قال نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي ديمتري ميدفيديف، في تصريحات صحفية في حزيران الماضي: “من قال إن أوكرانيا ستبقى موجودة على خريطة العال
وكان مساعد وزير الدفاع الأميركي للشؤون السياسية كولين كول قال: “ما زلت أعتقد أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يخطط للاستيلاء على جزء كبير من الأراضي الأوكرانية، إن لم يكن البلد بأكمله، لكنني لا أعتقد أن بإمكانه تحقيق ذلك؛ لأن الأوكرانيين صامدون ولا أعتقد أن للروس القدرة على تحقيق تلك الأهداف.
عندما سُئل وزير الخارجية الروسي هذا الأسبوع، عن عدم اعتراف الغرب بالاستفتاء الذي جرى في المقاطعات الأوكرانية، وقرار ضمّها إلى روسيا، أجاب: بأن روسيا لا تهتم باعتراف الغرب بنتائج الاستفتاء، ولا قيمة لعدم اعتراف الغرب بانضمام المناطق الأربع.
وأضاف المتحدث باسم الكرملين: من قال أن هذه هي فقط المقاطعات التي سيتم ضمّها؟ فقد يكون هناك مقاطعات أُخرى راغبة في الإنضمام إلى روسيا.
أما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فقال في خطابه في الساحة الحمراء، بعد توقيع قرار ضم المقاطعات الأربعة: إن هذا الضم أنشأ أوكرانيا جديدة مضيفاً “أهلاً بعودتكم لبلادكم”.
مع بداية الحرب اعتقد بعض المحللين أن الغرب أوقع بوتين في الفخ، كما حصل عندما غزا صدام حسين الكويت، واسترسل الغرب في دعم أوكرانيا والاستهتار بالجيش الروسي، الذي نفذ تراجعاً قسرياً بعد أن وصل إلى ضواحي العاصمة كييف، ثم انسحب من تشرنهايف، وبعدها خسر أزيوم وخاركيف، ومؤخراً انسحب من مدينة كراسني ليمان الاستراتيجية. وكل هذا حصل لعدة أسباب؛ التفوق العددي للقوات الأوكرانية، والدعم الغربي الكبير بالأسلحة والمعلومات، وأخطاء تكتية ارتكبها الجيش الروسي في تخطيط وتنفيذ المعركة.
لكن بوتين رد بخطوة مفاجئة على انتصارات كييف والغرب، فأعلن ضم المقاطعات التي يسيطر عليها، وجعلها أرضاً روسيا وتحت مظلة حماية أسلحته النووية، التي هدد باستعمالها وفق العقيدة الروسية، التي تسمح باستعمال السلاح النووي، في حال تعرضت أراضي روسيا للخطر.
في موازاة ذلك يقوم الجيش الروسي بالتعبئة الجزئية ل ٣٠٠ الف جندي، وبدأت طلائع هذه القوات تصل إلى المنطقة الجنوبية، ومن الواضح أن الروس يقومون بالاستعداد لمعركة فاصلة، وهذا ما أوضحه الرئيس بوتين منذ يومين، عندما أعلن أنه ستتم استعادة السيطرة على الأراضي التي حررها الجيش الأوكراني.
ترتكز الخطة الروسية إلى السيطرة على كافة المناطق الأوكرانية، التي يوجد فيها غالبية مؤيّدة لروسيا، وإذا راجعنا خارطة التصويت الذي جرى عام ٢٠١٠ في انتخابات الرئاسة الأوكرانية، نجد أن معظم المناطق الشرقية (باللون الأزرق على الخارطة) اقترعت لصالح المرشح المقرّب من موسكو يانكوفيتش، أما الغرب الأوكراني فصوّت لصالح تيموشينكو المعادي لروسيا. (راجع الخريطة)
فإذا قرر الروس ضم كافة المناطق التي يعتبرونها موالية لهم، فهذا يعني أن الحرب ستستمر، وستحاول القوات الروسية استعادة السيطرة على خاركيف، وتتجه جنوباً نحو مدينة دنبرو، لتسيطر على خط سكك الحديد الذي يصل مدينة كورسك الروسية بشبه جزيرة القرم مروراً بالمدن الأوكرانية؛ خاركيف، ودنبرو، وزاباروجيا، وميلاتوبل، أما في الجنوب فستشن هجوماً على ميكولايف، وتتجه بعدها نحو أوديسا، وهذا يعني أن الخطة الروسية تشمل ضم أربع مقاطعات جديدة، ليصبح أكثر من ثلث الأراضي الأوكرانية تابعاً لروسيا.
