استعرضت ذلك المشهد في عجالة ليستدرك العرب أنهم مغيبة عقولهم ضائعة حقوقهم، وأن من يملك القوة يملك الحق، وهذه القاعدة هي المتعامل بها في الحياة الدنيا منذ خلق آدم، وإذا استرجعنا قراءة التاريخ، سنجد أن من ملك القوة فرض الحق بغض النظر إن كان حقًا أو باطلًا، وعلى صاحب الحق أن يتقصى بداية الجريمة التي ارتكبت في حقه حتى يستطيع أن يعد لاسترجاع حقه الإعداد المطلوب من تقوية أواصر أبنائه وتعزيز إيمانهم بحقهم، وسد كل الثغرات التي تفرقهم وتضعف قوتهم.
وبالرغم من مرور أكثر من قرن من الزمن حينما بدأ التخطيط للاستيلاء على فلسطين، حينما دعا رئيس الوزراء البريطاني آنذاك هنري كامبل الدول الاستعمارية في ذلك الوقت وهي بريطانيا/ فرنسا/ هولندا/ بلجيكا/ إسبانيا/ إيطاليا)، حينما عقدوا مؤتمرًا في لندن بحجة حماية شريان التجارة العالمية، وتأمين قناة السويس التي تربط بين الشرق والغرب، وتحيطها الدول العربية من كل جانب ويتطلب الأمر خلق وطن غريب عن العالم العربي يقسمه بين مشرق ومغرب ليسهل عليهم تقليص نهضته، وإعاقة تطوره وتقدمه وحرمانه من استغلال ثرواته الطبيعية، من بترول وغاز ومعادن، وأن تتعاون الدول المجتمعة في مؤتمر لندن لتسهيل ودعم الصهاينة اليهود، بكل الوسائل السياسية والعسكرية والمالية، حتى يتحقق ميلاد وطن قومي لليهود في قلب الأمة العربية، يمزق جسمها ويفرق شعوبها، ويخلق الفتن فيما بينها وينشأ الصراع والقتال لديها لكي تكون الدولة الإسرائيلية فى مأمن، وتستطيع أن تسلب أكبر قدر من الأراضي لتبني المستوطنات، والعرب وأصحاب الأرض الفلسطينيون مشغولون بأنفسهم.
ولعل جميعنا يدرك متى وكيف تم تقسيم الوطن العربي، بعد ذلك اتفق البريطانيون والفرنسيون على تقسيم العالم العربي بينهما، وأعلن اتفاقية (سايكس بيكو) وزيري خارجية بريطانيا وفرنسا سنة ١٩١٦م، ثم تبعها وعد بلفور وزير خارجية بريطانيا سنة ١٩١٧م، الذي تضمّن إعلان تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين في ٢/ نوفمبر/١٩١٧م، وقامت دولة إسرائيل في ١٤/ مايو/ ١٩٤٨م، بعد انتهاء الانتداب البريطاني الذي ساهم ودعَّم وساعد قيام دولة إسرائيل منذ مؤتمر لندن سنة ١٩٠٧م إلى ١٤/مايو/ سنة ١٩٤٨.
استعرضت ذلك المشهد في عجالة ليستدرك العرب أنهم مغيبة عقولهم، ضائعة حقوقهم، وهناك وصاية استعمارية على مستقبلهم، غير مدركين ما يخطط لهم في الخفاء، وينساقون خلف وعود باسترجاع حقوق الفلسطينيين، والإسرائيليون يبنون المستوطنات.
وتمر السنون والعرب يسعون خلف المفاوضات وقرارات مجلس الأمن، علمًا بأن من يملي قرارات مجلس الأمن هم نفس أعضاء مؤتمر لندن المعقود سنة ١٩٠٧م الذي استهدف إنشاء وطن قومي لليهود، فكيف يصدق المسروق وعود اللصوص بأن يعيدوا له حقه…..؟!
من يملك القوة لا تضيع حقوقه: أليست تلك مأساة.. أمة ضاعت منها بوصلة متطلبات القوة والوحدة والتعاون والتخطيط للمستقبل في مواجهة أي اعتداء على الحقوق العربية، حين ساهم الانجليز في قيام الجامعة العربية ليشغلوا العرب بقرارات قمم عربية لا تجد لها مكانًا من التنفيذ أو الاحترام في الالتزام بقراراتهم، وعلى سبيل المثال اتفاقية الدفاع المشترك التي وقَّعها القادة العرب سنة ١٩٥٠م تحت اسم (معاهدة الدفاع العربي المشترك والتعاون الاقتصادي)، فهل تم تطبيقها بالرغم مما مر على مختلف الدول العربية من عدوان وغزوات من قِبل دول افتقدت كل قيم الأخلاق ومبادئ حقوق الإنسان، واستباحت ودمرت أقطارًا عربية مثل العراق وسوريا واليمن والصومال وليبيا؟
واليوم ومع كل الحزن والمرارة التي تعصف بالإنسان العربي حينما يجد بعض الدول العربية تشارك في العدوان والتدمير ضد أشقائها العرب، وفي مثل تلك المواقف العربية التي تخلَّت عن الوفاء بالعهود والمواثيق العربية، فكيف سيحترمنا العالم ويقيم لنا وزنًا! بل على العكس سيزيد من وطأته على العالم العربي وكل منهم يستحوذ على نصيبه من الثروات العربية، ينهب كما يستطيع ويشاء في كل وقت.
