في ظل التغيرات العالمية والدولية وبشكل خاص الدول العربية وخاصة مصر على شتى الأصعدة السياسية والثقافية والمجتمعية، خلقت النساء لهن مكانًا بين أضلع هذه التغيرات وسيطرت على العديد من الأدوار والوظائف التي تؤديها من خلال التنمية المجتمعية المعاصرة في الحياة السياسية.
فلعبت دورًا في غاية الأهمية على مدار السنوات الماضية داخل الحياة السياسية في تعزيز الديموقراطية وكافحت من أجل وجودها الفعال داخل المنظومة السياسية وفى كافة المجالات أيضًا، بعد أن كانت ولا زالت تواجه استبعاد اجتماعي وسياسي فعال خلال الفترة ما قبل ثورة يناير، وكانت تواجه صورًا عديدة ومتنوعة من التمييز والاستغلال والتهميش لدورها البناء والهام في كافة القضايا بمجالاتها المختلفة، ورغم تاريخ النساء المناضل على مر العصور للحصول على حقوقهن والدفاع عنها سواء الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية ولكن ما زالت تواجه أزمات وعقبات كثيرة تجاه تمثيلها العادل في المشاركة السياسية من ضعف الدعم الحزبي للنساء والتمييز لصالح الرجال بجانب عقبات اجتماعية واقتصادية وسياسية نتيجة الفوارق الثقافية المسيطرة على كافة الهيئات والمؤسسات والأحزاب السياسية والعمل على استغلال النساء لصالح ملفات معينة تحقق لهم المصالح فمشاركتها أصبحت للبعض هو تحقيق الاستفادة ليس إلا.
لذلك أوضح أن دور النساء ومشاركتهن الفعالة داخل الحياة السياسية ارتبطت ارتباطًا وثيقًا بظروف المجتمع التي تعيش فيه وما يتمتع به من حرية وعدالة ومساواة، أي ما يتمتع به هذا المجتمع من ديموقراطية شاملة، لذلك نطرح تساؤلًا ملحًا لهذه المرحلة: هل ستشارك النساء كمرشحة بالانتخابات الرئاسية المقبلة؟
إن حق الانتخاب وحق الترشح من أبرز الحقوق السياسية للنساء، فيجب أن يتم تطبيق هذه الحقوق من خلال التطبيق الفعلي وليس من خلال قوانين تسطر على أوراق، ويجب أن يتم ذلك دون تمييز على أي أساس وإنما هو حق يجب أن يكون مكفول لجميع المواطنين بمجرد توافر الشروط القانونية الواجبة، وهذا ما حدث في دول كثيرة، مثال على ذلك دولة البرازيل في عام 2010 فازت لأول مرة (دلما روسيف) بمنصب رئيسة لدولة البرازيل، فكانت دلما أحد مؤسسي الحزب الديموقراطي العمالي ومناضلة بحزب العمال البرازيلي ونسوية وسياسية تحلم بالديموقراطية العادلة، فكانت تواجه وتناضل ضد السياسات القمعية للدولة الديكتاتورية العسكرية في البرازيل، كما شغلت أيضًا منصب وزيرة الطاقة في الحكومة المحلية ورئيسة للحكومة عام 2005، كما لقبت بالمرأة الحديدية وأم الفقراء وذلك لإيمانها بالمساواة بين الجنسين ودفاعها عن حقوق النساء فكانت تسعى دائمًا إلى إحداث نهضة في مكانة المرأة البرازيلية والنهوض بتحقيق الحياة العادلة الكريمة للمواطنين وخاصة الفقراء والمهمشين.
