بعد عملية حماس في ٧ اكتوبر، حظيت إسرائيل بدعم غير مسبوق من قادة الغرب، تحت شعار “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”. مع العلم أنه وفق ميثاق الأمم المتحدة، والبروتوكول الإضافي لعام 1977، فإن هذا الحق مكرّس للشعوب في مواجهة الاحتلال، وهو من روح حق تقرير المصير لكل شعب.
وبالتالي لا يمكن اعطاء هذا الحق لإسرائيل، لأنها تُشكّل قوة احتلال، وفقاً لمفهوم القانون الدولي، واستناداً الى قرار الأمم المتحدة الرقم 181 ، القاضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين يهودية وفلسطينية.
ولقد أقرّت الأمم المتحدة عام 1974 القرار رقم 3236 الذي اعترف بحق الشعب الفلسطيني في استعادة حقوقه، بكل الوسائل الممكنة، وفقاً لمقاصد ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه.
ووفقاً لقانون لاهاي وبروتوكولات جنيف الأربعة، التي تُشكّل أساساً لقانون الحرب والقانون الدولي الإنساني، فإن حق الدفاع عن النفس هو حق مشروط:
١-بأن يكون العمل العسكري موجهاً ضد القوة العسكرية المعتدية.
٢-ان تلتزم الدولة بمبدأ التمييز بين العسكريين والمدنيين، فلا يحق لها استهداف المدنيين.
٣-كذلك يجب احترام مبدأ التناسب، وعدم الافراط في استخدام القوة، التي قد تُلحق أضرارًا جانبية بالمدنيين والأعيان المدنية.
٤-أمّا الشرط الرابع، فهو عدم استخدام أسلحة تُحدث ضرراً عشوائياً، وهذا ما عادت وأكدت عليه اتفاقية الأسلحة التقليدية لعام 1980، بحظر استعمال الأسلحة العشوائية الأثر، وحظر استعمال الأسلحة التي تسبب معاناة لا مبرر لها، ومنها؛ القنابل العنقودية، والالغام الفردية، وقنابل الفوسفور، والنابالم، وغيرها من الأسلحة الحارقة.
لقد شكلت الانتهاكات الإسرائيلية الموثّقة، للقانون الدولي الإنساني، في عملياتها العسكرية على غزة، سنداً قانونياً، لتقديم شكوى ضد إسرائيل لدى محكمة العدل الدولية، وكذلك دعوى ضد نتنياهو وقادة الحرب الإسرائيليين، لدى المحكمة الجنائية الدولية، وتضمّن بيان القمة العربية والإسلامية الطارئة في الرياض اليوم، دعوة لهذه المحكمة بالتحرك السريع، لمحاسبة قادة إسرائيل، على جرائم الحرب المرتكبة في غزة، بدءاً من استهداف المدنيين، والى قصف المدارس والمستشفيات وأماكن العبادة، واستخدام أسلحة محرمة دولياً.
لقد دفعت هذه الانتهاكات الإسرائيلية المتمادية بالمجتمع الدولي إلى الانتفاض، فعمت المظاهرات شوارع دول العالم الحر، وهذا الضغط الشعبي أجبر عدداً من القادة الغربيين، منهم الرئيس الفرنسي ماكرون، على تبديل مواقفهم، والتحوّل من الدعم المطلق لإسرائيل، الى طلب وقف الحرب على غزة، والالتزام بقواعد القانون الدولي الإنساني، وبعضهم بدأ يطالب بحل شامل، وإعطاء الفلسطينيين حقوقهم على أساس حل الدولتين.
أما في الغرف المغلقة، فلقد سمع وزير الخارجية الأميركية انتوني بليكن في عدة عواصم، كلاماً حاداً، طالبه بالضغط على إسرائيل، لوقف انتهاكاتها واستهدافاتها للمدنيين الفلسطينيين.
أما داخل غرف البنتاغون، بدأ الحديث عن استحالة القضاء على حماس، وأن خسائر إسرائيل ستكون كبيرة جداً في حال الدخول إلى داخل مدن القطاع، خاصة أنها لم تحقق إنجازاً عسكرياً مهماً منذ بداية الحرب، والاختراق الميداني الإسرائيلي لم يتجاوز الكلم الواحد في أفضل حالاته، وهو ما زال في مناطق قليلة الاكتظاظ السكاني، أو مناطق تم تدميرها بالكامل.
والأهم من ذلك كله أن خسائر حماس بالمقاتلين، تكاد لا تُذكر، فيما يتكتم الجيش الإسرائيلي على خسائره، وحالات الفرار والتمرد التي تحصل بين العسكريين والضباط لديهم، هذا اضافة إلى التوتر، وتقاذف مسؤولية الفشل بين نتنياهو وقادة جيشه.
وداخل غرف عمليات الجيش الإسرائيلي، بدأ الحديث عن معنى خوض هذه الحرب، التي لن تحقق شيئاً من الاهداف التي أعلنتها حكومة إسرائيل، التي ستكون مجبرة عاجلاً أم آجلاً، على وقف الحرب والتفاوض مع حماس، لاطلاق سراح الأسرى لديها، ومبادلتهم مع السجناء الفلسطينيين.
أمّا عن احتمالات الحرب الشاملة، فلقد أبلغ قادة البنتاغون إلى الرئيس بايدن، أنه في حال اشتعلت الجبهات حول إسرائيل، وفُتحت جبهة مع إيران، فإن القواعد الأمريكية في المنطقة، قد تتعرض لضربات قاسية وخسائر كبيرة، وإن القوات الأمريكية الموجودة الآن في الخليج، غير كافية لهزيمة إيران، كما أن البوارج الموجودة في المتوسط ستكون قدرتها على التدخل محدودة، بسبب بعد المسافة، واحتمال اعتراض عدة دول على فتح أجوائها أمام الطيران الأمريكي لضرب إيران.
ودعت بعض التقارير الأمريكية الرئيس بايدن إلى العمل مع إيران ودول عربية، لضبط الوضع، والضغط على إسرائيل وإجبارها على الاستجابة للمطالبات العربية والدولية، للتخفيف من استهداف المدنيين في غزة، والسماح بدخول المساعدات الانسانية.
وأضافت التقارير أن تفاقم الوضع في غزة، قد يدفع بعض الاطراف إلى فتح الجبهات وتوسعة الصراع، خاصة على الجبهة الشمالية مع لبنان، وقد يؤدي ذلك إلى دخول دول أخرى في الحرب، ومن غير المستبعد أن تدفع إسرائيل بهذا الاتجاه، لدفع الولايات المتحدة إلى مواجهة مباشرة مع إيران وحزب الله.
وتجدر الإشارة إلى أن تقارير المخابرات الأمريكية، حذّرت إدارة بايدن من احتمال حصول تطورات متسارعة، وتبدّل المواقف في الشارع العربي والدولي، وحصول انقلاب في الرأي العام في عدة دول، قد يصل إلى حد الصدامات مع القوى الأمنية، وهذا سيجبر أمريكا وحلفائها، على الرضوخ تحت الضغط، واجتراح حلول وتقديم تنازلات، قد لا تكون في مصلحة أمريكا وإسرائيل.