قرار مجلس الأمن بانسحاب إسرائيل من الأراضي العربية: لماذا لم يتم تنفيذ قرار مجلس الأمن الخاص بانسحاب إسرائيل من الأراض العربية الذي أقره مجلس الأمن رقم (٢٤٢) بتاريخ ٢٢/نوفمبر/ ١٩٦٧م؟ والقاضي بانسحاب إسرائيل من جميع الأراضي العربية التي احتلتها قبل يونيو/١٩٦٧م، بما فيها الأراضي الفلسطينية والعرب يتساءلون.. لماذا لم ينفذ قرار مجلس الأمن المذكور أعلاه أكثر من خمسين عامًا؟ هل تعرفون السبب؟ إنه كما يلي:
أولا: الدول الرئيسيّة في مجلس الأمن بعضها متورط في قيام دولة إسرائيل ومن مصلحتهم استمرارها واستمرار توسعها على حساب الأراضي الفلسطينية والحقوق العربية.
ثانيا: استمرار الخلافات بين الدول العربية ومشاركة بعضها في العدوان على أشقائها مع الأتراك وغيرهم من الدول الطامعة في الثروات العربية، لم يجد أصحاب القرار في مجلس الأمن قوة عربية واحدة وقدرات متوافقة على اتخاذ مواقف واحدة للمطالبة بالحقوق العربية، ولديها من القدرات والإمكانيات بأن تضع ضغوطًا على بعض الدول العربية المؤثرة باستخدام كل القدرات المتاحة في الدول العربية، الأمر الذي لم يتحقق ولم تتوفر النية المخلصة لمواجهة العدوان على الحقوق العربية بالعزيمة والإيمان وتنفيذ اتفاقية الدفاع المشترك.
ثالثا: نضرب مثلًا على موقف دولة الإمارات أثناء حرب أكتوبر سنة ١٩٧٣م وما قرره سمو الشيخ زايد رحمه الله عندما أصدر إعلانه بقطع البترول عن أوروبا وأمريكا، مما خلق ضغطًا هائلًا على أمريكا وحلفائها الذي نتج عنه حذو الدول العربية نحو موقف الشيخ زايد الذي أدى إلى وقف الحرب وصدور قرار مجلس الأمن (٢٥٢).
ومثل تلك المواقف المشتركة والتي قادها بكل إيمان وعزيمة المرحوم (الشيخ زايد) بشجاعة القوي بإيمانه بالله وبدعم أشقائه.. بمثل تلك القيادات التي تفتقدها الأمة العربية اليوم، استطاعت أن تلزم كل الدول الغربية وأمريكا باحترام الحقوق العربية. ولكن ليعلم الجميع لا حقوق للضعفاء فهم يضيعون بين اللصوص والأشقياء.
المؤامرة على الأمة العربية: المؤامرة على الأمة العربية ليست وليدة اليوم بل بدأ التخطيط لها منذ سنة ١٩٠٧م في مؤتمر لندن، ونحن نتعاون معهم ونحسبهم أصدقاء وحلفاء فكيف نصدق من كان سببًا في استعمار الوطن العربي ونهب ثرواته أن ينصفنا في استرجاع الحقوق التي كان أعضاء مجلس الأمن السبب الرئيس فى ضياعها.. فلندع الزمان والتاريخ يأخذ دورته إلى أن يأتي يوم تستيقظ فيه الأمة العربية وتدرك أنه لا بديل لوحدتها ولا طريق لمستقبلها وأمنها إلا بإيمانها بالمصير المشترك، وتنفيذ اتفاقيات الدفاع العربي لحماية الأمن القومي العربي من المحيط إلى الخليج.
اليوم أدعو أن تستيقظ عقول القادة ويوحدوا صفوفهم ويتناسوا أضغانهم ويتقوا الله في شعوبهم ويطيعوا الله فيما أمرهم بقوله: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ آل عمران: 103)، ويحذرهم وينصحهم بقوله: (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ ) (الأنفال: 46).
مفاوضات تدور في حلقة مفرغة: يكفينا مفاوضات استمرت خمسين عامًا مثل ما يحدث مع الأشقاء في مصر، مفاوضات للاتفاق على ملء سد النهضة عشر سنوات، والمفاوضات لم تتوقف في حلقة مفرغة والقادة الإثيوبيون يبنون في السد ولم يتوقفوا، لماذا؟ لأنهم مكلفون بمهمة تعطيش مصر وتجويعها وتعطيل نموها لحساب أصحاب كتاب أشعيا الذي قرر الانتقام من مصر بواسطة النيل، والإصحاح رقم ١٩ في سفر أشعيا يوضح المؤامرة منذ ألفي عام.
