لدي اقتناع أن ( الصورة بألف مقال) ولهذا تأتي أهمية التوثيق المرئي للاحداث في إعادة صياغة دقيقة لثقافة المجتمع على أسس معرفية ومعلوماتية موضوعية سليمة. وأتذكر عندما كنت طفلا صغيراً في المرحلة الابتدائية في أوائل الستينيات من القرن الماضي درسنا في التاريخ الحروب الصليبية وتصادف انتاج فيلم الناصر صلاح الدين للمخرج المبدع الراحل يوسف شاهين وهو عمل وثائقي اكثر منه درامي من وجهة نظري وقامت المدرسة بتنظيم رحلة لمشاهدة الفيلم في احدى دور العرض بتذكرة ثمنها ( قرشان صاغ )!
وبعد مشاهدة الفيلم آنذاك على المستوى الشخصي انطبعت فترة الحملات الصليبية في الذاكرة بكل تفاصيلها حتى يومنا هذا !
إذن استطاعت الصورة ان تتخلل الاطار المرجعي وترسخ في الاذهان بشكل اكبر من الاسلوب السردي للكتاب المدرسي !
أقول هذا لكي اقدم اقتراحا لوزارتي التربيةوالتعليم والتعليم العالي بعمل بروتوكول مع الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية لعرض ما تقدمه قناة الوثائقية المصرية التابعة لها من أعمال متسقة مع مقررات التاريخ والجغرافيا والتاريخ الطبيعي والعلوم الطبيعية في المدارس!
أما الجامعات فاقترح تخصيص قاعات بحثية لمناقشة الافلام الوثائقية في كليات الإعلام والاداب والاقتصاد والعلوم السياسية.
ليس هذا فقط بل أطمح إلى أن يصبح التوثيق المرئي والانتاج الوثائقي إن لم يكن موجودا جزءً من قسم المكتبات بكلية الاداب وتخصص الاذاعة والتليفزيون بكليةالإعلام ومعهد السينما!
وياليت طلاب الدراسات العليا يهتمون بهذا الفرع من المعرفة عند اختيار موضوعات لاطروحاتهم العلمية من رسائل الماجستير والدكتوراه سواء من الناحية التقنية أو المحتوى !
إن بناء الوعي الجمعي لم يعد يتم من خلال القراءة فقط كما كان في السابق لكن مع التطور وثورة وسائط الاتصال أصبحت المشاهدة المتعمقة والمحللة لها الاولوية في عملية البناء هذه!
ولجأت مواقع الإعلام الإجتماعي
Social media
الى اعتبار الفيديو مكملا للمعلومة المكتوبة وانطلقت مواقع متخصصة في الفيديوهات القصيرة مثل تطبيق tik tok الصيني الذي انطلق عام 2016 وخلال 6 سنوات بلغ عدد مستخدمي تيك توك حوالي 1.2 مليار مستخدم نشط شهرياً وذلك وفقاً لإحصائيات صادرة حتى منتصف العام الماضي ما يجعل التطبيق أحد أكثر التطبيقات الإجتماعية نمواً في التاريخ لكنها فيديوهات لم ترتق بعد الى التوثيق المرئي !
ولهذا مازالت القنوات الوثائقية الأكثر جذبا للمشاهد التقليدي من خلال التليفزيون غير أن نسبة مشاهدتها ترتفع عبر منصات الإنترنت مثل
Facebook & you tube & Instagram
الأمر الذي جعلنا نصل الى وجود علاقة بين بناء الوعي الجمعي والصورة التي توثق للاحداث التاريخية خاصة في الفترات والنقاط الزمنية !
وهذا يجعلنا ايضا نتناول جانبا مهما في قضية التوثيق وهو تصنيف classification المواد المرئية التي تتناول موضوعات في كل مجالات الحياة انتقالا من السرد التاريخي للحدث الى عرض تراجم الشخصيات biography والأعلام في العلوم والسياسة والحرب والاقتصاد والفكر الديني والادب والفنون والرياضة وتعرض ضمن سلاسل منوعة الى الظواهر الطبيعية والجغرافية !
ونحذر من الموضوعات التي تتناول احداثا أو اشخاصا مازالوا مستمرين في المشهد حتى الوقت الحالي حيث يصطدم منتجها بحاجز البعد عن الموضوعية لأن جوانب الصورة لم تكتمل بعد ومن المفترض أن العرض الوثائقي يقدم الصورة الكاملة !
كما يقع المنتج في مستنقع الدعاية ويسأل سائل ماذا عن الموضوعات السياحية والأثرية أليس هذا نوعا من الترويج الدعائي ؟
إن الفيلم الوثائقي لا يتناول إسما تجاريا أو مشروعا خاصا لكنه يتناول موضوعا عاما محددا فهناك فرق بين تناول سياحة الاثار في الاقصر مثلا وبين تناول سلسلة فنادق انشئت بجوار المناطق الأثرية هناك وهناك فرق بين السياحة الشاطئية وقرية سياحية يملكها مثلا احد رجال الاعمال !
ويجب ان يجيب منتج اي عمل وثائقي على عدد من الاسئلة :
▪️هل يضيف العمل معلومات جديدة للمتلقي؟
▪️هل يناقش العمل موضوعا ما في اطار الصالح العام ؟
▪️هل يروج العمل لشخص بعينه مازال حيا يرزق ؟
▪️هل يسوق العمل لمشروع خاص يدر ربحا ؟
اعتقد أن اجابات هذه الاسئلة سواء بنعم أو لا ستحدد مدى اقتراب أو إبتعاد العمل عن الموضوعية وفي التحليل الأخير كلما كان العمل موضوعيا كلما كان أقرب للصدقية والموضوعية وهي امور تساهم في بناء الوعي الجمعي !