يُعد عمل النساء في المجتمعات العربية من المشكلات المعقدة، خاصة بعد ما حققته من إنجازات تُحسب لها بمجالات العمل المتنوعة. ولذا فالمساواة وخاصة المساواة في العمل والأجور مقارنة بالرجال أمر حتمي رغم صعوبة تحقيقه لوجود القلة المؤمنة بهذا المبدأ.
من أسباب تأخر النساء في مجالات العمل باختلاف صوره ومجالاته هو تدني مبدأ المشاركة الفعالة بجانب البطالة المتزايدة والمستمرة والأجور المتدنية ومحدودية الوظائف بالإضافة إلى العوامل المجتمعية التي تخص مشكلة الأمية والعادات والموروثات
إن طبيعة النساء في المجتمعات العربية والدول النامية تختلف بطبيعتها عن الدول الصناعية التي تتوافر فيها للنساء كافة الأجهزة الحديثة في العمل أو المنزل والتي تساعدها على القيام بالأعمال الشاقة والمتعبة داخل المنزل حيث لا تمثل الأعمال المنزلية عبئا عليها كامرأة عاملة.
فواقع النساء في تلك المجتمعات لا يتمثل فقط عند تزايد نسب البطالة أو انحسار الوظائف أو تضاؤل الأجور وبالرغم من وجود قوانين للعمل في المجتمع العربي تنص على حماية النساء من الأعمال الشاقة والعمل ليلا وتوفير كافة السبل التي تراعيها كامرأة عاملة من توفير وسائل النقل الآمنة وتوفير دور حضانة لأبنائها داخل بيئة العمل أو قريبة منه علي نفقة جهة العمل بجانب حمايتهن قانونيا من أي مضايقات يتعرضن لها باعتبارهن منافسات للرجال في العمل.
يرى البعض أن النساء العاملات لا يحققن أي فائدة لأسرهن مثل الرجال وأن عملهن له آثار سلبية علي الأسرة والمجتمع بالرغم من أن الدراسات البحثية والعالمية أكدت على أن ثلثي النساء يعملن تحت ضغط الظروف الاقتصادية بدافع معاونة أزواجهن وأسرهن علي ضغوط الحياة المختلفة وحوالي ٢٠ % يعملن بدافع إثبات الذات، وهذا دليل على أن النساء لم يخرجن بدافع مزاحمة ومنافسة الرجال في مجال العمل أو الحصول علي مكانة اجتماعية متميزة رغم أن كل ذلك يعد حق أساسي من حقهن الإنساني في الحياة العادلة، وإنما خرجن للعمل بسبب ظروفهن الاضطرارية.
اقرأ أيضًا:مسألة الشر
إن محاولة النساء العربيات الحصول على عمل يزيد من عملية المشاركة الفعالة والفاعلة على المستوى الاقتصادي، وهذا الأمر يصب في صالح عملية التنمية الشاملة. عمل النساء عموما يمثل أهمية هائلة بالنسبة لأسرهن وللمجتمع الأكبر وضرورة اقتصادية ومعنوية لهن وهذا أبسط حقوقهن الحياتية.
يعد الإنسان في المجتمعات المحافظة أسيرا لنظرة المجتمع ومدى إرضائه، فمابالكم بنظرة هذه المجتمعات لعادات وتقاليد عفا عليها الزمن لهؤلاء للنساء العاملات.
نرى أن نظرة المجتمع للنساء العاملات في القطاع العام نظرة مشبعة بالاحترام وهذه النظرة تختلف تمام الاختلاف تجاه النساء العاملات بالقطاع الخاص والتي تتشبع بنظرات دونية تحط من شأنهن كنساء يجعلهن يتركن العمل لما يتعرضن له من استغلال أو يلجأن إلي وظائف حكومية التي هي أقل دخلا وأكثر جمودا إذا وجدت، فبالتالي يخسرن إبداعهن وتميزهن وكفاءتهن التي اكتسبوها من خلال دراساتهن بلجوئهن إلي هذه الوظائف الحكومية التي لا تتناسب مع طموحاتهن وقدراتهن.
إن ظروف العمل ومدى مرونته وتناسبه هم المعيار الهام لقياس مدى راحة النساء في عملهن وقدرتهن على التطور والإبداع والإنتاجية لما تحمله النساء على عاتقهن من مسؤوليات أسرية فرضها عليهن المجتمع بعاداته وتقاليده المسيطرة تجاه أزواجهن وأبنائهن.
بالنسبة للفتيات الشابات أو النساء غير المتزوجات والعاملات يتعرضن لتضييق شديد من جانب الأسرة والوالدين خوفا عليهن وعلى سلامتهن من جانب، ومن جانب آخر بغرض التحكم والسيطرة لكونهن فتيات ونساء وخاصة النساء الذين يعملن في القطاعات الصحية لمواعيد ظروف عملهن في أوقات متأخرة ومتفاوتة.
أما بالنسبة للنساء المتزوجات فقليلا مانرى أزواجا داعمين لفكرة عملهن واحتياجهن الذاتي للعمل سواء من جانب تمكينهن اقتصاديا أو حتى تمكينا مجتمعيا أو معنويا فنرى الغالبية المسيطرة هم الأزواج غير المتقبلين لعمل زوجاتهن، فيسعون طوال الوقت بتهديد استقرار حياتهن الزوجية والأسرية وهذا ما يسبب خلل داخل المنظومة الأسرية نتيجة للتحكم والسيطرة بصورة مستعبدة ومهينة لمجرد أنها نالت شرف الزواج منه.
نريد إعادة النظر في حق النساء في الحياة دون قيود أو تحكمات تقضي على مستقبلهن ووجدانهن الإنساني في حق تقرير مصيرهن باختياراتهن، نريد إعادة النظر في العادات التي وضعها أفراد في أزمنة مختلفة تماما عن زماننا وتوارثتها أجيال خلقت من خلالها أزمات مجتمعية وإنسانية لا حصر لها.
نريد تجديد الخطابات الإعلامية والثقافية تجاه القضايا المجتمعية المتنوعة الهامة والتي منها قضية عمل النساء التي من العيب علينا أننا نتحدث عنها ونحن علي مشارف عام ٢٠٢٤ والتي هي من صلب قضايا النساء العابرة للأزمان وحتي وقتنا المعاصر.