منذ أيامٍ قلائل خَلَت كانت مصرُ على موعدٍ مع احتفالين عظيمين ، أولهما عيد تحرير سيناء في ٢٥ أبريل و الثاني عيد العمال في أول مايو ، ولأهمية الحَدَث وشمول فَرحَته كل المصريين سنتناول إحتفال تحرير سيناء .
نعلمْ أن عَقِب نكسة ٥ يونيو ١٩٦٧ رفضت مصر شعباً وجيشاً الهزيمة والتفت الجماهير حول الزعيم “جمال عبدالناصر ” معلنةً تأييدها الكامل له في مواصلة القتال ضد العدو . وفي أجتماع الدول العربية الذي انعقد في ” الخرطوم ” في أغسطس من نفس العام أعلن خلاله ما عُرِف باللاآت الثلاث وهي ( لا صُلحَ مع العدو . لا اعتراف باسرائ يل . ولا تفاوضَ معها )
وحيث أننا كُنَّا بِصَدَد الحديث في المقال السابق عن السودان وانفصاله عن مصر كمقدمةٍ لتناول انقلاباته بِدءاً من استقلاله ١٩٥٦حتى ما يجري به الآن يَجدُرُ بالذِّكر قيام ” إيلي كوهين ” وزير خارجية إسراء يل في فبراير الماضي بزيارة للخرطوم وبعد اجتماعه بالفريق “عبدالفتاح البرهان ” صرح ” كوهين ” بأن السودان وافق على التطبيع مع إسراءيل وفي طريقه لإتمام إتفاقية ( ابراهام ) . وقال ساخراً وشامتاً : اليوم صُلحٌ . واعترافٌ وتفاوض . مشيراً الى ما قاله عبدالناصر في اجتماع الخرطوم ١٩٦٧.
وفى حديثٍ له إلى أساتذة وطلبة الجامعات المصرية عَقِب مظاهرات الطلبة في نوفمبر 1968 يقول الرئيس جمال عبد الناصر : ” أنا بدى أقول لكم حاجة الرئيس تيتو بعت لى رسالة جت له من ليفى أشكول رئيس وزراء إسرائيل بيطلب فيها أنه يقابلني في أي مكان في العالم لنتحدث ولكى نصل إلى حل وبيقول أنه مش هيتعامل معى معاملة منتصر مع مهزوم، وإن إسرائيل مستعدة ترد لنا سيناء من غير شروط مُذِلَّة إلا شرط واحد بس أن مصر تبقى دولة محايدة يعني لا قومية عربية ولا عروبة ولا وحدة عربية نبقى في حالنا ومالناش دعوة بإسرائيل ولا نحاربها، إسرائيل قتلت الفلسطينيين إحنا مالنا، إسرائيل ضربت سوريا إحنا محايدين، ضربت الأردن.. لبنان، مصر مالهاش دعوة وما تتكلمش ..
“يعنى خُدوا سيناء وطَلَّقوا العروبة والقومية والوحدة ونبيع نفسنا للشيطان، أنا طبعاً قولت للرئيس تيتو الكلام ده مرفوض ، القدس والضفة والجولان وسيناء يرجعوا مع بعض، إحنا مسئولين عن كل الأراضي العربية، إحنا مسئولين عن حل مأساة شعبنا العربي في فلسطين، مش هنقبل شروط، ومش هنخرج من عروبتنا، ومش هنساوم على أرض ودم العرب، لن تقبل مصر بحل جزئي أبدا، معركتنا واحدة وعدونا واحد وهدفنا واحد تحرير أرضنا كلها بالقوة و لن نقبل مشاريع منفصلة للسلام، حبيت أنقل لكم الموضوع ده علشان تعرفوا أن المشكلة مش سيناء بس، الأميركان واليهود ضربونا في 67 علشان يساومونا بيها على عروبتنا وعلى شرفنا وعلى قوميتنا ” .. ( انتهت كلمة عبدالناصر ) .
وتحضُرُني في تلك المناسبة خاطرةٌ شِعريِّة كتبتُها في ٢٩ اكتوبر ٧٣ كمقاتلٍ ضمن قوات القطاع الأوسط للقناة في جبهة القتال .
خَواطرٌ من الميدان .. !!
في العاشرِ من رمضان
كانت ثورةُ بركان
وجَلْجَل للظهرِ أذان
الله أكبر . حان الوقتُ حان
وأقامو صلاة الميدان
وهَبَّّ للعبورِ رجالٌ . فكان
حملوا الأرواح فِدا وقُربان
يُهْدى لمصرَ . شكرٌ وعِرفان
رفعوا اسم الله نشيداً
ونداءً صَمَّ الآذان
فلتصعد نسورُ الجوِ . الآن
ولتنطلق أسودُ البَّرِ .. بأمان
ولتَهدُرُ في البحر وحوش
كالطوفان
واندلعت مع نورِ الظُهْر .. نيران
ودَوّى في الفضاء .
صوتُ الجان
جُمُوعٌ تُزَمْجِرُ .. وتُكبِّر
وتزحفُ كالغيلان
صُبُّوا الغضبَ جحيماً . ألوان
أكيلوا بكأسِ الموتِ
لكلِّ جبَان
كونوا حِمماً تُلْقى . بميزان
كونوا ناراً تتأجَج .بلا دُخان
دُكُّوا قِلاعَ الظلمِ . في كل مكان
أعيدوا الطُهْر لأرضٍ
عارٌ لو تُهان
هاتوا النصرَ لمصرَ ياشجعان
هذا يومكم هَيّا يافتيان ..
فأعادوا سينا الغالية
بلا نُقصان
وعَمَّ النورُ منازِلها . والعُمران
وآن لوطنٍ منتصر
أن يَفخَر نَشوان
تمسحُ كَفَّيهِ دموعاً
أسماها دموعُ ” حزيران “.