ما حدث في كييف الثلاثاء من مواجهة بين صواريخ باتريوت الأمريكية وكينجال الروسي، جعل الطرفين يبالغان في تقاريرهما عن الواقعة.
ففي حين ادّعى الجانب الأوكراني أنه أسقط ستة صواريخ كينجال، قالت روسيا أنها دمرت منظومة صواريخ باتريوت الأمريكية بصاروخ كينجال الفرط صوتي، ثم اعترفت أمريكا بأن النظام تعرض لأضرار يجري تقييمها، لمعرفة امكانية اصلاحها في كييف أم اذا كانت بحاجة إلى سحبه إلى مكان آخر لإجراء الإصلاحات اللازمة.
إن منظومة باتريوت رغم شهرتها، لكنها نظام قديم تم تصميمه عام 1969 ودخل الخدمة عام 1976 وصنع منه حوالي 172 منظومة، تم بيعها إلى عدة دول أوروبية، والى تايوان وكوريا الجنوبية واسرائيل، ودول عربية كمصر والسعودية والكويت والإمارات العربية، ويبلغ ثمنها حوالي مليار دولار، وثمن الصاروخ الواحد حوالي 4 ملايين دولار. وهذا العام تم تزويد أوكرانيا بمنظومتي باتريوت، واحدة من الولايات المتحدة الأمريكية، والثانية من المانيا وهولندا.
تشمل المنظومة محطة رادار نشط، ومنصات إطلاق على عربات، يُركّب في كل واحدة أربعة صواريخ، وتحتوي المنظومة عادة على 16 صاروخاً جاهزاً للإطلاق، (يمكن إضافة منصة ثانية ليصبح العدد 32 صاروخاً) ، وتستطيع المنظومة كشف الأهداف من مسافة مئة كلم، وتزّود بعدة أنواع من الصواريخ،أحدثها صاروخ نوع MIM 104D/E PAC-3 لاعتراض الصواريخ البالستية، ويصل مداه إلى 100 كلم.
ثغرات منظومة باتريوت
فشلت باتريوت في اعتراض ضربة صاروخية عراقية من 40 صاروخاً خلال حرب “عاصفة الصحراء”، وفي 25 شباط 1991 أصاب صاروخ سكود عراقي قاعدة الظهران الأمريكية، وأدى إلى مقتل 28 عسكرياً.
رغم أن المنظومة قادرة على تتبع مسار 100 صاروخ، لكنها لا تستطيع التحكم سوى ب 9 صواريخ فقط في نفس الوقت، لاعتراض الأهداف المعادية، وهذه هي الثغرة التي استغلتها روسيا في استهداف منظومة باتريوت في أوكرانيا.
المسألة الثانية المهمة جداً هي أن منظومة باتريوت تعتمد مبدأ تتبع الهدف، أي( اللحاق به) وهذا ينجح ضد الطائرات، كون سرعة الصاروخ تفوق سرعة الطائرة، لكن في مواجهة الصواريخ البالستية يُعتمد مبدأ التصادم على المسار، وهذا يفشل في مواجهة الصواريخ القادرة على تبديل مسارها بسرعة عالية.
الثغرة الثالثة هي أن منظومة باتريوت ثقيلة، وتحتاج إلى وقت طويل لتبديل مكان تمركزها، وهذا يجعلها عرضة للإصابة والتدمير خاصة بواسطة الصواريخ الفرط صوتية.
الثغرة الرابعة هي ارتفاع تكلفة صاروخ باتريوت، مما يجعله غير مناسب لاعتراض أهداف صغيرة رخيصة الثمن، خاصة الطيارات المسيّرة التي يكون ثمنها أقل بكثير من ثمن الصاروخ.
كينجال وباتريوت
تبلغ سرعة الصاروخ الروسي الذي دخل الخدمة عام 2018 “كينجال” 10 أضعاف سرعة الصوت (10 ماخ) ، وهو قادر على المناورة وتغيير مساره، وهذا يجعله قادراً على تفادي الصواريخ المضادة له، مثل باتريوت الذي يعجز عن اللحاق به بسبب سرعته الفائقة، حيث لا تتجاوز سرعة صاروخ باتريوت 3 إلى 4 ماخ.
ماذا حدث في كييف
اطلق الجيش الروسي مسيرات ورشقة من الصواريخ على العاصمة كييف من ثلاث جهات دفعة واحدة ،(من الجنوب والشرق والشمال) فتم تفعيل نظام باتريوت ،وأُطلق دفعة واحدة رشقة مضادة من 32 صاروخاً لاعتراض الأهداف، ورغم أن باتريوت مزوّد بذراع هيدروليكية، لوضع صاروخ فوراً مكان الصاروخ الذي تم إطلاقه، لكن هذا الأمر يُحدث تباطؤاً في عملية التصدي للأهداف، مما سمح للروس بتحديد مكان المنظومة واستهدافها بصاروخ كينجال الفرط صوتي.
بالرغم من تأكيد نبأ إصابة منظومة باتريوت من قبل المصادر الامريكية، لكن لا يمكن الآن تحديد حجم الضرر الحقيقي الذي أصابها، في ظل تضارب تصريحات الطرفين، ومنع وسائل الإعلام من الوصول إلى المكان.
لكن الضربات الروسية فجر اليوم الخميس، والتي أصابت أهدافاً قرب العاصمة كييف، تؤكد خروج منظومة باتريوت الموجودة في العاصمة الأوكرانية عن العمل.
لكن مهما يكن الأمر، فيبدو أن أمريكا التي أرادت اختبارا باتريوت في مواجهة حقيقية مع كينجال، قد تكون نادمة على المغامرة بسمعة منظومتها الصاروخية، ولكنها لا شك أنها ستستفيد من التجربة وستجري التعديلات اللازمة عليها قريباً.