يقول ” أرنولد توينبي” المؤرخ الإنجليزي الكبير ( المتوفي ١٩٧٥) مُشَبِّهاً مذابح العرب على يد اليهود في فلسطين والمذابح اليهودية على يد النازيِّة خلال الحرب العالمية الثانية : ” إن أبشع مأساة في الحياة الإنسانية هي أن يَسُوم شعب عانيٰ الويلات العذاب لشعبٍ آخر “
كما اعترض ” توينبي ” على مطالبة الصهيونية بفلسطين كوطنٍ قومي لليهود قائلاً : ” إذا ما أُريدَ الوفاء بجميع مطالب الشعوب القديمة في الوقت الحاضر وهي مطالب ترجع إلى ألفين سنة مَضَتْ فلن تكون هناك نهاية لعملية توزيع الأراضي وانتزاع شعوب من أوطانها في جميع أنحاء العالم “…
وفي المقال السابق . أعلنت العصابات الصهيونية قيام دولة إسرائيل في ١٥ مايو ١٩٤٨ وبعد دقائق اعترفت بها أمريكا وتبعتها بريطانيا وبعض الدول المرتبطة مصالحها بالمنطقة وباليهود .
فهبَّت الجيوش العربية لتُنقِذ فلسطين وكان بإمكانها تحقيق النصر لولا عدم التنسيق فيما بينها وتضارب الأوامر التي كانت تصدر من القصور الملكية كما لم تكن أسلحتهم بالكفاءة اللازمة أو لم يتم التدريب عليها جيداً .
وما كادَ العَرب يُحرِزونَ بعض الانتصارات حتى ضَجَّ الصهيونيون بالصراخ وبدأوا يَبذِلون أموالهم و نُفوذَهم للتأثير على الضمير العالمي فأصدر مجلس الأمن قراراً في ١٦ نوفمبر ١٩٤٨ بوقف القتال بعد اسبوع من بدايته . وبالفعل عُقِدَتْ في جزيرة ” رودس” ( باليونان ) مفاوضات بين وفدٍ عسكري مصري وبين ممثلي الصهيونية في ٢٤ فبراير ١٩٤٩ وتم توقيع هُدنَة تَنُص على عدم قيام أي من الطرفين بأي عملٍ عسكري عَدائي كما تم تبادل الأسري فيما بينهم . واستغل اليهود الهدنة فاستوردوا الأسلحة الحديثة من دول شرق أوربا وأخذت الألوف من المهاجرين (المحاربين) تتدفق على إسرائيل وعندما شعر اليهود بقوتهم خرقوا الهدنة التي احترمها العرب مُرغَمين نتيجة الضغط الأمريكي البريطاني .. وقد بَلَغَت جرأة اليهود أن اغتالوا الكونت ” برنادوت ” الوسيط الدولي لحل مشكلة فلسطين كما استمرت إسرائيل في عدوانها على الحدود العربية واحتلت ” أم الرشراش ” (إيلات) بعد توقيع الهدنة بأسبوعين .
وجدير بالذكر أنه في نوفمبر١٩٤٧ أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها بتقسيم فلسطين ولأن ” القُدس ” ذاتَ مكانةٍ خاصة عند المسلمين والمسيحيين اعتبرتها منطقةً دولية ووضعَتْها تحت الإشراف الدولي لكنها عَجَزَت عن تنفيذ القرار وانتهى مصير القُدس بأن احتلت قوات الملك “عبدالله بن حسين ” قسمها القديم واحتل اليهود أحياءها الجديدة . وبعد انتهاء الحرب عادت لجنة السياسة بهيئة الأمم المتحدة وأصدرت قراراً جديداً ٧ ديسمبر ١٩٤٩ بتدويل المدينة بأسرها وحماية الأماكن المقدسة . ووافقت الجمعية العمومية على قرار لجنة السياسة بالأغلبية وأصبح مصير المدينة المُقدَّسة بيدِ هيئة الأمم ..
( نكمل لاحقا )