أقسم الشعب المصري أن يحمي وطنه، ولن يخاف غير الله إله واحد، ولن يسجد للوثن، فكم قدم الأرواح والدماء، وكم ضحى الشهيد بعمره وحياته فداء لوطنه حتى يزيل من أرضه كل العفن، وليس هذا فحسب، بل وليعلم الأجيال المتعاقبة معنى مواجهة المحن.
لذا، انطلق الأبطال البواسل من الثكنات والخنادق، وخلفهم شعب لا يخشى الفتن، فكانت النتيجة أن أسقطوا كل الحواجز، فا خترقوا خط بارليف الحصين بالماء، وكان سلاحهم في كل هذا النصر العظيم، هو الإيمان، فهدموا قلاعه الجيش الذي لايقهر بالقنابل والصواريخ التي دكت معاقلهم دكا.
هذا وقد سمع الأعداء النداء الذي زلزل الميدان، وهو شعار “الله أكبر فوق كل من يطغى ويتكبر”، “الله أكبر على كل من غرته نفسه المريضة لتقوده إلى الظلم”، فأثمر هذا الشعار ثمارا عظمبة، ليهلك الله سبحانه وتعالى هؤلاء الاعداء انتقاما لما ارتكبوه من المظالم كاستباحهم أرض المسالم، ونهبهم ثروات أصحاب الحقوق بلا مقاوم، فنادى قائد الشعب المصري العظيم “هبوا لنستعيد أرضنا.. أرض الأنبياء، فلن نسالم حتى نسترجع كل الحقوق، وسنظل نحارب، ونقاوم فلن نقبل على حقنا أن نساوم أرواحنا تفدي أرضنا ودماؤنا تروي التراب بلا ثمن”.
ستظل مصر عصية رغم الزمن، رغم المحن، رغم الفتن، وستدوس أقدامها كل من خان الوطن، وباع ضميره، لحساب أعداء الحياة، وبخنجره المسموم قد طعن، ولهؤلاء الأعداء نقول: ياحفنة من البشر ستسقطون، ستهزمون، ستغرقون ومصيركم إلى سقر وبئس المقر، وستبقى مصر ترفع راية العز والمجد، والفخار، ويخضر الشجر وتسقط أوراقكم في الخريف تذروها الرياح إلى البحر.
في يوم السادس من أكتوبر 73 19، كانت ملحمة يصنعها شعب مصر وجيشه وأمنه وقيادة تسعى إلى النصر ويستجيب القدر أكتوبر علامة وشرارة استدعى الشعب فيها ذخائر عزم وشجاعة وتضحية من أجداده الذين صنعوا الحضارة حتى أشرقت أنوارها وأضاءت فجر الضمير عدالة وكرامة وأضفت على الإنسانية علما واحتراما ولَم يزل يذكر التاريخ مجدا لن يزول مخلدا تاريخه وأمجاده لتكون مبعث فخر واعتزاز للأجيال القادمة.
وأذكر عندما زار البطل أنور السادات – رحمه الله – مفجِّر حرب أكتوبر الإمارات في لقائه مع الشيخ زايد – رحمه الله -، وكنت حاضرًا ذلك اللقاء بعد حرب أكتوبر مباشرة، يقول الشيخ زايد – رحمه الله – : لم نكن نحارب إسرائيل وحدها، ولكننا في الحقيقة كنا نحارب أمريكا بكل قدراتها العسكرية، ورأينا كيف كانت تحمل الطائرات سي ١٣٠ الدبابات وتنزلها للجيش الإسرائيلي مُحمَّلة بكل عتادها المتطور وتذهب مباشرة لميدان المعركة. بالإضافة إلى تزويد أمريكا لإسرائيل بالمعلومات الهامة عن مواقع الجيش المصري من الأقمار الصناعية.
