على رأس قائمة طموحات أي شعب يحتلُ الاستقرار قمة إحتياجاته .
ليس المُراد بالاستقرار تَوَفُّر الأمن والأمان في مواجهة شبح الحروب التي تفرض نفسها عند الاعتداء على حدود الوطن أو السَطوِ على مُقدَّراتهُ ومواردهِ فقط . ولكن في واقع الأمر _ كما أراه _ فهناك أيضا الاستقرار الإجتماعي والمعيشي المُتَمثِّل في نَمطِ الحياة ومستوى معيشة الفرد الذي يحقق له الرفاهية التي تتناسب مع موارد وثروات الوطن وقوة اقتصاده . كذلك الأوضاع الإجتماعية من عدالة تشمل كل الأفراد دون تمييز بين فئة وأخرى وشعور المواطن بعزته ورِفْعةِ رأسه بين الشعوب الأخري .
فهذا الشعب العظيم وارثُ أقدمَ حضارةٍ إنسانية هو الآن
في أمَسِّ الحاجة إلى نهضةٍ إنسانية ترقىٰ به إلى أعلىٰ مراتب التَحضُّر تتمثَّل في حَفْرِ قنوات الوعي الديني والسياسي والاجتماعي . والى إنشاء طُرُق العلم الحديث واقتباس أساليب البحث والمعرفة التي تصله بمصادر القوة اقتصادياً وعسكرياً .. كما يلزمه إقامة كباري وجسور الثقة بحكومته وسلطاتها القضائية والتشريعية والتنفيذية . وشق أنفاق التواصل والانتماء القوي للوطن .. مع زراعة أشجار الإلتحام والبناء والإنتاج بروح الفريق تدعمُها عدالةٌ في التقييم بمبدأ الثواب والعقاب بلا مجاملةٍ ولا محاباة .. ورعاية زهور التسامح والمَحبَّةِ بين أبنائه باختلاف شرائِحِهم ومعتقداتهِم و سَنْ قوانين السلوكيات الرَّاقية النَّابعة من التعليمات السَّماوية ” .
ولا شك أن ما يحقق ذلك يلزمهُ إعلامٌ وطنيٌ واعي يتبنَّى أهدافاً سامية بكل وسائلهِ المَرئيةِ والمسموعة والمقروءة يعاونها مسجدٌ يُدرِّسُ و يُطبِّقُ الشرائع الدينية الوسطية السَمْحَة وكنيسةٌ معتدلةٌ غير مُتعصِّبة ولا مُتطرِّفة . وهذه المؤسسات إذا ما قامت بدورها جيداً أفرزت أسرةًِ واعيةً منضبطة أخلاقياً واجتماعياً . .
والأسرة الواعية بمشاركة المدرسة والجامعة يُخرِّجون جيلاً نابغاً تَصقِلَهُ المؤسسات العسكرية ( بالتجنيد أو التَّطوُّع ) ليُصبِحَ رجلاً يافعاً منتجاً ماهراً ومدافعاً قوياً عن عِرضِهِ وأرضه ..
ومع الثقافة الجيدة المُتَنوِّعة المتلازمة لكل ما تقدم يَخرُج مواطناً واعياً عاشقاً لتراب وطنه . ومن جموع هذا الشعب الواعي القوي في بنيانهِ وعقيدتهِ و باصطفافهِ وتكاتفه بقلب رجل واحد إذا ما تَحقَّقت له العدالة الاجتماعية الحقيقية يمكنه وبكل تأكيد أن يصنع آماله بفكره ووعيه ، ويحققها بعقول وسواعدِ أبنائه .
ومِن عوامل تحقيق الاستقرار الشامل أيضاً إحساس المواطن أنه المُسْتَهْدَف بكل ما تبذله الدولة مِن بناءٍ وإعمار . بمعنى أن يلمس ويرى أن لرأيه قيمةً باعتباره شريكاً أساسياً في رسم السياسات عن طريق ممثليه في مجلسي الشيوخ والنواب ولا يُعامَل كمتلقِّي فقط . لا سِيَّما إذا أَحسَن اختيار نوابه و من يُمثِّلُ الحكومة ليعمل الجميع علي ما يَكْفُل له أَمْنهُ و راحته وييُسِّرُ أموره في الإجراءات الإدارية والخدمية والتَّغلُب على مشاكله البيئية التي تُهَدِّدُ صِحَّتهُ وحياته . ووفَّرَتْ له احتياجاته من السِلع الغذائية وحَمَتْهُ مِن جَشَع التُّجَّار والانتهازيين .