” أقدم هذا الكتاب هدية الى الشباب الجامعيين تصور ما يملأ قلبى من حب ونصح ، ومن اثار واخلاص ” … بهذه الكلمات الرقيقة المملؤة باحساس الأبوة المعهودة من كاتبها تجاه ابنائه الذين يولدون كل يوم على الرغم من رحيله منذ سنوات طويلة ، بدأ عميد الأدب العربى الدكتور ” طه حسين ” مقدما كتابه ” مستقبل الثقافة فى مصر ” الذى اخرجه الى النور فى عام 1938م اهداءا الى الشباب المصرى بعد مرور البلاد بظروف لعلها تشبه بشكل او باخر الى الاوضاع الراهنة التى يمر بها مجتمعنا منذ ثورة ال 25 من يناير 2011م وما تلاها من أحداث .
فمصر فى عام 1938م قد انجزت دستورا فى عام 1936م و اوقعت اتفاقيات مع انجلترا ودول اوربيى اخرى لاتمام عملية الاستقلال ، وبدات مصر تسير بشكل أو باخر على طريق الديموقراطية والحرية من الاستعمار بما يتلائم مع طبيعة المرحلة .
وكان لهذه الاحداث السياسية الكبيرة صداها لدى الدكتور طه حسين الذى راى منذ زمن بعيد أن الوحيد الذى يستطيع بناء الدول من جديد والسير بها على طريق التقدم والرقى هو الشباب المصرى المتعلم المثقف ، مدفوعين بقوة الخبرة لمن سبقوهم من اجيال ولذالك كان هذا الكتاب الذى قدم فيه عميد الادب العربى رؤيته الكاملة والواضحة عن المستقبل المصرى الذى الحقه بالثقاقى نطرا لشمولية معنى الثقافة فى مفهومها العام ليشمل كل حوانب مستقبل المجتمع المصرى .
واهدى هذا الكتاب الى الشباب بعد سلسلة من الندوات التى عقدها معهم ليناقش فيه طموح الشباب المصرى وتوجيه طقاته الى الطريق الصحيح نحو المستقبل .
ولكن على الرغم من صدور هذا الكتاب من ثلاثينيات القرن العشرين المنصرم ، وعلى الرغم بمعرفة اجيال متعاقبة من الوزاء والمسئولين عن وضع التعليم والثقافة فى مصر بهذا الكتاب وما يقدمه من حلول لمشاكل التعليم المصرى ، الا أن التاريخ يعيد نفسه من جديد بعد مرور ما يقرب من 76 عاما من اصدار هذا الكتاب، وعلى الرغم من معرفتنا لحل هذه المشاكل والوضع الحالى فى تفاقم كبير جدا لمشكلة التعليم المصرى و الثقاقة بشكل عام !!.
اذن مع وجود الحلول من سنوات فالعيب فى من يترأس المؤساسات التعلمية والثقافية المصرية بكل مستوايتها ، الا أن الفرصة مازالت سانحة لنا ، فبعد ثورة الشعب المصرى فى يناير 2011م وبعد التحرر من سنوات طويلة من التقليل المتعمد لكفاءة التعليم المصرى بل وطمس الهدف من التعليم واختصاره فى اجتياز الامتحانات وكانها الغاية فقط من التعليم ، واقتصار الثقافة العامة على ما يدرسه الطالب من مناهج فى اغلبها عقيمة وتوجية نواحى ثقافية من نوع اخر لا تتعدى نوعية الافلام الرديئة التى تعرض علينا او الاغانى الاكثر تلفا للعقول من المواد الناتجة من عوادم السيارات .
وكانت النتيجة فقدان مصرلدورها الثقافى فى محيطها العربى والاسلامى والافريقى الذى لا بديل عنه مطلقا ، وبعد كل مامرت به البلاد من أحداث جسام نريد ان نعيد لمصر دورها الحضارى و الثقافى الذى يفرضه عليها ماضيها العريق واسهامتها الحضارية المختلفة .
وبعد فهذه السطور القليلة التى اردت من خلالها الاعادة الى الاذهان مرة اخرى النظر الى واحد من أهم الكتب التى تم تاليفها فى مصر فى القرن الماضى وحتى الان وبدون اى مبالغة ولكن لكى يكتمل الغرض من هذا الكتاب هو تفعيل ما به من خطط لاصلاح النواحى العلمية والثقافية .
وها نحن امام فرصة اخرى اعطاها لنا التاريخ لكى ننهض من غفلتنا التى طالت ، ولكى نكون حلقة وصل بين ماضينا العظيم ومستقبلنا الذى ينبغى ان يكون أعظم ، وأنا لا اعلم هل سيمنحنا التاريخ فرصة اخرى أم لا ؟! .