ولربط السابق باللاحق، سأستعين بجزء من مقال لصديقي الوطني المخلص معالي السفير جمال طه بعنوان ” حرب غزة بين أمن مصر القومي ومستقبل سيناء”، عن المؤامرة الدنيئة التي تتعرض لها مصر سابقا وحاليا على يد واشنطن وخلفها دول حلف “ناتو” لصالح المحتل اللعين “بني صهيون”.
وهذه المؤامرة باختصار شديد كما يؤكد “طه”، عبارة عن خطة لصالح المحتل اللعين تسمح بتهجير سكان قطاع غزة لأرض سيناء الحبيبة، وهي خطة قديمة ومكررة سبق وتصدى لها الشعب والجيش معا في العام 2013، ضد الإخوان المتأسلمون الذين تعهدوا للعدو الحاقد بتمريرها، وهذه هي المحاولة الأولى لنفس الخطة أو المؤامرة الخبيثة، ويضيف كاتبنا الكبير:
– ثم نجحت تضحيات الجيش والشرطة في إجهاض محاولتهم الثانية، من خلال جماعات الإرهاب بشمال سيناء، قبل ان تفسد دبلوماسيتنا «صفقة القرن».. تفقد الرئيس لاصطفاف 540 معدة ومركبة عملاقة في قلب سيناء أواخر فبراير 2023 ضمن الخطة القومية لتنميتها، فرض عليهم الاسراع بتنفيذ الخطة، قبل تعمير المنطقة وتوطين الملايين، ليكونوا حائط الصد المنيع لكل المؤامرات.. لذلك فإن كل ما أعقب «طوفان الأقصى» لم يكن وليد الحدث، وانما كان مجرد اختيار للتوقيت والمبررات الملائمة لتنفيذ الخطة، ويؤكد:
– كل الاعتبارات كانت تطمئن واشنطن وتل أبيب الى إمكانية تمرير خطة التهجير، فالأزمة المالية والاقتصادية بمصر، معززة بتراجع تقييمات وكالات التصنيف الائتماني، وصعوبة تدبير أقساط الديون، كانت كفيلة بتكسير عظام أي دولة، لكنهم فوجئوا بموقف حاسم للقيادة السياسية، واصطفاف تفتيش حرب الفرقة الرابعة المدرعة، درة تاج القوات البرية، ودفع تعزيزات عسكرية ضخمة للمناطق الحدودية، على نحو أكد الجدية في التصدي لمحاولات تصفية القضية الفلسطينية على حساب سيادة مصر على سيناء، ويوضح السفير جمال طه:
– رد الفعل المصري أزعج واشنطن، لأن تحركها لتأمين حدودها يشجع أطرافا أخرى على المشاركة، خاصة ايران، مما يفسر مسارعة بايدن بالاتصال بالرئيس السيسي في 29 أكتوبر لتهدئة حالة الاستنفار العسكري لمصر، حتى لا تخرج الأزمة عن إمكانية احتوائها؛ بايدن التزم بزيادة وسرعة تدفق المساعدات لغزة، والاهتمام بحماية أرواح المدنيين، واحترام القانون الإنساني الدولي، وضمان عدم دفع فلسطينيي غزة إلى النزوح، إلى مصر أو أي دولة أخرى، واتفق الرئيسان على العمل معا لتحديد شروط السلام الدائم والمستدام بالشرق الأوسط، بما في ذلك إنشاء دولة فلسطينية.. هذا التغيير الجذري يعكس تراجعا استراتيجيا عن الخطة الموضوعة، ما كان يقدر له ان يتم لولا قوة مصر، وصلابة موقفها السياسي، ويؤكد:
– ولكن، هل نطمئن ونرتاح؟! كلا، ينبغي ان نظل على استنفار وحذر لحين انتهاء الأزمة تماما، وان ننشئ فورا منطقة عازلة بامتداد شريطنا الحدودي مؤمنة ضد الأفراد، وتعزيز الحشود العسكرية بالمنطقة، ويضيف “طه”:
– والحقيقة، انها فرصة لإعادة النظر في استراتيجية مصر الخارجية.. مصر تاريخيا، ظلت تتبنى سياسة مستقلة غير منحازة، وهذه لم تنجح الا عندما كان التوازن الدولي يحكمه نظام ثنائي القطبية متعادل القوى «الولايات المتحدة، الاتحاد السوفيتي»، لذلك تم إفشال العدوان الثلاثي «البريطاني، الفرنسي، الاسرائيلي» عام 1956، ولكن بخلاف ذلك كانت هذه السياسة تؤدي إما لخضوع مصر للاستعمار، عندما تقف منفردة، لا تجد حليفا أو نصيرا، لمواجهة أطماع الأقوياء، أو تؤدى الى التعثر والهزيمة.. ولنقدم دلائل تاريخية، ويستطرد:
– محمد على استجاب لطلب السلطان العثماني قمع ثورات اليونان، وأرسل ثلاث حملات عسكرية، أخمدوا ثورات كريت وقبرص ورودس، وفرضوا الأمن.. الحملة الأخيرة كانت بقيادة إبراهيم باشا شخصيا، ضمت 17000 من المشاة و700 من الفرسان وعدد ضخم من المدافع، إضافة لأسطول بحري يضم 51 سفينة حربية و46 سفينة نقل، ما أزعج الامبراطوريات الكبرى.. إنجلترا وفرنسا وروسيا حشدوا أساطيلهم الضخمة، لمواجهة الأسطولين المصري والتركي في «نافارين» أكتوبر 1827، وتقدم الأدميرال البريطاني بسفنه من الإسكندرية وهدد بتدميرها إذا لم ينسحب الاسطول المصري.. مصر انسحبت بعد ان خسرت كل أسطولها البحري، واستشهد 30 ألف جندي، ويتابع:
