عام مضى وانقضى بآلامه ومآسيه وفيروساته، وعام يقدم على الناس لا نعلم ماذا يخفيه من أحوال وأهوال، وهل سيتخذ الناس تحذير الله لهم بالعودة إليه، ليعم السلام على الأرض وتتنزل الرحمة على الناس والبركات، كما حذر الله بقوله سبحانه: “وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ”.. (السجدة:21).
وهل سيرجع الكثير من المسلمين عن قساوة القلوب، ويتخلى من منهم يحرض على قتل الأبرياء، وهل سيتبعون شرعة الله ومنهاجه في حياتهم؛ لينشروا الرحمة والعدل بينهم، ويتعاملون بالإحسان ويحرّمون بينهم العدوان على الإنسان، ويتعاونون على البر والتقوى، ويعتصمون بحبل الله، لنشر السلام بين الناس ويتحدون في مواجهة قوى الشيطان وأتباعه، مما يخططون ضد الشعوب للاستيلاء على الأوطان وتشريد الإنسان وسفك الدماء في كل مكان؟.
وهل يتحقق في العام الجديد الاطمئنان للناس دون خوف وفزع وبغي وطغيان؟، هل سيرجع الناس للقرآن سر السعادة والأمن والاستقرار، يبين للناس طريق الحق وطريق الضلال، ويحذر الناس من الظلم والعدوان على الناس في كل مكان، ليعيشوا في رغد وخير وأمان، هل سينتصر الحق على الباطل؟!
وهل يستطيع المسلم أن يخرج بآيات القرآن من ظلمات الروايات والتحريف لدين الله إلى النور؟ ليكشف الفئران التي ظلت على مدى عدة قرون تزيف للناس وتحرف مقاصد الخير للإنسان، وتسعى لكي يهجر الإنسان القرآن، ليستطيع أتباع الشيطان التحكم في عقله والسيطرة على عواطفه ومشاعره، لكي يسوقوا الإنسان إلى الشقاء في الحياة الدنيا، ونشر الفتن بين الأشقاء ليسفكوا دماءهم قرابين تقربا في سبيل دعاة الكراهية وعبادة الشيطان، الذي أقسم أمام الله لحظة خلق آدم في ما جاء في القرآن عن قوله: “قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ 16 ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ ۖ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ”.. (الأعراف: 16-17).
ثم يحذر الله الناس بقوله سبحانه: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ”.. (البقرة: 208).
وقال الله سبحانه يحذر الناس من خداع الشيطان لهم في أعمالهم: “تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ”.. (النحل: 63).
ويوم القيامة يتخلى عن الذين اتبعوا الشيطان وسوّل لهم أعمال الشر والقتل والفتنة، والتعالي على الناس وما اقترفوه من بغي ومظالم، وقتل للأبرياء والطغيان ضد الأبرياء، يقف الشيطان على باب جهنم يقول لهم مستهزئًا: “وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم ۖ مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ ۖ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ۗ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ “.. (إبراهيم:22).
فكيف للإنسان بعد تلك الحقائق الغيبية يسردها القرآن على الناس كي يؤمنوا بالله الذي سيهديهم إلى سبل الخير والسعادة والسلام في الحياة الدنيا، ويحصّنهم من حساب يوم القيامة، ليجزيهم أحسن ما عملوا جنات النعيم.
وحين يتكبر الإنسان على أوامر الله وعظاته وتوصياته لصالح الإنسان ويحقق له مكاسب في الحياة والآخرة، ويتبع كتبًا تحرّضه على البغضاء والكراهية وقتل الأبرياء والاعتداء على الناس، واستحلال أموالهم واستباحة حقوقهم، يعيش حياته في عدم استقرار نفسي، يطارده أصحاب الحق والعدالة ثم يكون مآله السجن وفي الآخرة عذاب شديد.
فهل ختم شيوخ الدين على عقولهم وهل استحوذوا على تفكيرهم وهم يقودونهم نحو الخسران ألم يذكرهم ربهم بقوله سبحانه: (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا) (طه:123-124)، فهل من يستمع ومن يتدبر في كتاب الله وهل من يدرك ويميز بين طريق الحق وطريق الباطل؟
أدعو الله هذا اليوم وفي آخر جمعة في عام مضى أن تتنزل على الناس رحمة الله وبركاته، وأن يبين لهم طريق الرشاد لما يحقق السلام على الأرض والتعاون والتسامح لخير الإنسان، ويرفع الله عن الناس غضبه وعقابه، بما أسرفوا في المعاصي ولما ارتكبوا من الجرائم باسم الإسلام، تكبروا على شرعة الله ومنهاجه.
وكل منا يدعو في هذا اليوم بقول الله سبحانه: “رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَآ إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُۥ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِۦ ۖ وَٱعْفُ عَنَّا وَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَآ ۚ أَنتَ مَوْلَىٰنَا فَٱنصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَٰفِرِينَ”.. (البقرة: 286).
الكافرون الذين كذبوا بآيات الله، وتكبروا على قرآنه، وتحدّوا الله بالتمرد على الإيمان بالله الواحد الأحد لا شريك له رب العالمين الذي: “لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ۚ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ”.. (الشورى: 13).