ومع كل ما نراه من نماذج نسائية مؤثرة بدورها نحو التغيير للأفضل مازلنا نرى غياب النساء بين مرشحي الانتخابات الرئاسية المصرية لأنه أمر تسيطر عليه الثقافة والعادات والآراء الفقهية السائدة التي ترفض ترشح النساء لأى ولاية عامة والتي منها رئاسة الجمهورية، كرأي الاحزاب ذات التوجه الديني مثل حزب النور والذى يرى طوال الوقت أنه لا يسمح بمشاركة النساء بالحياة السياسية، والبعض الآخر من الجبهة السلفية من الحزب ترى في الفترة الأخيرة أنه من حق النساء أن تشارك بالحياة السياسية مع الالتزام بالضوابط الملائمة لتوجههم الديني، ولكن ما زال الرفض لمشاركتها كمرشحة بانتخابات رئاسة الجمهورية وفقا لأنها ولاية عامة لا تصلح للنساء، كما نرى في المقابل أحزابًا سياسية ذات طابع ليبرالي وديموقراطي فيرون أن غياب النساء عن المشهد الانتخابي الرئاسي يرجع إلى النظرة المجتمعية السائدة على المجتمع المصري الذى يرى أنه من العيب أن تقود النساء الرجال في هذا المجتمع الشرقي، حتى ولو كانت هي الأصلح من الرجل، والبعض الآخر يتبنى الآراء الفقهية التي تتبنى أن النساء لا تحكم لأنها تملك من العاطفة والنقص الذى يقود أي مؤسسة للفشل فما بالكم بحكم مصر!!
ورغم أننا لدينا نماذج عبر العصور من النساء الناجحات والتي لهن بصمات عظيمة في حكم مصر كالملكة كليوبترا وحتشبسوت التي غيرت الكثير من الأنماط المصرية في العصر القديم بثورتها وقدرتها على التغيير والتمكيين والتمكن في الحكم.
وعلى الرغم أيضًا من نجاح وتميز النساء في مجالات عديدة في كافة النواحي بوقتنا المعاصر إلا وما زالت الأفكار الشرقية تسيطر على عقول الأفراد سواء أنها تخدم مصالحه الخاصة او أنه بالفعل يتبنى الرأي الديني والمجتمعي تجاه حكم النساء كما هو متعارف عليه.
إن المجتمع والأحزاب السياسية لديهم مشكلة كبيرة مع فكرة أن تكون امرأة رئيسة جمهورية لأسباب عديدة ذكرناها.
لذلك لابد من طرح السؤال الذى يفرض نفسه: هل حان الوقت لتصبح المرأة رئيسة للجمهورية ؟
هل سنجد امرأة تلتفت حولها نساء مصر لتكون رئيسة للجمهورية وتكسر القالب النمطي الذي وضعه المجتمع لها بثقافته الذكورية ومعتقداته المتطرفة؟ هل ستعود المرأة حاكمة لمصر مرة أخرى؟
النساء المصريات كتلة تصويتية هائلة لا يستهان بها في أي عرس انتخابي وديموقراطي، وعملية دعم المشاركة السياسية أمر حيوي وحتمي وليس طرفًا ولا وجاهة اجتماعية وسياسية ولكنه أمر مطلوب من أجل التمكين والحصول على حقوقهن الكاملة والقضاء على كافة اشكال التمييز وتحقيق المساواة العادلة، فهذه السبل لحدوث تحول ديموقراطي حقيقي وفعال رغم صعوبته في ظل نظم سياسية لا تقبل أي محرك أو نمط تغيير شامل لكافة القضايا المتعلقة بالحريات والمساواة بجانب الثقافات السائدة لعمل النساء بالسياسة كنوع أنه عامل يساهم في تضييع الوقت، وعلى الرغم من أنه في الوقت المعاصر تغيرت هذه النظرة بنسبة كبيرة وتغيرت معها نظرة النساء أنفسهن عن المشاركة الفعالة وأصبحن على قدر كبير من الثقافة والوعى في بيئات مختلفة وما زلنا نرى أن أعلى نسب المشاركة من النساء حتى في نسبها المختلفة وأسبابها المتنوعة وفًقا لكل فئة اجتماعية فقد قسم المجتمع إلى ثلاث فئات:
فنرى في الطبقة الفقيرة أو الأكثر فقرًا تشارك النساء للإدلاء بصوتها للحصول على بعض المنافع سواء من مواد غذائية أو مبلغ مالي مقابل هذا الصوت وهذا يعد استغلال لظروفهن وأيضًا يتم استغلال ضعف واحتياج الرجال وليست النساء وحدهن فكل هنا سواء.
