لم يكن ماحدث في النيجر والجابون مؤخرا فعلا عارضا إنما هو نتيجة طبيعية للحالة التي وصل إليها عديد من النظم السياسية في القارة الأفريقية وقد تنوعت الأسباب وكانت النهاية قيام مجموعة من الضباط صغارا أو كبارا بانقلاب عسكري على السلطة حتى ولو كانت منتخبه ! (1) شهدت منطقة غرب ووسط أفريقيا منذ عام 2020 ثمانية انقلابات عسكرية وبغض النظر عن نجاحها أو فشلها الا أنها عكست أوضاعا غير مستقرة في القارة الأفريقية حتى جاء صيف 2023 ليقع في يوليو الماضي انقلاب في النيجر ومنذ عدة أيام تشهد الجابون انقلابا مماثلا وان اختلفت الدوافع أهمها من وجهة نظري الفساد السياسي والاقتصادي والحكم الشمولي رغم أن كلا الدولتين تابعتين للرابطة الفرنكوفونية وارثهما الاستعماري متشابه حيث كانت فرنسا الدولة المستعمرة لهما وكعادة الفرنسيين لا يقطعون علاقاتهم بمستعمراتهم بل يتركون فيها آثارا ناعمة تدخل في المجال الحيوي لهذه الدولة أو تلك مثل اللغة والثقافة فكلا الدولتين تتحدث الفرنسية إلى جانب طبعا اللغات المحلية أما الرباط السياسي رغم أن ظاهره تعاون وتنمية وثقافة وهو رابطة الفرانكوفون كما أشرنا إلا أنه يحمل في طياته هيمنة ومجال نفوذ واسعا يستهدف استنزاف موارد هذه الدول ! (2) إن ثروات القارة الأفريقية هي الأكبر والأعظم في العالم بترول وذهب وماس ومعادن خطيرة مثل اليورانيوم اللازم في الأنشطة النووية لكن أصحاب الثروة غير قادرين على توظيف ثرواتهم الا بمساعدة الآخرين ولهذا تكالب المستعمرون القدامى على افريقيا التي اعتبروا ثرواتها حقا طبيعيا لهم مستغلين فكرة ليس كل من يمتلك لديه القدرة على توظيف ممتلكاته وبناء عليه عندما اشتدت الصراعات الدولية بين الدول الكبرى أصبحت افريقيا ملعبا خلفيا لهذه الصراعات ! (3) لكن الملحوظة اللافته للأنظار أن الدول الغربية وتحديدا فرنسا تدافع ليل نهار عن قيم وممارسة الديموقراطية وفي الوقت نفسه تنمي النزعة الديكتاتورية في أفريقيا و أليس هذا تناقضا يعكس سياسة المعايير المزدوجه في العلاقات الدولية وبصفة خاصة العلاقات الأوروبية الأفريقية ؟ هو بالفعل تناقض يهدف إلى جعل هذه الديكتاتوريات حارسا على نفوذها ومصالحها وأوضح دليل أسرة آل بونجو التي حكمت الجابون لمدة 56 عاما منذ عهد الحاج عمر بونجو من عام 1967 حتى عام 2009 ثم ابنه علي بونجو الذي حكم حتى وقوع الانقلاب الاخير بقيادة قائد قوات الحرس الجمهوري وهذا يشير بلا جدال إلى ان سياسة التوريث في الحكم تقف حجر عثرة ضد أي إصلاح ديموقراطي بل تعتبر بابا للفساد السياسي والاقتصادي! (4) وأليست الجابون واحدة من أغنى دول افريقيا ؟ فهي عائمة على بحيرة من النفط غير مناجم الذهب والماس و يفترض أن متوسط دخل الفرد فيها الأعلى في أفريقيا بالمقارنة إلى عدد السكان الذي لا يتجاوز 2.4 مليون نسمة وبالرغم من هذا ثلث عدد السكان يعيش في فقر مدقع حيث تسيطر الطبقة السياسية الحاكمة على معظم إيرادات الدولة! (5) ويبقى السؤال هل ستنتقل عدوى الإنقلابات قبل أن يرحل الصيف إلى دول أخرى وماهي الدولة المرشحة للانقلاب العسكرى القادم في أفريقيا ؟ لقد بات جليا أننا أمام ظاهرة انقلابات الصيف الأفريقي على غرار ثورات الربيع العربي التي وقعت عامي 2010- 2011 !