في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي نعيشها متأثرة بحالة عالمية بالغة الصعوبة، وفي ظل ما يحاك لنا من مكائد ومؤامرات تتعدد في مصادرها من الخارج والداخل، وفي أشكالها سياسية كانت أو اقتصادية، بل وأخلاقية أيضا باستهدافها طاقة الشباب فيما لا يعود بنفع للمجتمع بإضعاف انتمائه والسعى الدؤوب إلى إشعال تذمره وحنقه- ولا أميل إلى استبعاد ذلك- وعلينا أن نتذكر من هو عدونا الرئيسي، ومن يساعده، ومن يكيد لنا حقدا وكراهية، ومن يطمع في أن يتبوأ مكان مصر ويسلبها دورها في المنطقة، لذلك نكون في أمسِّ الحاجة إلى قوة رادعة مانعة متعددة الآليات والأدوات يصنعها الالتحام الصلب بين شرائح مجتمعنا المصري الذي لا تَكسِره الأزمات، ولا تَثنيه الإخفاقات مهما بلغت شدتها وقسوتها.
فعلى أرض مصر يحيا شعب لا مثيل له في سماته بين شعوب الأرض، فهو إلى جانب أنه الأقدم وجودا، والأعرق حضارة هو شعب على الشدائد صبور، ومع التحديات عنيد، يُقدِّرُ المواقف جيدا، فيؤازر مَن يتولى أمره، يتمسك بمبادئه، يعتز بعروبته، يفخر بهويته ووحدته الوطنية ولا ينجرف لفتن دينية تفرقه، يمنح الغير إذا تجاوز في القول فرصة ثانية وربما ثالثة، يسامحُ في التطاول والتلاسن إذا تراجع المتطاوِل واعتذر، يغفر على مر العصور زّلات أولي الأمر غير المشبوهة ولا مشوبَةٍ بخيانَةٍ أو تقصير مهما كلفه ذلك من معاناةِ نفسٍ وضيقِ حال، يثق في حكمةِ حكامه الذين يختارهم بإرادته ويمنحهم تفويضا في قراراتهم حتى وإن بَدت في بعضها غير معلنة التفاصيل، أو غير متسقة مع ميل بعض فئاته، أو قاسية بعض الشيء لعبور مراحل صعبة (قديماً وحديثاً)، شعب تغلبُهُ عاطفته الوطنية، وعشقه لتراب بلده حد التضحية والفداء بالدم فيتحسب لأي محاولات خارجية أو داخلية بقصد أو عن جهل لإحداث فوضى تجره إلى الوراء، أو تعيده لنقطة الصفر، ويحسب بدقة قدر خسارته من أثر الرجوع مقارنة بفقد بعض مكاسب الحاضر والمكاسب المأمولة مستقبلا.
هذا الشعب المصري العظيم بصلابته وحكمته وإيمانه بالله ثم بوطنه، وبالتفافه حول قياداته الشريفة لقناعته بصدق وطنيتها ونبل مقاصدها يتحدى ويعبر كل أزمة، ويجتاز كل صعب إذا ما شعر بأنه بكل طوائفه في خندق واحد، لا تمييز بين فئاته، ولا تفرقة طبقية بغيضة فيزداد تلاحمه ويقوى تماسكه.. لا يكُف عن الدعاء إذا استحكم البلاء، ناظرا إلى السماء سائلا الله برجاء:
اللهم اهدِ حاكِمنا الرشد ونَوّر بصيرتَه، ونَجِّهِ من تضليل وشر حاقد بعيد، أو زلات جاهل قريب في ثوب نصح ومشورة، ومن شر متزلفٍ أو منافق يٌزيّف الواقع ويجمّله لينقله على غير صورته لنيل ثقته ورضاه أو حيازة منصب وجاه، واجعله يا رب وسيلة لنزول رحمتك بنا وحقق على يديه عدلك في أرزاقنا، ولا تجعل في عهده طول المسافة بين ثراء فاحش وفقر مدقع، واحفظ اللهم مصر أرضا بخيراتها ومواردها سخية، ودولة بجيشها وشرطتها قوية وبشعبها الأصيل أبية..