الأغنياء والفقراء شريحتان موجودتان منذ القدم، كان سيدنا “عثمان بن عفان” من أغنياء العرب يُجهِّز جيشا كاملا للمسلمين إذا خاضوا حربا. سيدنا “أبوبكر الصَدِّيق” كان غنيا يعتِقُ الرِّقاب في سبيل الله، وغيرهما رضي الله عنهما، ولم يَنظُرْ إليهم أحد بعينٍ حاقدة أو حاسدة فثرواتهم جمعوها من تجارة يعلمها الجميع وكانت تحكم معاملاتهم قواعد وثوابت تعلموها في مدرسة النبوُّة على يد الصادق الأمين في البيع والشراء: “ولا تبخسوا الناس أشياءهم”، و”ويْلٌ للمطففين”، “مَن غشنا فليس منَّا”.. فلم تختلط أموالهم بحرام، وكما تنافسوا في العبادة تنافسوا أيضا في الإنفاق في سبيل الله عملا بقوله تعالى:
“مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ”(البقرة: ٢٤٥).
وبقوله تعالى:
” مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ” ( البقرة ٢٦١ ).
لم يحصل أحدهم على آلاف الأفدنة من أرض الدولة بثمن زهيد ليبيعها بالملايين، لم يحتكر أحدهم سلعة ليبيعها عند نقصها في السوق بضعف الثمن، لم يَبِع أحدهم سلعة فاسدة، أو لحمَ الحمير والكلاب للناس. لم يكن هناك مَن يغُش بضاعته أو يُنقِص في الميزان بغَرض التربّح بالباطل.
وفي صحيح مسلم:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَن غَشّ فليس منَّي”.
لم يكن مجتمعا يأخذ فيه محدود الموهبة مكان النابغ الموهوب زورًا ومجاملة.
لذلك لم تكن هناك أحقاد طبقية، ولا عيون تنتظر بعد كل كارثة أو أزمة مَن يمد لهم يده بما يحفظ عليهم حياتهم من غذاء أو كساء. فالشعوب أبناء مجتمعاتهم وهم أيضا حُماتُها وعليهم واجبات مقابل ما لهم من حقوق، ومن ثم فليس من بديل لتماسك المجتمع غير عدالة اجتماعية وتكافل الجميع وقت المِحَن والشدائد..
فيا كبار رجال الأعمال، يا أصحاب المليارات، يا من شَرِبْتُم من نيل مصر وأكلتم من خيرها وتعلمتم في مدارسها:
العالم كله في أزمة اقتصادية قاسية ولمصر من الأزمة نصيب كبير فَرُدوا إليها بعضَ جميلها من أموالكم التي هي في الأساس من ثرواتها ومن قوت فقرائها.. وإن لم يكنِ اليوم فمتى؟
تذكروا قول “ناجي” الشاعر الطبيب:
أجَلْ إن ذا يومٌ لمن يفتدي مصرَا.. فمصرُ هي المحراب والجنة الكبرى
حَلَفْنا نُولي وجهَنا شطر حبِها. ونبذلُ فيه الصبر والجهد والعمرَا
سلامًا شبابَ النيلِ في كل موقفٍ. على الدهر يجني المجد أو يَجلبُ الفخرَا
ويا حكومة، أرغميهم على التبرع أو زيدي الضرائب التصاعدية عليهم، فبعض الدول تلجأ للتأميم في مثل هذه الظروف القاسية.
كفاية طبطبة
ومن يُزايدُ بذكرِ تبرعات و(موائد الرحمن في شهر رمضان) من فئات مختلفة وهم قِلَّة وبعضهم يُثَارُ جدلٌ حول مصادر أموالهم (ليس من اللائق الحديث عنها)، غير أني أوقِنُ أن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، والعمل الطيب هو ما طاب مصدره وخلصت نية بذلهِ، فإن كان تَبرعا أو صدقة فقبوله أو عدم قبوله مسألة لا يعلمها إلا الله.
يا سيادة الرئيس: يقول المولى عز وجل لرسوله الكريم:
“خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا”.. .. ( التوبة:103)
خذ من أصحاب المليارات ما تحتاجه المشروعات القومية وما يلزم لرفع رواتب المطحونين من الموظفين وأصحاب المعاشات الضئيلة والعَجَزة.
ولو أردت تفويضا من الشعب بهذا القرار لفوَّضَك أكثر من 80%.
فتوكل على الله.