في المقال السابق رئيس الوزراء السوداني يطلب تأجيل نظر مشكلة الحدود الى مابعد الانتخابات السودانية وكانت قوات سودانية قد تحركت الى منطقة الحدود مما دَعَا السفير المصري بالخرطوم أن يطلب من الحكومة السودانية سَحبْ قواتها إبقاءً على الروابط بين الشعبين .
* وفي ٢٠ / ٢ / ١٩٥٨ حضر وزير خارجية السودان الى القاهرة وكان لابد من حل هذه المسألة خلال ساعات لاجراء الاستفتاء على الوحدة مع سوريا في اليوم التالي ، لكن لم يتم الإتفاق وكادت المشكلة تأخذ طريقاً إلى مجلس الأمن مما يزيد الخلافات بين مصر والسودان ، فأعلنت مصر تأجيل التسوية موضحةً ان الوضع على الحدود ليس تدخلاً مصرياً مسلحاً و أن جيشها نشأ ليكون سنداً للسودان لا غازياً له .
* في ٢ يوليو ١٩٥٨ بعد أربعة اشهر من أزمة الحدود رفعت السودان منسوب المياه أمام خزان (سنار ) فقدمت مصر في ٩ يوليو مذكرة اليها تُبيِّن ما سيُصيب مزروعاتها من أضرارٍ وهذا يعتبرخرقاً لاتفاقية مياه النيل لسنة ١٩٢٩ .
* بعد أربعين يوماً ردَّت السودان بعدم اعترافها بأن تلك الاتفاقية ملزمة لها لأنها أُبرِمَت بين بريطانيا ومصر دون اعتبار لمصالح السودان . وهكذا ألغى ” عبدالله خليل ” اتفاقية مياه النيل من جانبه . رغم خطأ ما استند اليه للإلغاء . ولقد أثار إلغاء الإتفاقية غضباً لدي الشعبين الشقيقين ، لذلك ضغط الشعب السوداني على حكومة “عبدالله خليل ” وطالبت المعارضة بتحسين العلاقات بين البلدين وتهيئة الأوضاع للمفاوضات .
* في ١٧ نوفمبر ١٩٥٨ نجح الفريق ” إبرهيم عبود ” رئيس حزب الأمة ” في انقلابه وأطاح بحكم ” الأزهري ” و ” عبدالله خليل ” . واتخذ ” عبود ” موقفاً وديَّاً مع مصر وأعلن أن الخلافات بين مصر والسودان مفتعلة بأيادٍ أجنبية .كما أعلنت حكومته أن السد العالي لن يضرَّ بالسودان بل سيزيد من حِصَّتهِ من الماء وسينال أصحاب الأرض التي ستغمُرها المياه في ( حلفا ) التعويضات العادلة .
* ١٠ اكتوبر ١٩٥٩ وصل ” محمد طلعت فريد ” وزير الاستعلامات السوداني ووفد من الوزراء السودانيين حاملاً رسالة شخصية من الفريق ” عبود ” الى الرئيس ” عبدالناصر ” الذي استقبلهم ومعه وفد مصري يترأسه ” زكريا محيي الدين ” وأكد لهم ” ناصر ” أنه لن تتحقق لمصر مصلحة على حساب السودان ، وبالفعل سارت المفاوضات بشكلٍ يبشِّرُ بالخير .
* في أول نوفمبر ١٩٥٩ اجتمع وفدي البلدين في منزل الرئيس ” عبدالناصر ” لتسوية الخلاف على تقدير تعويضات ( حلفا ) فاقترح” ناصر ” حلاُ وسطاً بين طلبات الجانبين وتمًّت الموافقة عليه بالإجماع .
في ٨ نوفمبر ١٩٥٩ وُقِّعَت الاتفاقية لتقسيم المياه بين البلدين ، ووقَّعها ” زكريا محي الدين عن مصر و ” محمد طلعت فريد ” عن السودان .
تضمَّنت اتفاق الأمن المائي ويقضي
١ _ بعدم السماح بإقامة مشروعات على حوض النيل إلا بعد الرجوع الى دولتي المصب ( مصر والسودان ) .
٢_ تحتفظ مصر بحقها في مياه النيل ٤٨ مليار متر مكعب سنويا و ٤ مليار للسودان .
٣_ الموافقة على إنشاء السد العالي بمصر وبناء خزان ” الروصيرص ” على النيل الأزرق بالسودان
٤ _توزع الفائدة المائية من السد العالي ( ٢٢ مليار متر مكعب ) فتصبح حصة مصر السنوية ٥٥.٥ مليار متر مكعب وتصبح حصة السودان ١٨.٥ مليار..
وقُدِّرَت التعويضات بمبلغ ١٥ مليون جنيه تُدفع على أربعة أقساط سنوية ابتداء من يناير ١٩٦٠
وتم اتفاق التجارة والدفع و اتفاق لتنظيم الجمارك بين البلدين .
لقِيَت الإتفاقية تأييداً كبيرا في البلدين بهذه النهاية الموفقة .