– العثمانيون تراجعوا عن وعدهم لمحمد على بضم الشام لمصر، فقرر تأسيس إمبراطورية مصرية مستقلة، مغفلا أهمية التحالف مع قوة دولية أخرى للتأمين والمساندة.. وبالفعل استكمل السيطرة على السودان، والجزيرة العربية وفلسطين، وتقدم نحو سوريا والحق بالعثمانيين هزيمة مذلة، واجتاز جبال طوروس، وتوغل بالأناضول، وهزم الجيش العثماني في قونية ديسمبر1832، وأسر الصدر الأعظم رشيد خوجة، و10 آلاف من جنوده، وأصبحت أبواب الأستانة مفتوحة لإسقاط الإمبراطورية العثمانية، ويواصل كاتبنا الوطني الواعي:
– لكن الدول الأوروبية، وعلى رأسها بريطانيا، تدخلوا وفرضوا اتفاقية كوتاهية 1833، التى اعترفت بسيادة مصر على الجزيرة العربية والسودان وكريت والشام وفلسطين.. تركيا استأنفت الحرب، لكنها تلقت هزيمة قاسية فى معركة «نصيبين» يونيو 1839، أدت لانهيار الجيش العثماني، وانشقاق أسطوله وانضمامه للبحرية المصرية.. هنا، تدخلت إنجلترا وهزمت الجيش المصري في سوريا، وفرضت معاهدة لندن، التى ألزمته بسحب قواته من الجزيرة العربية وسوريا وكريت، وأعادت إخضاع مصر للباب العالي، ومنعته من بناء السفن الحربية، ويؤكد:
– الخديوي إسماعيل، مؤسس مصر الحديثة، وباني جيشها الفاتح، ابتعد عن المشرق وأوروبا، وأقام إمبراطورية كبرى سيطرت على القرن الأفريقي ومنابع النيل بمنطقة البحيرات الكبرى وأوغندا، وسيطر على الصومال وسواحل خليج عدن والمحيط الهندي، لكن تحالف بريطانيا وفرنسا والإمبراطورية العثمانية، وكانوا أكبر الامبراطوريات آنذاك، توافق على هزيمته، وإبادة كل جيشه في الحبشة، وعزله من السلطة، ويشرح الكاتب الكبير:
– هذه الأمثلة تتعلق بفترة نهضة مصر وبناء قوتها، وذلك أقرب ما يكون لوضعنا الراهن، وهي تؤكد ان مصر كلما شرعت في بناء قوتها، تعرضت لتنمر القوى الكبري، ذلك أنها كانت تقف بمفردها، دون توظيف التوازنات الدولية ووحدة المصالح والتطلعات والأهداف، لتوفير مساندة تعزز قوتها وتؤمِّن ظهرها.. الفترة الاستثنائية الوحيدة التي راعت فيها مصر تلك التوازنات، كانت عندما أعلن الشهيد أنور السادات «قلت وأقول إن بيد أمريكا 99% من أوراق اللعبة»، وقتها حرك الموقف على الجبهة، وتفاعلت واشنطن، فتم تسوية الأزمة وتحرير سيناء، ويضيف:
– قد يرى البعض ان انضمام مصر لتجمع «بريكس» في ظل الصعود الهندي والروسي والصيني، يشكل عامل موازنة، لكن ذلك غير صحيح، أنه إطار اقتصادي، يجمع التناقضات؛ الهند تتحالف مع الولايات المتحدة لتحل محل الصين كمصدر لسلاسل الامداد، وروسيا منشغلة بأوكرانيا، وقواتها تتمركز في سوريا ضمن ترتيبات تحالف استراتيجي، لكنها تسمح لحليفها التركي باحتلال قطاعها الشمالي، وتصرح للطيران الإسرائيلي بحرية العمل، بعد تقييد الدفاعات الجوية السورية، أما الصين فقد نشرت بالمنطقة ست سفن حربية عملاقة، وعندما بدأت التساؤلات عن دورها كقوة موازنة للأساطيل الغربية المحتشدة لمساندة اسرائيل، سارعت بكين بنفي تلك «الشبهة»، وأكدت انها في مهمة مشتركة وزيارات ودية لبعض دول المنطقة، ويتساءل السفير جمال طه:
– ترى، هل نحن بحاجة للرجوع لتقديرات المواقف التي تأسست عليها توجهات الرئيس السادات؟! وهل يمكن مراجعة سياسة الإمساك بالعصا من الوسط، وإعادة بناء حوار استراتيجي يكفل تبادل المصالح، والرؤية المتكافئة، ما يوفر الدعم والمساندة، ويضمن المستقبل الآمن، دون مساس بالسيادة والاستقلال؟! مرة أخرى نُذكِّر بنجاح النموذج التركي في توظيف التناقضات الدولية، ولا ننسي أنه رغم سياسة تنويع التسلح الا أن السلاح الأمريكي لازال يشكل غالبية الأنظمة، في الجيش والتصنيع الحربي، ويختتم:
– ارهاصاتي تنطلق من وطأة الهموم، ومعاناة القلق، من تنمر القوى الكبرى ببلادنا، والتطلع لأن يعيش أبناؤنا وأحفادنا آمنين، من خلال التفاعل الديناميكي مع التوازنات الدولية، غير مهددين بتكرار دروس التاريخ المؤلمة………؟!