من المقولات الشائعة كأحد أوصاف النظام الأسبق أن به ” كان الفساد للركب ” وأغلب الشواهد تشير إلى أن منظومة الفساد الحديثة بدأت منذ الانفتاح
الساداتي ، واستمر خلال سنوات حكم الرئيس ” مبارك ” حتى بلغ ذروته ومازالت بعض آثاره بنسبة تتناقص تدريجيا كما نرى نتيجة صحوة رقابية جادة تتصدى لحالات الكسب غير المشروع أسقطت بعض الفاسدين من أصحاب المناصب ..
ساتناول صورة واحدة للفساد وهي عشوائية البناء .. و إحقاقا للحق في مسألة البناء المخالف للقانون فإن نسبة ما تم من ٢٠١١ إلى ٢٠١٤ استغلالا لما كانت عليه البلاد من حالة فوضى وانفلات بأنواعه إلى النسبة الكلية يمثل الجزء الأكبر من المخالفات المسجل منها والغير مسجل .
. فمن بنى برجا شاهقا اكثر من عشرة أدوار لم يزرعه في الأرض زرعا ولكن استغرق بناؤه شهورا أو سنوات على مرأى من المسئولين في المحليات وربما بمباركة منهم .. ألم تكن الرشوة هي المشجع على البناء ومبعث الضوء الأخضر المطمئن لارتكاب المخالفة ؟
ومع التعنت في عمليات الإزالة التى نشاهدها كل يوم لأبراج عالية ومنشآت استثمارية كلفت أصحابها ملايين الجنيهات و استغرقت وقتا وجهدا هل إزالتها تعيد هيبة الدولة فقط أم ستعود الهيبة مع شعور أصحاب الأبراج بالحسرة والمرارة والحنق فيتحولون الى مواطنين غاضبين من النظام ، فاقدين الانتماء لبلدهم حتى لو كانوا معترفين بخطئهم ومخالفتهم للقانون ، فالمخالف يعتبر كل من سهل له ارتكاب المخالفة شريكا معه تجب محاسبته قبله أو معه على ما حصل عليه من رشوة فأغمض عينيه أثناء عمليات البناء والتشطيب .
ولصاحب قرار تنفيذ الإزالة أهمس : ضع نفسك موضع المتضرر الذي عجز عن استخراج ترخيص بناء بسبب الروتين والتعنت والتعلل باللوائح ، أو المتضرر الشاب الذي اشترى شقة أو استأجرها ليتزوج فيها حتى لو كان يعلم بأن المبنى مخالف وبعد استقراره يفاجأ بقرار إزالة المبنى ليكون مصيره الطرد ، أو المتضرر الذي يعمل بالخارج و أرسل أموالا إلى أهله للبحث عن شقة يعود اليها بعد شقاء سنوات من عمره بالغربة وعاد ليجد المبنى قد تمت إزالته ..
. إذا لماذا يكون القانون معصوب العينين في هذه المسألة تحديدا مادام هناك من الدولة طرفا ساعد على ارتكاب المخالفة ، لماذا لا يبحث المسئولون كل حالة على حدة وإعمال روح القانون خاصة في ظل الظروف الحالية ، وإن كان الهدف تحقيق الهيبة فإن الغرامة العادلة تحقق أيضا الهيبة وتكون رادعا لمن يفكر في ارتكاب المخالفة .
فلتكن الرحمة منهجها في محاسبة المخالف المضطر ومراعاة المصلحة العليا هدفها الأول تليها مصلحة المواطن المتضرر أيضا والتصالح معه في معالجة الأمور بمبدأ لا ضرر ولا ضرار . فالدولة في غنى عن استعداء أي طبقة أو فئة حتى البسطاء الذين تمكنوا من بناء ما يأويهم في قطعة صغيرة من أرض زراعية ، نعم الدولة يكفيها الإلتفات إلى ما تقوم به من مشروعات تكلفها الكثير . وتبذل جهدها فيما يزيد اصطفاف الشعب بكل فئاته والتفافه حول قيادته السياسية التي تضع في مقدمة إهتماماتها ما يخفف العبء على المواطن ..
على أي حال نرجو أن ينير الله بصائر المسئولين ويهديهم إلى قرارات تحقق توازنا بين الاستفادة من المبنى المخالف سواء كانت لمصلحة المواطن مع تغريمه ماديا أو إزالة المبنى إن كانت الإزالة حتمية أو استغلال المبنى مع تعويض صاحبه بنسبة من تكلفة البناء في الحالتين الأخيرتين .