هنا أكتب شهادتي للتاريخ. حيث إنني كنت مديرًا لديوان الرئاسة في عهد الشيخ زايد –رحمه الله- ورأيت المشهد بكل الوضوح، فلقد كان الوحيد من القادة العرب المتحمس بكل الإخلاص ولديه الاستعداد باتخاذ أي موقف مهما بلغت خطورته في دعم الشعب المصري وقيادته، إيمانًا صادقًا منه بوحدة المصير العربي المشترك.
ولذلك كان مبادرًا كأول رئيس عربي يتخذ خطوة جريئة وشجاعة بإعلانه قطع البترول عن أمريكا والدول الغربية، وكان له الأثر الكبير في الضغط على القوى العظمى باتخاذهم قرار (٢٤٢) في مجلس الأمن الذي أوقف الحرب وقضى بانسحاب إسرائيل إلى ما قبل حدود ١٩٦٧م.
وكنت شاهد عيان على تلك اللحظة الفارقة في حياة الأمة العربية، حيث كنت أنا الذي قمت بايصال المرحوم الشيخ زايد للتحدث مع الدكتور مانع العتيبة وزير البترول في ذلك الوقت، وأبلغه بإعلان قراره التاريخي أثناء اجتماع مؤتمر الأوبك وزراء البترول العرب في مؤتمرهم في الكويت، حيث اتخذوا قراراً بوقف ضخ البترول بما نسبته خمسة في المائة، وعندما أبلغت المرحوم الشيخ زايد بالقرار طلب مني فورا ايصاله بالتليفون لوزير البترول.
وحينها قال قولته المشهورة التي ستظل تتردد في التاريخ (ان البترول العربي ليس اغلى من الدم العربي) وشهادتي لله والتاريخ لتعرف الأجيال العربية كم حاول الخبثاء إخفاء تلك الحقيقة، وللتاريخ أشهد بأن المرحوم كان يمثل بحق ومصداقية نادرة إيمان تغلغل في العقل والقلب، ومواقف شجاعة تجاه الحقوق العربية وقيادة مخلصة لاتخاف غير الله وحده من يملك السماوات والأرض وهو القادر على كل شيء وهو السميع العليم.
وقبل ذلك قام الشيخ زايد –رحمه الله- بأخذ قرض من بنك (ميد لند) البريطاني بمبلغ يتجاوز خمسة وعشرين مليون جنيه إنجليزي لدعم القوات الجوية المصرية أثناء حرب أكتوبر، وقد شهد بذلك الرئيس حسنى مبارك -رحمه الله- أثناء لقائي به في بيته في مصر الجديدة بعد وفاة الرئيس أنور السادات -رحمه الله- حيث نقلت له تعزية الشيخ زايد.
وحينها قال لي: «لا أعرف كيف أنقل مشاعر التقدير والشكر للشيخ زايد حيث جاء دعمه المالي في وقت نحن أحوج إليه لشراء بعض قطع الغيار للطائرات الحربية، (بوصفه كان قائد القوات الجوية أثناء حرب أكتوبر)».
وظلت مواقف الشيخ زايد النابعة من إخلاص وإيمان بوحدة المصير العربي، فكان الوحيد من بين كل القادة العرب متميزًا في مواقفه المُدركة لأهمية جمهورية مصر العربية ودورها التاريخي في مواجهة أي عدوان على الأمة العربية، ويعتبرها وقواتها وشعبها رصيدًا قوميًا للأمن القومي العربي.
لكل ماسبق، وما سيأتي ستظل الإمارات كما أسسّها الشيخ زايد – رحمه الل ه- وبكل قيادتها من أبناء الشيخ زايد حفظهم الله وفيّة لمبادئها التي غرسها في قلوب أبنائه.
حفظ الله مصر وسدد خُطى قادتها العظماء الذين حققوا النصر وأيد فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي بالنصر والنجاح على أعداء مصر في الداخل والخارج.. وإنها لمنصورة إن شاء الله على قُوى البغي والعدوان، وسحق الشراذم من الإرهابيين ومن يقف خلفهم من الخونة والعملاء وأعوان الشيطان.