أتساءل كثيرًا- كما يتساءل غيرى- ما سبب حقد أحبار اليهود، وأتباعهم من بنى صهيون على مصر تحديدًا؟؟!.. فتأتينى الإجابة من خلال كتابات وكتب وأبحاث ودراسات علماء: الدين والتاريخ والحضارة «مصريون وأشقاء عرب وأجانب» بأن التوراة- كتابهم المقدس بعد تحريفه على يد أحبارهم الأوائل- لم تسلم أسفارها من الحقد على مصر، ووصفتها بـ«أرض العبودية»، وتباكت على مذلة اليهود فيها، وصوّرت خروجهم إنقاذًا لهم من هذا الذل، ولا يزال اليهود يحلمون، ويصلون من أجل الاستيلاء على مصر حتى يكون فيها خمس مدن تتكلم بلغة كنعان، كما يحلمون بيوم يكون فيه مذبح للرب بوسط أرض مصر، وعمود للرب عند تخومها كما تقول نبؤة نبيهم إشعيا!!
لهذا، ليس بغريب على اليهود استمرارهم فى هذه المحاولات لتشويه حضارتنا العريقة بادعائهم «أنها من صنعهم»، وفى الواقع أن اليهود عاشوا فى مصر فترة قليلة جدًا، وعلى هامش الأحداث، ليس لهم عمل سوى الرعى، ولا أى صناعة، ولم يبرعوا فى أى فن سوى التجسس لحساب أعداء كل من يستضيفهم ويؤمنهم ويغدق عليهم: فلسطين المحتلة، ألمانيا وأمريكا نموذجًا!
إنهم أيضا- دون غيرهم- الذين وصموا السيد المسيح عليه السلام بـ«…….»، وادعوا- كذبًا وافتراءً- أن معجزاته ترجع إلى السحر الذى تعلمه من المصريين، كما اتهموا السيدة العذراء- رضى الله عنها وأرضاها- بـ«………»، حتى رب العزة جل وعلا لم يسلم من بهتانهم!!
وتتواصل مسيرة الكذب، والتزييف من أجداد اليهود إلى آبائهم، ومن الآباء إلى الأحفاد، ويتجاهل الصهاينة شواهد حضارتنا الخالدة، والتليدة، والتاريخ المدون على صروح المعابد الضخمة، والمسلات السامقة، والآثار الباقية فى تحد واضح وصريح للزمن، فضلًا عن الأهرامات الراسخة، والمدنية التى صنعها قدماء المصريين على مر التاريخ، ليدعوا أنها «من صنع أولئك الرعاة الحفاة العبيد المحتقرين».
حضارتنا التى سبقت وجودهم فى مصر، منذ حملت قافلة من السيارة يوسف الصديق- عليه السلام- رقيقًا وباعوه لعزيز مصر «قطمير» فى عصر أحد الملوك الرعاة الهكسوس عام 1887 ق. م، حيث كانت بداية تاريخهم الأسود فى مصر، وذلك عندما استدعى الصديق أباه يعقوب- عليه السلام- وقبيلته ليتمرغوا فى عز الكنانة، وكان عددهم عندئذ سبعين فردًا، ظلوا يتناسلون على أرضنا حتى صار عددهم عند طردهم منها بصحبة موسى- عليه السلام- 6000 فرد عام 1440 ق. م.
والثابت تاريخيًا أن الأهرامات- التى يدّعون مشاركتهم فى بنائها- بنيت فى عصر الأسرة الرابعة «من 2680 ق. م إلى 2560 ق. م»، أى قبل أن يُباع يوسف الصديق- عليه السلام- بستمائة سنة، أى قبل دخولهم إلى مصر، وهذه هى الحقيقة الدامغة.
والسؤال: هل صنع هؤلاء الرعاة كل هذه الحضارة العظيمة فى تلك الحقبة الزمنية التى وصلت إلى 430 سنة؟!، إن التوراة- كتابهم المقدس- وهو كتاب جمع تاريخ بنى إسرائيل، قد تناول تاريخ اليهود بمصر فى سطور قليلة لم تزد على صفحة، كما صمتت التوراة عن الإشارة إلى حياتهم على حافة الدلتا الشرقية، ومن ناحية أخرى أهملت آثار الفراعنة إهمالًا تامًا بما يقطع بأنهم لم يكونوا وقتها أكثر من رعاة غنم كسالى، أجبروا على العمل قسرًا فى المدن المصرية، لكراهيتهم للعمل، وكان المصريون يكنون لهم احتقارًا خاصًا، لأنه فى عقيدة المصريين أن «كل راعى غنم رجس».