قد يسأل البعض لماذا لم تقصف روسيا العاصمة كييف؟؟؟
في معظم الحروب التقليدية يكون احتلال العاصمة وإسقاط النظام فيها هو الهدف الرئيسي للقوات المهاجمة، لكن الروس تراجعو عن كييف عندما وجدوا أن الجيش الأوكراني لم يستسلم وعازم على القتال، فاقتنعوا بشكل واضح تماماً، أنه لا يمكنهم السيطرة على أوكرانيا بشكل كامل، خاصة في ظل هذا الدعم الغربي غير المحدود للنظام في كييف.
لذلك عمد الروس إلى تعديل خطتهم، فبدل السعي إلى تحويل أوكرانيا إلى نظام حليف ودولة موالية، أصبح الهدف تنفيذ الخطة الثانية أي تقسيم أوكرانيا، وضم المقاطعات ذات الغالبية الموالية لهم، لتصبح جزءاً من روسيا، وهذا الضم لا يمكن تنفيذه طبعاً فيما لو كان النظام في كييف موالياً لروسيا، لذلك تحتاج روسيا إلى نظام معادٍ لها في أوكرانيا، ويرفض التفاوض معها، ويُظهر للشعب الروسي، وكأنه جزء من حلف الناتو، وأداة بيد الغرب، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، لمحاربة وتفكيك روسيا.
لم تنجح العقوبات الاقتصادية في كبح جماح روسيا، ولم تشل اقتصادها كما توقّع الغرب، بل كان تأثير العقوبات سلبياً أكثر على أوروبا، فيما استفادت أميركا اقتصاديا، من التراجع الأوروبي، الذي انعكس بشكل رئيسي تراجعاً في سعر اليورو، وشللاً وتضخماً في الاقتصاد، إضافة إلى انتعاش خطوط توريد الغاز وارتفاع أسعاره، وصفقات الأسلحة الأمريكية، إلى الدول الأوروبية.
من الواضح أن أمريكا لن تدخل في حرب مباشرة مع روسيا، ولن تغامر في اندلاع حرب نووية، تعلم جيداً أنها ستدمر بالدرجة الأولى أمريكا وروسيا، وأوروبا، فلا أمريكا قادرة على توجيه ضربة قاضية لروسيا، التي تملك أكبر ترسانة نووية في العالم، وصواريخ متطورة أكثر من الصواريخ الأمريكية، ولا روسيا قادرة على المجازفة بضرب أمريكا، وتلقي رد نووي مدمر، ووحده هذا الرعب النووي المتبادل ما زال يمنع اندلاع المواجهة الشاملة.
ومع استبعاد المواجهة النووية حالياً، ستسعى أمريكا والغرب إلى تقديم مزيد من الدعم للجيش الأوكراني، محاولين عدم تخطي الخطوط الحمّر التي رسمتها روسيا،والتي قد تدفعها لاستخدام أسلحة نووية تكتية في أوكرانيا.
وفي نهاية المطاف سيجد الجميع أنفسهم أمام خيار من إثنين : إمّا المواجهة النووية الشاملة والمدمرة، وإمّا القبول بالواقع الذي ستفرزه المعارك على الأرض، وتقسيم أوكرانيا إلى شرقية تابعة لروسيا، وغربية موالية للغرب لكن دون ضمّها إلى الناتو. وهذا ما كنّا قد أوضحناه في مقال سابق تم نشره مع بداية الحرب الأوكرانية، عن خطة سرية لتقسيم أوكرانيا، التي أصبحت الآن مقسّمة حكماً، ولم يبقَ سوى رسم الحدود النهائية، لهذا التقسيم.