أخبار عاجلة
د.محمد السعيد إدريس

د.محمد السعيد إدريس يكتب… فلسفة «الاختراق» فى الفكر الإسرائيلى

فى ذروة التصعيد الإجرامى الإسرائيلى ضد الشعب الفلسطينى على يد حكومة بنيامين نيتانياهو الجديدة التى تضم أعتى رموز التطرف التوراتى اليمينى، وفى ظل أجواء اقتحام إيتمار بن غفير وزير الأمن القومى والمعروف بآرائه الفاشية المحرضة على قتل الفلسطينيين وضم الضفة الغربية والأماكن المقدسة وعلى رأسها المسجد الأقصى المبارك، وتفاقم أعمال القتل والإعدام للمواطنين العرب الفلسطينيين فى تحد سافر للأمتين العربية والإسلامية، صدمنا الإعلام الإسرائيلى بالكشف عن زيارات قامت بها وفود من عدد من الدول الإسلامية فى آسيا الوسطى، المحيطة بإيران، لكيان الاحتلال الإسرائيلى خلال الأسابيع القليلة الماضية. هذه الدول هى بالتحديد: كازاخستان وأوزبكستان وطاجيكستان وقيرغيزستان وتركمانستان. اختراق إسرائيلى جديد فى عمق العالم الإسلامى، هدفه تطبيع العلاقات مع هذه الدول بمعزل كامل عن القضية الفلسطينية وما تفرضه من التزامات على الدول العربية والإسلامية. بنيامين نيتانياهو، وعلى مدى سنوات حكمه الطويلة للكيان، مدعوماً باليمين التوراتى المتطرف، رفض، بل واستنكر أن الأرض التى احتلت عام 1967 هى أرض محتلة، لأنه، مثل غيره من المتطرفين، يعتبرون عدوان يونيو 1967 «حرباً من أجل الاستقلال»، وأن الجيش الإسرائيلى «حرر فى هذه الحرب أرضه المحتلة». على هذا النحو، حدد بنيامين نيتانياهو هدفه السياسى الأبرز وهو عدم ربط تطبيع العلاقات مع الدول العربية بحدوث تطورات أو تنازلات إسرائيلية للشعب الفلسطينى، لكنه اعتمد فى ذلك على دعامتين: الأولى هى «خلق عدو مشترك بين الدول العربية وإسرائيل». وتم اختيار إيران لتكون هى ذلك العدو، ضمن مسمى «محاربة الإرهاب». أما القاعدة الثانية فهى تخليق مصالح مشتركة، وطرح إسرائيل باعتبارها «دولة نافعة» سواء من منظور «حماية أمن الدول العربية» أو تقديم الدعم والمساعدات العسكرية والتكنولوجية المتطورة التى لا تستطيع الدول العربية الحصول عليها من دول أخرى. وزير الدفاع الإسرائيلى الأسبق موشيه أرينز قدم «صياغة إستراتيجية» لفلسفة الاختراق الإسرائيلى للدول العربية مفادها أن نجاح هذا الاختراق يتوقف على مدى نجاح إسرائيل فى «تخليق مصالح مشتركة مع الدول العربية تتجاوز التزاماتها بالقضية الفلسطينية» هذه الفلسفة ارتكزت على مجموعة من الفرضيات المهمة: أولى هذه الفرضيات، وعلى نحو ما كتبه موشيه أرينز نفسه، أن «العداء العربى لإسرائيل كان عاملاً موحداً للعرب. فقد تغلب العرب، كما تغلب العالم الإسلامى أيضاً، على الخلافات البينية بينهم، بسبب التوحد حول القضية الفلسطينية». ثانيتها، أن بروز تهديدات جديدة لا تستهدف فقط العلاقة بين الدول العربية، بل تستهدف أيضاً وحدة وتماسك الدول العربية بين مكوناتها الداخلية العرقية والدينية والمناطقية أدى إلى «تداعى أولوية ومركزية القضية الفلسطينية فى النظام العربى، ومع هذا التداعى بدأ انفراط النظام العربى نفسه». ثالثتها، أن ظهور أخطار وتهديدات بين قوى إقليمية (إيران