فانتبهوا أيها المصريون ولا تستمروا في مفاوضات تضييع الوقت، وأنتم تعلمون أهداف القادة في إثيوبيا ومن يقف خلفهم، وخطاب نتنياهو في البرلمان الإثيوبي دليل واضح على تنفيذ مخطط شرير. توقفوا عن الدوران في حلقات مفرغة ستتحول يومًا إلى حلقات مفزعة.
تاريخ يتكرر: لقد استطاع الجيش المصري بقيادة إبراهيم باشا هزيمة العثمانيين بعد سيطرته على ميناء الإسكندرونة ودخل ولاية أضنة وطرطوس في يونيه سنة ١٨٣٢م، وشجع ذلك الانتصار إبراهيم باشا فدخل بلاد الأناضول حتى وصل إلى مدينة (قونية)، ودارت معركة بينه وبين العثمانيين في قونية وانتصر عليهم في ٢٠/ ديسمبر/ ١٨٣٢م، وأسر قائد الجيش العثماني الصدر الأعظم محمد رشيد باشا، وانفتح الطريق أمامه للأستانة، وخشي العثمانيون سقوط العاصمة فاستنجدوا بالدول الأوروبية، وأرسلت روسيا أسطولًا بحريًا للدفاع عن الأستانة، وتدخلت فرنسا مع محمد علي باشا للوساطة، وتم الوصول إلى (كوتاهية) في ٤/ مايو/ سنة ١٨٣٣م، تنازل الباب العالي بموجبها عن كامل بلاد الشام، وأقر لمحمد علي باشا بولاية مصر ووقفت الدول الأوروبية لمصلحة تركيا.
وما نراه اليوم تاريخ يتكرر؛ حينما يرى العالم اعتداءات أردوجان بتدمير سوريا وقتل شعبها وتشريده ونشر الخراب والدمار فيها بواسطة فرق الإرهاب من داعش والنصرة وغيرهم من المرتزقة.
ويؤسفني كثيرا، ألا يتخذ العالم الغربي موقفًا أخلاقيًا يمنع الثور الهائج من استباحة سوريا وتشريد الملايين من شعبها ثم ينظر العالم كيف يقوم بغزو ليبيا، وينقل أكثر من خمسة عشر ألف مرتزق وإرهابي إلى طرابلس ليحتل فيها آبار النفط ونهب ثرواتها، ويرسل الأسلحة التدميرية والطائرات متتالية تحط في قاعدة الوطية دون أن تتحرك أوروبا لتوقف جنون الأتراك برغم تهديده بإرسال عشرات الآلاف من الإرهابيين للدول الأوروبية دون أن يجد ردًا حاسمًا لابتزاز اوروبا.. والاتحاد الأوروبي وأمريكا صامتون وكأنهم يعطونه الضوء الأخضر لاستباحة دولة العربية وهؤلاء العرب لا يستحقون ثروات أوطانهم.
الخطر الذي تواجهه الأمة العربية: هل تآمر الغرب وأمريكا على العالم العربي؟! ألا يكتشف العاقل هذا السيناريو الشرير؟ إن الأمة العربية تواجه خطر الوجود ، كيف تسمح بعض الدول العربية الغنية باستقبال الأتراك في أوطانها وإقامة قواعد على أراضيها، كيف للخروف أن يرحب بالذئب وهو يومًا ما سيأكله؟
وهل بلغ بالعرب الذل والمهانة وفقدان البصر والبصيرة مما يخطط لهم على أرض الواقع بالصورة والصوت والعمليات الإجرامية على الأرض العربية؟! ألم يحِن الوقت إزاء خطر الوجود أن يلتقي بعض القادة العرب في اجتماع طارئ بعيدًا عن الجامعة العربية، يناقشون فيه مستقبلهم وكيفية إعادة شقيقهم المتمرد إلى حض أمته العربية، لتوحيد الصفوف وإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
الخطر قريب جدًا والضحية تسن لها السكين ويتم تجهيز المذبح والمسلخ لها: هبّوا أيها القادة وسارعوا لتحافظوا على أوطانكم التي بدأت تسقط الواحد تلو الآخر فلن تبكي علينا السماء بعد ذلك؟، وسيعود الغريب يستعمرنا وينهب ثرواتنا والشيطان الصغير الجاثم في القدس بكل خبراته الشريرة وقدراته في السيطرة على مكامن القرار في أمريكا وأوروبا لن يترك العرب إلا وهم دويلات ممزقة وعبيد مرتزقة يأتمرون بأمر الأحبار، ويتم مطاردة الأحرار وتستباح ثرواتنا لصالح الأغيار، وبعدها يضيع مستقبل أمة كادت أن تتصدر دعوة الخير والسلام للعالم أجمع.