الأمُّ التي تستحقُ التَّكريم هي الزوجة الوَّفيِّة الصابِرة الأمينة التي أنجَبَت وجَعَلت رعاية أطفالِها وتحلِّيهم بالأخلاق هدفاً ورسالة ،
وهي التي شَعُرتْ بالذينَ حُرِموا من أُمَّهاتِهم ، أو حُرِموا مِن الأبناء لأي سببٍ فتحتفلُ في مناسباتِها بإنسانيِّة .
في الغرب ومَن يتشبَّهون بهِ نجدُ الأبناءَ الذين لا يُقيمونَ مع أمهاتِهم إذا كَبُرَت الأمُّ وأصابَها الوَهَن أوْدَعوها داراً للعَجزةِ والمُسنِّين ، ورُبَّما لا يزورونها بهديةٍ إلاَّ في يومٍ مُحَدَد ( كل سنة ) .
أما نحنُ فقد أمَرَنا اللهُ عزَّ وجَلَّ بقولهِ :
۞وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِٱلوَٰلِدَينِ إِحسَٰنًا إِمَّا يَبلُغَنَّ عِندَكَ ٱلۡكِبَرَ أَحَدُهُمَآ أَوۡكِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفّٖ وَلَا تَنهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَولاً كَرِيما (٢٣ ) وَاخفِض لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحمَةِ وَقُل رَّبِّ ارۡحَمهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرا ( ٢٤ ) [ سورة الإسراء ]
وكلنا يعرفُ حديثَ رسول الله ﷺ الذي أجاب فيه رجلا سأله عن حسن صحبته فقال : ” أمك ( ٣ مرات ) وفي الرابعة قال : أبوك ” .
فغالباً ما نزورُ أمهاتَنا كلَّ يومٍ إنْ أمْكَن ونَطبعُ قُبلةً على جَبينِها ويَدَيها أو نُحادثُها هاتفياً مُلتَمِسين رِضاها لنحظى برضى الله .
ويومٌ يفرحُ فيهِ البعضُ ويَحْزنُ فيه مَن غَيَّب الموتُ أمهاتِهم لا يجِبُ أن يكون يوم احتفالٍ وبهجةٍ مُبالَغُ فيها بالأغاني والندوات ولكن في حدودِ ما يَحُثُّ على حُبِّ الأم وطاعتها في حياتها والدُّعاءِ لها بعد موتها .
وأفضلُ تعبير عن حُبِّ الأم والعِرفانِ بفضلها أن تفعل ما يرضيها وهي على قيدِ الحياة وتداوم عليه بعد موتها كحُبِكَ لإخوتِكَ ومن تُحِبَهم أمُك . فأثمن الهدايا وأغلاها لا تُعادل حُبك لقطعةِ منها هي أخوكَ أو أختِكَ ..
أما عن أمي …
رغم لقاءَ روحُها بربِّها منذ ٣٦سنة لم تَغِب ملامُحُها وصوتُها عن ذاكرتي . وما أظنُّ بليغاً يمكنُ لقلمهِ أن يَصِفَ حبَهُ لأمِّهِ مَن كانت لهُ نبعاً للحنانِ ومصدراً للأمان . يعجزُ اللسانُ عن التعبير إلاَّ بما كان ترحماً ودعاءً وتضرعاً لله أن يغفِرَ لها ويرحَمُها ويجعلَ مثواها الجَنَّة. . فهي في خاطري بملامِحها الطَيِّبة وصوتِها الحَنون وكلماتِها العَفَوية التي ماكانت تعرفُ إلاَّ الصدقَ والجهرَ بالحقِّ مهما كَلَّفَها وسلوكِ العِزَّةُ وشُموخِ النَّفْس وحُبِّ العطاء مزهوة بأنها أم لاثنين من أبنائها ( أخي الذي يكبرني وأنا ) يحاربان علي جبهة القتال إبان حرب أكتوبر ١٩٧٣ .
كنتُ في فَورةِ الشباب متطلعاً إلى السفر خارج مصر وكان هناك من يملؤون عليها بيتنا الكبير ، لكن منعني أمرُها _ لا أقول رجاؤها _ فالأم تأمرُ ولا تَرجو . وظَلَلتُ تحتَ قدميها ١٤سنة إلى أن سافَرتُ بعد وفاتها ، واليوم أسأل روحها : هل كنت باراً بك يا أمي ؟
فيأتيني رَدُها بلسماً : ” يا وَلَدي ما أنت فيهِ من خيرٍ فهو من رضىَ الله . إذْ رَضيتُ عنكَ في حياتي فاستجاب اللهُ لدعائي لك بالخير .”
فتغلبني دموعي وكأني أقبِّلُ قَدميها شاكراً للَّهِ نعمةَ الرضا ..
أمي : يرحَمُكِ اللهُ يا أمَّ قلبي رحمةً واسعة . وجعل الجنة دارك .