بالنسبة للبعض من العرب خاصة فى الخليج، وتركيا بالنسبة للبعض الآخر، ناهيك عن تصاعد الخطر الاثيوبى المائى بالنسبة لمصر والسودان) أدى إلى مزيد من تراجع أولوية ومكانة القضية الفلسطينية، والأهم هو تراجع الخطر الذى تمثله إسرائيل وتراجع مركزيته. وهذه الفرضيات تحولت إلى وقائع، بل وحقائق مع الدفع الأمريكى بدعم الاستقطاب الإقليمى وتأسيس منظومات تحالفية عربية – إسرائيلية بمشاركة أمريكية يكون هدفها هو احتواء إيران، وربما إسقاط النظام الإيرانى نفسه وفقاً لتصريحات الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب ووزير خارجيته. منذ أيام قليلة وقف بنيامين نيتانياهو، بعد تشكيل حكومته الجديدة، متباهياً، وأخذ يتحدث بـ «افتخار» عن نجاحاته فى اختراق دول عربية، وتأسيس علاقات تجاوزت التطبيع التقليدى، وقال «الجميع يقولون إنه لا يمكن الوصول إلى العالم العربى، ما لم تحل القضية الفلسطينية أولاً، ولكننا فعلنا ذلك (وصلنا للعالم العربى دون حل القضية الفلسطينية)، وأبرمنا اتفاقيات سلام تاريخية مع جيراننا العرب». وزاد نيتانياهو أنه على يقين بأن «مسيرة التطبيع مع الدول العربية ستتواصل بانضمام دول عربية مهمة». هكذا حدث ويحدث الاختراق الإسرائيلى، بنفس القدر الذى يحدث به «الانفراط والتوحد العربى» ويحدث به «التراجع عن التزامات دعم القضية الفلسطينية» وما حدث مع الدول العربية يحدث الآن مع الدول الإسلامية فى وسط آسيا المجاورة لإيران، ضمن الاستراتيجية الإسرائيلية لمحاصرة إيران وجعل إسرائيل «دولة جوار إقليمى» لإيران. خاصة شمالها مع الدول الإسلامية الآسيوية. فقد كشفت مصادر إسرائيلية، خاصة موقع (YNET) الإخبارى العبرى أن وفود الدول الإسلامية الآسيوية التى زارت إسرائيل مؤخراً «جاءوا كى يتعلموا منها عن محاربة الإرهاب ومحاربة غسل الأموال والجريمة والتهريب» وهذه قضايا مركزية بالنسبة لهذه الدول. ولفت يوفال فوكس رئيس قسم أوراسيا بالخارجية الإسرائيلية إلى أن «شعور هذه الدول الإسلامية بالتهديد الأمنى ينبع كثيراً من أفغانستان بعد الانسحاب الأمريكى، ويتعلق بالمخدرات والأصولية الإسلامية، وهذا بدوره يخلق نوعاً من المصالح المشتركة مع إسرائيل». تعمد الإسرائيليون إبهار الوفود الآسيوية الإسلامية الزائرة بتخصيص زيارات لمواقع مهمة داخل الكيان كى يكتمل المخطط الاختراقى بأن إسرائيل فى مقدورها أن تكون حليفاً يمكن الاعتماد عليه فى مواجهة التهديدات، هكذا يأملون فى اختراق دول إسلامية آسيوية بتخليق «مصالح مشتركة» وطرح إسرائيل كحليف يمكن الثقة به والاعتماد عليه لمواجهة التهديدات. وللأسف لم يتم تحرك عربى لردع إسرائيل وحماية الشعب الفلسطينى وحقوقه المشروعة، حتى لو كان الخطر قد وصل إلى التهديد بتدمير الأقصى أو على الأقل اقتسامه مكانياً بين اليهود والفلسطينيين، أو التوسع فى الاستيطان ليشمل كل مناطق الضفة الغربية ووضع الشعب الفلسطينى أمام أحد خيارين إما الرحيل القسرى أو القبول الاضطرارى بالعيش المذل فى دولة تحمل اسم «الدولة اليهودية».

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *