لماذا قل ظهور الأسماء جديدة منذ منتصف القرن الماضي؟ ما السر في هذه «النوستالجيا» التي نحياها؟ هل قلت خصوبة أرض الإبداع فتعثرت ولادة المبدعين؟ ومن المسؤول عن هذا الجدب؟ هل المبدعون؟ أم المتلقون؟ أم المناخ المحيط؟ أم أن الأرض مازالت خصبة والمبدعون مازالوا يتدفقون والعقول مازالت تتوهج لكن يحول بيننا وبينها ستار حائل؟
من هنا ادعو الى التفكير في اللامفكر فيه من هنا أقول أن: «العصمة في يد الثقافة». بمعنى ان عصمة أي مجتمع من التردي والسقوط في يد الثقافة هي وحدها القادرة على العبور بالمجتمعات من شط لشط ومن حال لحال، وهي وحدها القادرة على الحفاظ على تماسكه وصموده، و أن الحرب القادمة – بل والحرب الراهنة – هي حرب ثقافة وفكر، وأن المفكر والكاتب والمثقف عموما، هو الأطول عمرا، والأغزر فكرا، والأبقى أثرا من السياسي، فالمثقف يؤدي دورا لم يكلفه به أحد، وهنا تتعالى قيمته وتتسامي كلمته.
وهنا نقدم مهادا مكثفا للحديث عن أوجاع اللحظة الراهنة التي تفتقر إلى كتاب كبار ، واتحدث عن مناخ الحرية الذي كان سائدا وإدراك هذه الأجيال للمعنى الحقيقي للاختلاف الفكري وأنه لم يكن بالنسبة لهم خلافا إنسانيا، بل إن كثيرا منهم كانوا أصدقاء رغم الاختلاف، وكانت تربطهم ببعضهم علاقة مودة وصداقة.
في هذا السياق اقول عن الطابق السادس بجريدة الأهرام، أو ما يطلق عليه طابق العظماء أو الخالدين، الذي كان يضم في آن واحد ثلة من مفكري مصر العظام مثل توفيق الحكيم ويوسف إدريس ونجيب محفوظ وأنيس منصور وزكي نجيب محمود وثروت اباظة ويوسف جوهر وبنت الشاطيء وغيرهم من الأسماء التي نباهي بها ونعتز، وكانت تربطهم علاقات الاحترام والتقدير رغم تنوع توجهاتهم ورؤاهم وأفكارهم. وطالما ردد هؤلاء العظام أنه ليس المطلوب استنساخهم وإنما المطلوب الكشف عن الأصوات الجديدة والعقول المواكبة لزمانها والأقلام المعبرة عن طموحات جيلها وتطلعاته وواقعه، وجاء ذلك من خلال علاقات كاتب السطور بهؤلآء العمالقة حيث انتهيت من كتابه ( بصمة العقل.. إلا الطابق السادس في الأهرام».
واضيف ان اول عنصر من عناصر عدم ظهور عمالقة جدد ، وهو غياب حرية الفكر والقلم وفي هذا السياق فلدينا شجاعة هائلة امام القبور ولكن لدينا خوف هائل امام القصور،
ويرجع اسباب اشكالية شح ظهور الأسماء الجديدة، إلى مسببات عديدة، على رأسها الإعلام بكل مكوناته: إعلام مرئي وإعلام مسموع وإعلام مكتوب، فهذا الإعلام ما عاد يؤدي دوره في تسليط الضوء على الأسماء التي تمثل صفحة جديدة ومشرقة في مسيرة الفكر والثقافة والإبداع، لذلك اسميه (أضغاث إعلام)
ان الصجف الان لا تسعى الي فتح الصفحات امام الفكر الحر، ومتابعة المواهب وأصجاب الاقلام متابعة جادة ومستمرة. لأن فاقد الشيء لا يعطيه!
لابد من تقليب التربة من شمال مصر لجنوبها ومن شرقها لغربها للكشف عن كنوز العقول الموجودة والمعطاءة والتي تشغل نفسها بهموم الوطن والناس لكنها تتوارى حيث لا يدري عنها أحد شيئا.
أن الزمن الذي ظهرت فيها أسماء عظماء الفكر والإبداع كان زمن الأهداف والقضايا الكبرى، لكننا الآن لا تجمعنا قضية كبرى ولا نتحلق حول هدف جامع. ففي مطلع القرن العشرين كانت فكرة التحرر من الاحتلال هي الفكرة الجامعة، وبعد ذلك جاءت المشروعات القومية والحرب مع الصهاينة وغيرها من الأمور التي كانت ترينا طريقنا واضحا غير ملتبس ولا مشوش، أما الآن فنحن نفتقر إلى الهدف والقضية فتشوشت الرؤية وغاب الهدف.
واوجه أصابع الاتهام إلى الناشرين وهم طرف من الأطراف الثلاثة، لأزمة الكتاب والمفكرين والادباء، حاليا ، إذ إن ثلاثية ازمة الكتاب تعكس المناخ الذي يعطل ظهور مفكرين ومبدعين جدد بالشكل المرجو، واشير الى ان كثير من دور النشر الحكومية والخاصة تنشر الكتب على نفقة أصحابها، مع انها دور نشر غير ربحية، الأمر الذي يحجب الكثر من الأقلام الجادة، ويلقي بظلال بغيضة على مستوى دور النشر ومساهمتها الأساسية في خدمة المجتمع، واذا كان الحال هكذا مع دور النشر الحكومية فما بالنا بدور النشر الخاصة.
إن خطورة الميديا من حيث الشهرة الخاطفة والسهولة المفرطة والتسرع المرعب، ضررها أكثر من نفعها، سواء على حركة الفكر والثقافة أم على على الكاتب نفسه.