منذ بداية الألفية قبل أكثر من عقدين لوحظ أن العالم يشهد موجات متلاحقة من عدم الإستقرار بدأت عام 2001 بهجمات الحادي عشر من سبتمبر في نيويورك وواشنطن التي جعلت المد الإرهابي يشتد ويغير من حسابات الدول الكبرى والصغرى على حد سواء!
في عام 2003 كان الغزو الأمريكي للعراق الذي حصر بؤرة عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط لكن رغم سقوط نظام صدام حسين إلا أن واشنطن ومن تحالف معها وجدوا أنه يجب أن تتطور اساليب المواجهة مع الآخر فيما عرف لاحقا بحروب الجيل الرابع التي كرست مبدأ (الحرب بالوكالة ) بعد ان تكبد الغرب خسائر جسيمة في الشرق الأوسط !
ولهذا ظهرت نظرية الفوضى الخلاقة التي تمخض عنها في نهاية عام 2010 ما يعرف ب ثورات الربيع العربي بغرض إسقاط النظم التقليدية العربية خاصة الضعيفة منها لكن من أخطر نتائجها ان الحرب بالوكالة لم تسقط نظما سياسية فحسب إنما تعدى ذلك إلى تدمير شعوب وبنى تحتية لدول صاحبة تاريخ وحضارات مثل العراق وسوريا وليبيا واليمن !
وهنا نقول إن الصراع بات اقليميا وربما أراح مناطق العالم الآخرى حتى جاءت نهاية عام 2019 ليتعرض العالم كله بلا استثناء لموجة عنيفة من عدم الاستقرار تمثلت في وباء كورونا ( كوفيد 19) الذي استمر أربع أو خمس موجات ضربت العالم حيث أصيب نحو 617 مليون شخص وقتل الڤيروس أكثر من ستة ملايين ونصف المليون شخص ومازال العالم حتى وقتنا هذا يعاني من توابع الوباء صحيا واقتصاديا !
وفي 24 فبراير من هذا العام 2022 اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية ليدخل العالم موجة جديدة من عدم الاستقرار ظهرت آثارها سريعا في كساد اقتصادي وأزمة غذاء وبرد قارص ينتظر أوروبا الشتاء القادم بسبب أزمة الطاقة
وهكذا اصبح سكان كوكب الأرض يعيشون أياما صعبة اختلت فيها موازين القوى العالمية وكانت الدول الفقيرة الأكثر تاثرا بهذه الحرب التي لم تضع اوزارها بعد على العكس يسيطر على العالم هواجس الحرب النووية ما يرجعنا الى فترة الحرب الباردة وإن كانت قواعد توازن الردع كانت الحاكمة فيها !
و دعونا نقول إنه
أصبح من الصعب وصف التحديات التي تواجه الديمقراطيات الغربيه ومنها عدم استبعاد فرص فوز دونالد ترامب في الإنتخابات الرئاسيه الأمريكية المقبله وتصاعد ثقل جناح اليمين الشعبوي المتطرف الذي تشهده فرنسا والسويد والمجر وبولندا وهولندا والدنمارك والمانيا وايطاليا ،ولم تكن نتيجه الانتخابات الايطاليه سوى فوز أفكار لا تبتعد عن الفاشيه كثيرا لتؤكد تغير توازنات القوي السياسيه الداخليه في اوروبا لتعود دعاوى الوطنية الى الظهور على حساب توسع سلطات الاتحاد الاوربي ومناهضه ال neoliberal globalization المرتبطه بمشروع الاندماج الاوربي وبتركز الثروه في نسبه محدوده من المحتمعات !
ويبدو ان اوروبا مقبله ، في ضوء تصاعد التحديات الناجمه عن الحرب التي تشهدها اوكرانيا من جراء الحلقه المفرغه للعقوبات المفروضه علي روسيا وللعقوبات الروسيه المضاده، علي المزيد من التحولات السياسيه الداخليه التي قد تسهم في تراجع تجربه الديمقراطيه الليبراليه التي سادت الحياه السياسيه الاوربيه طوال العقود الماضيه وإن تصاعد ثقل التيارات اليمنيه المتطرفه في اوروبا يأتي كرد فعل لمجموعه من العوامل يتعلق اهمها بتفاقم الأوضاع الاقتصاديه والاجتماعيه الأمر الذي قد ينبئ بولاده نظم سياسيه واقتصاديه جديده تركز علي مبادئ تحقيق العداله الاجتماعيه في أوروبا وقد يمتد هذا الي التجربه الديمقراطيه الأمريكية ذاتها!
ومازلنا نتساءل إلى متى ستستمر عوامل ازكاء الصراع في العالم بشكل يؤدي إلى اختلال توازن القوى الدولي و يقود إلى انتشار ( الرعب النووي ) بعد ان خرجت بؤر التوتر الى مناطق في العمق الأوروبي بدلا من الشرق الأوسط( الاقليم التقليدي) للصراعات والاحتقان في العلاقات الدولية !