“سارة” فتاة تبلغ من العمر ٢٦ عامًا، طالبة جامعية على وشك التخرج التي تغيبت عنه كثيرًا بسبب مرض صحي نتج عن عنف أسري.
“سارة” لم يكن لها نصيب في أبسط حقوقها وهو اسمها الذي يعني السرور، فلم تكن أبدًا مسرورة ويعني الأميرة فلم تكن أميرة أيضًا، حتى في منزل العائلة، فمثلها مثل أغلب فتيات مجتمعاتنا الشرقية التي تحيا على أنماط من العنف الأبوي فكان أبيها يرى أن له الحق المطلق في التحكم والسيطرة عليها بكافة السبل والطرق الممكنة، فكان يتبنى وجهة النظر للمثل الشعبوي المتوارث “اكسر للبنت ضلع يطلع لها ٢٤” الذي يحمل فكرًا ذكوريًا عنيف تجاه الفتيات بدافع تربوي.
كان دائم استخدام العنف من منطلق أنه الأب الذي من حقه كل شيء دون أن يلقي تقويمًا من أحد سواء على المستوى المجتمعي أو القانوني، على اعتبار أنه الأب الذي لا يمكن أن يخطئ تحت مسمى “بيربيهم، مش هيأذيهم، مش هيقتلهم مثلًا” رغم تعرضها للضرب المبرح والاحتجاز والإهانة بأبشع الألفاظ، بالإضافة لحجب جميع وسائل الحياة عنها كمشاهدة التلفاز، الخروج من المنزل حتى قراءة الكتب كانت تمنع منها.
تروي الناجية / الضحية أن آخر واقعة عنف لها كانت بسبب صورة عادية قامت بنشرها على صفحتها بفيسبوك فقام بضربها وسحلها على الأرض لمدة ثلاث أيام متواصلة، وفي اليوم الثالث هددها بالقتل، ونتج عند ذلك خوف شديد بداخلها جعلها تحاول الهروب بأي وسيلة فحاولت الهروب من شرفة الغرفة حتى وقعت، لم تشعر بنفسها إلا وهي داخل المستشفي فاقدة للحركة بسبب إصابتها الشديدة في قدميها تسببت لها في عجز تام حتى بعد العديد من العمليات الطبية التي كانت تقوم بها والتي باءت بالفشل طوال الخمس سنوات.
سارة تعيش عاجزة عن الحركة فقدت أمانها، حريتها، سعادتها ولكن تحكم الآباء وسيطرتهم جعلها عاجزة تمامًا، تتألم طوال الوقت من أوجاع جسدها ونفسها وإلى الآن تنتظر علاج يتكلف مبالغ باهظة وخارج مصر طبقًا لكافة التقارير الطبية، فتعيش عاجزة حتى عن العلاج لأن الظروف المادية لها لا تسمح لها بذلك، فالأب المتسلط الذكوري غير المسؤل لم يساهم في علاجها وجعلها تتألم طوال الوقت حزينة على ضياع مستقبلها وحياتها بالكامل بسبب ماتعرضت له من قبل الأب بدافع أنه الرجل والأب فهو القوي الذي من حقه كل شيء وينال الدعم من الجميع من العائلة والأقارب والجيران والمجتمع بالكامل، لأن كل هؤلاء يحملون نفس الأنماط الفكرية والذكورية التي تهدر من أمان الفتيات والنساء في مجتمعاتنا الشرقية تقلل من شأنهن بل يتحكمون فيهن بدافع العادات والتقاليد والمفاهيم المغلوطة مجتمعيًا ودينيًا حتى أبسط حقوقهن القانونية لم تحصلن عليها، فهنا “الأب” يظل حرًا طليقًا يمشي على قدميه، أما “سارة” تعيش فاقدة للحركة تجلس على كرسي متحرك تبكي على ضياع عمرها وأحلامها وطموحاتها التي كانت تحلم بها.
