معارك الحرية عبر الأزمان تمثل بالضبط نضالات النساء واستمرارهن من أجل الحصول علي كامل حقوقهن وامتيازاتهن المدنية كالعمل والتعليم والمشاركة السياسية والمجتمعية وتمكينهن بصورة فعلية اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا.
ورغم ما حققته النساء في مصر من استقلالية ومكاسب نسبية على الصعيدين الاجتماعي والسياسي، وما أحدثته المرأة المصرية من نضالات في الثورات المصرية والحركات النسائية إلا أن حريتهن السياسية والمجتمعية وحرية أجسادهن تظل مسألة صراع بين الفكر الثقافي والمجتمعي السائد وبين الفكر النسوي، وتزيد من تفاقم هذا الصراع الأنظمة الأبوية والقمعية من خلال أيدولوجياتها التي تمارس بها الضغط على النساء للسيطرة على آرائهن وممارساتهن.
يتم قمع حريات النساء العامة السياسية والمجتمعية تحت مظلة العادات والتقاليد والتي تكون وسيلة لممارسة الضغط المجتمعي عبر الوصم، كما حدث مع بعض الناشطات والسياسيات والصحفيات بثورة يناير وما بعدها في أغلب القوى المعارضة للسلطة والمنتميات لأحزاب وتيارات مدنية واللاتي تم إلقاء القبض عليهن بسبب آرائهن في الأوضاع الاقتصادية والسياسية ومن دون تورطهم في أي أحداث عنف ومنهن من مازلن محبوسات خلف القضبان كمروة عرفة ومنال عجرمة وصفاء الكوربيجى وعلياء عواد وهدى عبدالمنعم ودنيا سمير فتحي وهالة فهمي، وغيرهن كثيرات ما زالت أرواحهن في خطر مما يتعرضن له من انتهاكات وحرمان من الرعاية الصحية وظروف احتجاز وسجون غير إنسانية محرومات من الزيارات العائلية، يواجهن تعسف شديد في إمدادهن بالطعام والأدوية والرعاية الصحية اللازمة لهن.
لا يزلن ينتظرن قرار الحرية مثل ما حدث قبل عام ونصف تقريبًا مع الناشطات سولافا مجدي وماهينور المصري وشيماء سامي وغيرهن، وخاصة أننا مازلنا ننتظر مخرجات فعالة في ملف سجناء وسجينات الرأي في الحوار الوطني الذي دعا إليه الرئيس عبد الفتاح السيسي في حفل إفطار الأسرة المصرية مع كافة قوى المعارضة التي كانت أهم أولوياتها البت في هذا الملف والإفراج عن كافة المعتقلات والمعتقلين، ولكننا لا نرى حتى الآن إلا الخيبة التي طالت الجميع في هذا الملف على وجه الخصوص بعد مناقشات عديدة.
أتمنى أن تتبنى لجنة العفو الرئاسي قائمة مخصصة للسجينات وحدهن كي يتوفر الإنصاف أيضًا في حالة الحرية عكس ما اعتدنا عليه في القوائم السابقة التي لا نرى فيها إلا اسما واحدا من النساء السجينات إذا وجد.
إن مسألة القمع لا تنطبق فقط على الآليات السلطوية ولكن هناك أيضًا قمع مجتمعي من قبل الأفراد تصحبه مسألة الوصم للنساء، كما حدث مع بعض الفتيات ممن ليست لديهم مشاركة أو انخراط في الحياة السياسية، فتيات بسيطات كنيرة أشرف التي قتلت أمام جامعتها واتهمها المجتمع بأن ملابسها وممارساتها وأخلاقها السبب في قتلها باحثين للقاتل عن مسببات للقتل لتبرئته. ظل الوصم المجتمعي يطاردها حتى بعد وفاتها. وكذلك طارد المعلمة التي كانت ترقص في حفل عائلي في مركب في النيل، وتم تصويرها من أحد الأشخاص بمواقع التواصل الاجتماعي، فلاحقها المجتمع بالاتهامات. وغيرهن الكثير والكثير.
من هنا، أجد أن الحل في حتمية استمرار الحراك النسوي المطالب بحرية المرأة وفرض قضاياها على السلطة والمجتمع على حد سواء، من خلال التضامن النسوي للحفاظ على الهوية والتمثيل العادل والفعال في مواقع صنع القرار، واستمرار بقائهن الإنساني المتمثل في قيم الحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة، لأن بقائهن يمثل بقاء المجتمع كله.
العيش والحرية والعدالة الاجتماعية هذه كانت شعارات يرددها ملايين المتظاهرين فى مصر وكان للنساء دورًا عظيمًا في هذا المشهد المهيب الذى شاركن فيه بقوة وبنسب وصلت إلى 40 و50% من مختلف الخلفيات الفكرية والأيدولوجية ومن مختلف الأعمار والفئات الطبقية.
الحرية كانت أحد وأهم مطالب ثورة 25 يناير التي كانت منبرا هاما لدأ منه تغيير واقع النساء كمواطنات أحرار، فكانت الثورة شرارة اندلعت من روح الجميع للحصول على الحرية التي افتقدوها في ظل أنظمة قمعية فاسدة، كما كانت منبرا لتجديد الحراك النسوى المطالب بالعدالة والمساواة وحصول النساء على حقوقهن الكاملة بمجتمعهن، فالنساء المصريات لهن تأثير قوي في صناعة الثورة المصرية، ودفعن أثمانًا باهظة من أجل حرية الجميع.
ستظل تلك الثورة مستمرة بنفوس مناضليها الأصليين.
إن الوعى الجمعى والإيمان بقضايا الشعوب هو السبيل لتحريرها وتحقيق الكرامة والعدالة والمساواة والحرية للرجال والنساء. الشعوب دائما تتحرر بالثورات النابعة من هذا الوعى والفكر المستقلين ومن صاحبات الفكر الثوري، والنساء الثوريات هن أرحام أجيال الثوار، يقدن الدفة نحو مسار أفضل، كما حدث في مصر على مر العصور في حركاتها السياسية والمجتمعية والنسوية وفي ثوراتها عام 1919 ويناير 2011 التي حركت المياة الراكدة في قضايا النساء.
إن قضايا النساء مثل قضايا الشعوب تحتاج إلى ثورات؛ فكلاهما يطالب بالحرية من أجل الحقوق والكرامة ضد أنظمة الفساد والتجويع والاستبداد. كان ميدان التحرير متكدس بحكايات النساء الباحثات عن الحرية والمعبرات عن الوجه الحقيقي لنضالات النساء، وكان هذا الميدان فرصة لخلق مساحات من الثبات والصمود والأمل في التغيير نحو مسار أفضل لذلك أصبح من الحتمي الاستمرار في تلك الحراكات النسوية ليتشارك الجميع مجتمع عادل آمن.