في المقال السابق . كان ٢٩ أكتوبر ١٩٥٦ هو اليوم المحدَّد لإجراء مفاوضات مصر وإنجلترا وفرنسا في “جنيف” ولكن للأسف . فقد أشارت فيه الدولتان لإسرائيل بإصبعيهما لتشن هجومها على مصر ، فهل كانت مؤامرة العدوان الثلاثي مفاجأة لأمريكا ؟ بالطبع لا . وإلَّا لماذا نَصَحَت رعاياها قبل أيامٍ من العدوان بمغادرة إسرائيل ومصر والأردن وسورية ولم تُنْذِرهُم في العِراق !!.. كما صَرَّح “بِنْ جُوريون ” في الكِنيسِت يوم ٢٥ أكتوبر أن نشاط وهجوم الفدائيين في قلبِ إسرائيل ازداد وهذا يُشَكِّلُ خَطَراً كبيراً عليها فكان هذا التصريح تمهيداً للعدوان . كما أنها في٢٨ أكتوبر أَعلَنت إسرائيل التعبئة العامة ، و بَدِيهي أن الحرب الهجوميَّة لا تقوم فجأة بل يلزمها تخطيطاً وتجهيزاً يستغْرِقان شهوراً يستحيل خلالها جَهْل أمريكا بما يحدث لكنها تظاهَرَتْ بعدم معرفتها وتَرَكَت الجميع يتورَّطون لتَكْسَب هي في النهاية وتبدو بصورةٍ حسنةٍ تحقق مصالحها في الشرق الأوسط (بإزاحة إنجلترا وفرنسا لتحلَّ محلهما ) ولكي تُفوَّت على “روسيا ” فرصة ظهورِها على مسرح الأحداث . فبَدَا موقف أمريكا المَائِع مُشكِكَاً في نواياها .
في تلك الفترة كانت مصر مُنْشَغِلة بخطةٍ النهوض بمرافقها واقتصادها ومشروعاتها التنموية وعلى رأسها السد العالي . ولم يكن في تقديرها بدء أي سياسة عُدوانيِّة هُجوميِّة وهي تحت ضغوط اقتصادية عَنيفة لإرغامِها على قبول رغبات الغَربْ ورغم ذلك أَوْلَت الجيش عنايتها الفائقة ليكون جاهزاً لحمايتها دائما ، وكانت سياسة مصر العسكرية يومئذٍ تَقْضِي بأن تُعَسكِر قواتها الضَارِبَة في غرب القَناة أمَّا على الحدود المصرية _ الفلسطينية
فكان هناك ٦كتائب (الكتيبة ٨٠٠جندي) مُوزَّعة في “رفح” و “أبي عجيلة” و كتيبة دبَّابات “شيرمان” قديمة بالعريش . ظَلَّتْ قوات “سيناء” تقاتل وتقاوم لعَرقَلةِ تَقدُّم العدو نحو القناة لحين وصول القوات الرئيسية من الدِلتا . كانت قوات العدو تسعة ألوية مشاة ( اللواء ٦كتائب ) و٢ لواء مدرع ( اللواء ١٠٠ /١٢٠دبابة) غير كتائب المظلات ، لمْ تقَع معارك كبيرة تذكر في سيناء غير معركة ” أبي عجيلة ” .
في٣٠ أكتوبر عَقَدَ مجلس الأمن جلسةً استثنائية طلب فيها مندوب أمريكا إصدار قرار بوقف القِتال فوراً .
وفي مساء نفس اليوم وجَهَتْ إنجلترا وفرنسا إنذارَهما المَشْبُوه لمصر وإسرائيل معاً ( سبق ذكره ) وعلى الفور استدعى “عبدالناصر” سفير بريطانيا وأبْلَغه رفض مِصر للإنذار باعتبارهِ اعتداءً على حقوقها وكرامتها .. انتهت فترة الإنذار في السابعة صباحاً ولم يحدث شئ و بعد ١٢ساعة وقَعَت أول غارة جَويَّة بريطانية في السابعة مساء٣١ اكتوبر على العاصمة ( مبنى الكلية الحربية ، مطار ومستشفى ألماظة) وبعض المنشآت الصناعية بشبرا الخيمة . وربما كان التأخير إلى الليل مخافة أن تتعرض القاذفات البريطانية للميج١٧ نهاراً . وانكشفت خطة الحصار فأَمَرَت القيادة المصرية قواتها بالانسحاب غرباً لِتتجنَّب وقوعها بين الجيوش الثلاثة وتُقْطَع عنها الإمدادات والتموينات ويُقْضَىٰ عليها في مصيدة سيناء . ورغم قِلَّة عددها وضَعْف عتادها ضَرَبَت قوات “أبي عجيلة” مثلاً في البطولة بتَصدِّيها أربعة أيام لَعرقلةِ تقدُّم قوات العدو حتى تَم انسحاب القوات الرئيسية بنجاح .
ونكمل لاحقا