د.سيد نافع يكتب… ” القضاء والقدر ( 2 ) “

هل هناك فرق بين القضاء والقدر ؟
ما الذي يضيفة الايمان بالقضاء والقدر للمؤمن ؟
وهل هناك ادلة مادية علي قضية القضاء والقدر أم ان الايمان به من قبيل التسليم ؟
وهل القضاء والقدر حتمي أم انه يتغير ؟
وهل الايمان به يتعارض مع قضية التخيير بمعني ان الانسان مسير طالما ان كل شيئ مقدر أزلاً ؟
اسئلة مهمة لفهم قضية القضاء والقدر

* مفاهيم اساسية قبل البدء في فهم قضية القضاء والقدر ؛-
– للقضاء معاني كثيرة اهمها الحكم ، والحكم لا يكون إلا في الخصومة ،وقضاء الله سبحانه وتعالي يكون في تجاوز حدوده وارتكاب ما يغضبة فإن افلت الانسان من العقوبة البشرية ولم يتوب فالعقوبة الإلهية لن يفلت منها في الدنيا قبل الآخرة ، والمصائب التي تحدث للانسان قد تكون عقوبة علي جريمة ارتكبها يقول علي بن ابي طالب ( كل مصيبة تصيب الإنسان إما مثوبة أو عقوبة )) فمصائب الدنيا قد تكون من القضاء العاجل ، لله في خلقه قضاء دنيوي (القضاء العاجل) ، وقضاء أخروي وهو (القضاء الآجل ) .
-القضاء الإلهي الدنيوي إما نافذاً وإما معلقاً وفق إرادة الله ومشيئته ، فالقضاء إما ينفذ وإما يعلق وإما يخفف ، فلا يغر الإنسان الإمهال وتأجيل العقوبة .
-قضاء الله العاجل والآجل هو وفق قدره السابق في اللوح المحفوظ فالقضاء يجري بما خطه قلم القدر ، وفي هذا دلالة علي جريان الأحداث بقدر ولا مجال للمصادفة ، وفيه إيضاح أيضاً لتسير الله لشئون ملكة فهو سبحانه قائم عليه ولا يفتر عنه برهة .
– ملحوظة : العقوبات في القضاء الإلهي تختلف عن العقوبات في القضاء البشري ، فقد يكون بسط الرزق ووفرة المال والنعم عقوبة وليست مثوبة كما يعتقد البعض لكي لا يكون للإنسان نصيب في الآخرة ،
وقد يكون المصائب من النعم بالصبر عليها وتكون مثوبة إذا صبر الإنسان واحتسب

* القدر أعم من القضاء فالقضاء هو جزء من القدر
القدر :
– كل ما هو حادث وكائن في الكون هو بعلم الله وإرادته وقدره ، فنحن نعيش في القدر الجاري لذلك قال النبي صلي الله عليه وسلم أطلبوا الأشياء بعزة النفس فالأمور تسير بقدر الله أو كما قال .

– التوكل علي الله هو الأخذ بالأسباب قدر الاستطاعة دون التكلف والمبالغة ، فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها ويجب عدم تعلق القلب بالأسباب وإذلال النفس لها فإنما تسير بقدر الله ، لذلك وجب تعلق القلب بمسير الأسباب سبحانه وتعالي ، وعلي المؤمن صاحب البصيرة أن يعلم أن الله إذا أراد له شيئاً يسر له الأسباب وإذا وجد التعسير عليه مراجعة نفسه وعدم التضجر والتسخط علي الأسباب .

-ليس كل ما قدره الله وأراده أحبه وارتضاه فكل ما فيه ضرر لا يرضي الله تبارك وتعالي وكل فاحشة لا يقرها الله ولا يأمر بها ولا يرتضيها لعباده سلوكاً وإن كانت تحدث بعلمه ( وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) الأعراف28 ، فخلق الله السحر والسحرة وهو لهم مبغض وكاره ومقتهم في الدنيا ولهم في الآخرة أشد ألوان العذاب ، والسحر هو علم نزل من السماء لفتنة البشر ما علمه هاروت وماروت أحد من الناس إلا وقالوا لهم إنما نحن فتنة فلا تكفر ، والإنسان يقبل عليه ليتعلمه ويمارسه بإرادته ورغبته رغم النصح وما جاء في شأنه في شرع الله فهو من الموبقات أي المهلكات وهو كفر بالله .