أما بالنسبة للكتلة التصويتية لطبقة الأثرياء فهي تستهدف المصلحة الخاصة التي تحدث لهم من وراء المرشحين بعيدًا عن الانشغال بالصالح العام لكافة فئات المجتمع الأخرى.
أما بالنسبة للكتلة التصويتية لطبقة المثقفين فمشاركتهم ليست بضئيلة ولكنهم على قدر عالي من الثقافة والوعي فلا يتم استغلالهم بأي وسيلة كانت.
إن نسب المشاركة تتفاوت من حالة إلى أخرى، ولكن تظل العوائق موجودة فالانتخابات المقبلة ستشهد التهابًا شديدًا في غاية الاشتعال والحساسية، وسنرى فيها تفاوت عجيب إن شاركت النساء بها لما تتعرض الأسر في أغلب الطبقات الاجتماعية لضغوط اقتصادية هائلة وغياب الوعي خلال هذه الفترة عن العقول بسبب الانشغال بلقمة العيش وأوضاع الكهرباء والغاز وتزايد الأسعار لحظة تلو الأخرى، فالأحوال الاقتصادية والاجتماعية هي المحرك الحقيقي للمشاركة الانتخابية، فهي هنا حلت محل الثقافة والعادات السائدة وأيضًا حلت محل الاستغلال، لذلك أتوقع عدم مشاركة ملائمة لانتخابات الرئاسة المقبلة رغم ما سيكون بها من حراك انتخابي ديموقراطي كما أكدت كافة القوى السياسية وإصرارهم على إنهم لن يقبلوا غير انتخابات ديموقراطية نزيهة.
ولكن الغالبية العظمى من الشعب لم ينشغل بأمر السياسة كما ينشغل بكيف سيدبر أمور حياته من مأكل ومشرب وملبس بدخل ثابت في ظل تزايد مسعور من الأسعار.
إذ أنه من الحتمي تغيير وتحسين الأوضاع الاقتصادية، فهو الحل الأمثل لحسم مشاركة النساء في الانتخابات الرئاسية المقبلة، لذلك أؤكد أن هذه المرحلة تتطلب من الحكومة النظر لحال المواطن لوضع خطة علمية وعملية لإعادة هيكلة الخطط التنموية التي تخدم مصالح المواطن الذى يريد أن يحيا حياة كريمة عادلة، بالإضافة لضمانات كافية تكون مرضية له قبل أن تتم العملية الانتخابية، كما لابد أن يركز المرشحين للرئاسة بوضع برنامج انتخابي شامل قائم على إصلاح اقتصادي ملائم لحال المواطن المصري والدولة المصرية، كما لابد وأن يكون جامع لتحقيق الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية ليضمن للمواطن الحياة الكريمة التي يتمناها ويأملها، فهذه هي أبسط مطالب المواطن البسيط من النساء والرجال التي ترضي إنسانيتهم التي يفتقدونها في ظل ظروف عصيبة تمر بها بلادهم أو يمر بها العالم بأكمله، ولكن العالم كان لديه الأساس المتين الذي جعل المواطن يتحمل أي ظروف عصيبة، أما نحن في مصر نحتاج لسنوات عديدة من الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي الشامل حتى يقوم عليه بنيان حقيقي يحقق الصالح العام للمواطن فيجب أن يقدم المرشح الرئاسي كافة الضمانات التي تحقق تلك الحياة الكريمة لهذا المواطن.
بعد أن تتوفر كافة الضمانات من قبل المرشحين، وبعد أن يشعر المواطن بأمان اجتماعي وإنساني ويطمئن باستقرار اقتصادي، وبعد أن يرى عدالة في التوزيع، وبعد أن تحصل النساء على حقوقهن الكاملة وتتحسن أوضاعهن الاقتصادية وترى مساواة فعالة وليست مجرد حبر على ورق وشعارات رنانة نجدها في هذا الوقت تحسم النتيجة لأي انتخابات مقبلة وليست الانتخابات الرئاسية فقط.