ورغم أنه من المادة ٢٤٠ إلي المادة ٢٤٣ من قانون العقوبات المصري تنصان على أن أي ” أب” أو “أم” قاموا بالتعدي علي أبنائهم وتسببوا لهم في إحداث عاهة مستديمة مع سبق الإصرار والترصد يعاقب بالسجن من ٧ إلى ١٠ سنوات سجن مشدد، ومن هنا نجد وجود خلل تشريعي كبير نحو آليات تطبيق ذلك لأن في هذه الحالة وأغلب حالات العنف نجد عنف جسدي بجانب العنف النفسي بدون وضوح التعمد الذي يشرطه القانون فالخلل واضح في وجود فجوة تشريعية من وجود قانون يعزز ويغلظ التعدي علي الأطفال في مصر بشكل عام، إذ نلاحظ أيضًا أن القانون المصري شريك في دائرة العنف تجاه الفتيات والنساء لاستثناء أفراد الأسرة من العقوبات الجنائية في حالة العنف ضد بناتهن بدافع التأديب وذلك وفقًا للمادة ٦٠ من قانون العقوبات الذي ينص علي أنه “لا تسري أحكام قانون العقوبات علي كل فعل ارتكب بنية سليمة عملا بحق مقرر بمقتضي الشريعة “، ونجد أن هذه المادة تستخدم في أغلب قضايا العنف والجرائم المرتكبة ضد الفتيات والنساء داخل الأسرة وحين أن يأخذ المتسبب في الضرر من أفراد الأسرة يأخذ حكمًا مع إيقاف التنفيذ وفقًا لهذه المادة وهذا ما يدعم ويزيد من جرائم العنف الأسري ضد الفتيات.
هناك العديد والكثير من الفتيات والنساء تعيش في دائرة واسعة النطاق من العنف بكافة أشكاله لعدم قدرتهن على المواجهة والحصول على أبسط حقوقهن في الحياة الآمنة خوفًا من المجتمع فكل هذا يرجع إلى الثقافة المجتمعية التي تحمي وتتبني أغراض وتسلط الرجال الذين يتبنون مبدأ القمع لكل أنثى في مجتمع شرقي فتظل القضية قائمة في حراكها حتى نعرف كيف ومتى تحصل الفتيات والنساء على أمانهن وسلامتهن؟ وإلى متي تظل النساء تدفع أثمانًا باهظة للحصول على حرية أجسادهن واستقلالهن؟ إلى متى تظل الهيمنة الذكورية تتحكم في مجتمعنا المصري والشرقي؟
المجتمع المصري يتقبل فكرة الاعتداء والضرب والإحتجاز ومنع الفتيات من الخروج خارج المنزل سواء بغرض التعليم أو العمل أداة من أدوات التربية والتقويم لسلوكياتهن، وأيضًا هذا تعبير عن الحب والحماية لهن، فنجد الأب والأم يقولون علي سبيل “احنا بنضربك لأننا بنحبك وعايزينك تكوني أفضل”، وهنا نتوقف عن ما هو الأفضل ومن يحدد الأفضل وكيف تكون أفضل في ظل ظروف قاسية معنفة لاتجد فيها إلا اللوم والعتاب والضرب والإهانة طوال الوقت دون أن ترى الحب والأمان الحقيقي من أسرتها التي لابد أن تكون مصدر أمان لبناتهن داعمين لهن ولكن ما نراه دائمًا العكس أن الحب لديهم يعني الضرب والإهانة.
من المؤكد أننا نظل دائمًا في حراك التغيير لكافة الأنماط السلوكية والفكرية التي تسلب حقوق الفتيات والنساء في مجتمعاتنا، تغيير نظرة المجتمع لاستقلال الفتاة وحجب مصطلح الوصم الاجتماعي من القاموس المجتمعي والتي تتعرض له الفتيات والنساء طوال الوقت، فالعنف ضد الفتيات والنساء على وجه العموم هو انتهاك لحقوق الإنسان استمر لعقود زمنية طويلة علينا أن نسعى وندعم فكرة تغييره والتوقف عن إلقاء اللوم علي الضحية /الناجية نتوقف عن كل ماي يتسبب في خطر تجاهن بدافع المعايير التقليدية والنمطية، علينا أن نمنحهن مساحة آمنة، آمنة في التعبير عن ذاتهن عن تجاربهن، آمنة في الدفاع عن حقوقهن وحريتهن واستقلالهن، نسعى دائمًا للتغيير والإصلاح المجتمعي النسوي من خلال الدعم الكامل والآمن، وأيضًا التثقيف والوعي الجمعي الذي يحقق مستقبل آمن وأفضل للجميع لنتشارك جميعًا مجتمع آمن.