-في زمننا جهل الناس أمر القضاء والقدر فزادت معاناتهم ومشاكلهم وصار بأسهم بينهم شديد ، والإيمان السليم الكامل هو الحل الوحيد لحل تلك المأساة ، والتكذيب بالقدر يخرج الإنسان من دائرة التوحيد كما قال ابن عباس (التصديق بالقدر نظام التوحيد ومن كذب بالقدر فقد ناقض تكذيبه توحيده ) ، وقال ابن عمر من كذب بالقدر لا يقبل الله منه عملاً ،

الإيمان بالقدر هو شرط الإيمان بالله تعالي : سأل جبريل عليه السلام رسول الله صلي الله عليه وسلم عن الإيمان ماذا قال ؟
قال : “أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر. وتؤمن بالقدر خيره وشره )

قال ابن حجر في فتح الباري :
-وقوله وتؤمن بالقدر خيره وشره ( وحلوه ومره من الله ) وكأن الحكمة في إعادة لفظ وتؤمن عند ذكر القدر كأنها أشارة الى ما يقع فيه من الاختلاف فحصل الاهتمام بشأنه بإعادة تؤمن ثم قرره بالإبدال بقوله خيره وشره وحلوه ومره ثم زاده تأكيداً بقوله في الرواية الأخيرة من الله .

والمراد أن الله تعالى علم مقادير الأشياء وأزمانها قبل إيجادها ثم أوجد ما سبق في علمه أنه يوجد ، فكل محدث صادر عن علمه وقدرته وإرادته هذا هو المعلوم من الدين بالبراهين القطعية وعليه كان السلف من الصحابة وخيار التابعين روى الترمذي :-
أن عبد الله بن عباس قال:- كنت خلف النبي صلي الله عليه وسلم يوما فقال لي يا غلام انى أعلمك كلمات ( أحفظ الله يحفظك أحفظ الله تجده تجاهك ، إذا سالت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، وأعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشي لم ينفعوك إلا بشي قد كتبه الله لك ، وان اجتمعوا على أن يضروك بشي لم يضروك ألا بشي قد كتبه الله عليك ، رفعت الأقلام وجفت الصحف)

إلى أن حدثت بدعة القدر في أواخر زمن الصحابة أي كذب به بعض الناس ، وقد روى مسلم القصة في ذلك من طريق كهمس عن بن بريده عن يحيى بن يعمر قال : كان أول من قال في القدر بالبصرة ( أي كذب ) معبد الجهمي ( أي أنكر القدر السابق وعلاقة الله بأعمال البشر ) قال فانطلقت أنا وحميد الحميري وذكر اجتماعهما بعبد الله بن عمر وأنه سأله عن ذلك فأخبره بأنه برئ ممن يقول ذلك وأن الله لا يقبل ممن لم يؤمن بالقدر عملا .
وقد حكى المصنفون في المقالات عن طوائف من القدرية إنكار كون البارئ عالماً بشيء من أعمال العباد قبل وقوعها منهم وإنما يعلمها بعد كونها ، قال القرطبي وغيره انقرض هذا المذهب ولا نعرف أحداً ينسب إليه من المتأخرين ، قال والقدرية اليوم متفقون على أن الله عالم بأفعال العباد قبل وقوعها وإنما خالفوا السلف في زعمهم بأن أفعال العباد مقدورة لهم وواقعة منهم على جهة الاستقلال ( أي لا دخل لله في أعمال البشر ) ، وهو مع كونه مذهبا باطلاً إلا أنه أخف من المذهب الأول وأما المتأخرون منهم فأنكروا تعلق الإرادة الإلهية بأفعال العباد .

الذي يضيفه الإيمان بالقضاء والقدر للمؤمن هو السكينة والهدوء النفسي وتحمل الصعاب بالصبر عليه وما زادت الأمراض النفسية في زماننا هذا إلا بعدم فهم قضية القضاء والقدر فهماً صحيحاً أو بالتكذيب بها وعدم الإيمان بها أصلاً وتعلق النفس بالمادة متمثلاً في الأسباب فالذي يفرق المؤمن الموحد عن غيره هو ايمانه بالله تعالي مسيراً وقائم علي شئون ملكة فلا يلجأ إلا اليه ( أليس الله بكاف عبده )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *