترفوا جميعاً من معين واحد وعبدوا جميعاً إلهاً واحداً، وجاءوا جميعاً لتعبيد الناس لربهم وإقامة الحق والعدل والمساواة وإشاعة الفضيلة وتحريم القتل والزنا واللواط وتطفيف المكيال والميزان.
تشارلز يحب مصر حباً كبيراً ويبدأ دوماً كلمته بالعربية «السلام عليكم»، وقال بالعربية أيضاً معبراً عن حبه للنيل: «الذى يشرب من مياه النيل يعود مرة ثانية للبلاد»، منوهاً بأنه سعيد بعودته لمصر بعد 15 عاماً من الغياب.
وقد زار الأمير وزوجته كاميلا الأزهر والكنيسة وقابلا الإمام الأكبر والبابا تواضروس وقال: «إن الأديان الثلاثة تدعونا للحفاظ على البيئة المحيطة بنا والحفاظ عليها من أجل الأجيال القادمة»، وزار الأمير وزوجته مكتبة الإسكندرية واستقبله مديرها د. مصطفى الفقى الذى يعد من أعرف المصريين بالأمير تشارلز وتاريخه فى إنصاف الإسلام.