وكان اليهود مرضى بالبرص والجذام والجدرى، مما جعلهم فى معزل عن المصريين الذين كانوا يحسون بالقرف منهم، ثم يأتى مناحم بيجن رئيس وزراء إسرائيل الراحل إلى مصر، وينظر إلى الأهرامات، ويقول للرئيس السادات- رحمه الله- إن هذه الأهرامات بناها أجدادى.
كما أن المؤرخون اليهود: فيليو، ويوسفوس، ودرايتون، كل تاريخهم تجسس على مصر لحساب أعداء مصر وخيانة للأمانة، وهذا ما شهد به المؤرخ استرابون الذى عاش فى القرن الأول الميلادى، وأكده أيضًا عالم الآثار الأمريكى جيمس هنرى بريستد فى كتابه «فجر الضمير»، وغيره ممن لمعت أسماؤهم فى ملف الآثار ومنهم ماسبيرو، وقد أجمعوا على أن كل ما عند اليهود- حتى الوصايا العشر- أصله مصرى، فليس لليهود حضارة خاصة بهم، فما كان لديهم من:
– عادات، وحكمة، وأقوال، سارت مبادئ يدين بها العالم ليست إلا من أصل هو الحضارة المصرية، ويقول العالم اليهودى فرويد فى كتابه عن موسى- عليه السلام- إن «اليهود حرفوا الأحداث، وعدلوا فيها حتى التوراة نفسها أعادوا كتابتها عدة مرات».
يقول د. سليم حسن فى «موسوعة مصر القديمة».. الجزء الرابع، عن الهكسوس، والذى جاء تحت عنوان «عصر الهكسوس وتأسيس الإمبراطورية»:
-تنسب نشأة كلمة «هكسوس» للمؤرخ «مانيتون»، والتفسير اللغوى الذى وضعه لها مقبول، وذلك لأن كلًا من جزأَى الكلمة له ما يقابله فى اللغة المصرية القديمة، فكلمة «حقًا» معناها «حاكم»، وكلمة «شاسو» معناها «بدوى»، ومن الجائز أن الأخيرة قد كُتِبت بالإغريقية «سوس»، وبالقبطية «شوس»، وعلى أى حال؛ فإن الرأى المتفق عليه الآن فى تفسير كلمة «هكسوس» هو أنها مركبة من كلمتَى «حقاو» و«خاسوت»، ومعناهما معًا: «حكام الأقاليم الأجنبية»، ويضيف:
– ومما يلفت النظر أننا لم نعثر على كلمة بعينها فى اللغة المصرية القديمة وُضِعت عَلَمًا لأولئك الغزاة الذين سمَّاهم مانيتون «الهكسوس»، فنجد مثلًا فى «ورقة سالييه» الأولى أنهم سموا «الطاعون»، غير أن ذلك ليس بغريب؛ لأن المصريين كانوا يطلقون عليهم هذا الاسم بوصفهم أعداء، والظاهر أنهم كانوا يسمون «عامو»، أى الآسيويين فى عهد الهكسوس أنفسهم، وكذلك كانوا يسمون «ستتيو» فى لوحة «كارترفون».
فى هذا السياق، يذكر الدكتور أحمد شلبى فى كتابه «اليهودية» صـ 100: «وكان مجتمع اليهود مصدر الخيانات والمؤامرات ضدَّ كل بلد نزلوا فيه، وقد صوَّر كثير من الكتَّاب انعزالية اليهود وانتهازيَّتهم وخيانتهم للبلاد التى نزلوا بها، سواء فى ذلك إبَّان تاريخهم القديم، أو فى التاريخ الحديث»؛ وفى ذات المؤلف صـ 101 يقول:
– كما تآمرت الصهيونية مع الحلفاء على إثارة اليهود فى ألمانيا ضد الوطن الذى آواهم، فألقى الحلفاء من الجوِّ على مدنهم وثيقة «بلفور» إيذانًا لهم بأن يقوموا برسالتهم التاريخية، وهى رسالة الغدر الوطنى.. وقد عدَّد «هتلر» خيانات اليهود لألمانيا فذكر منها: استنزاف أموال الشعب بالربا الفادح، وإفساد التعليم، والسيطرة لصالحهم على المصارف، والبورصة، والشركات التجارية، والسيطرة على دُور النشر، والتدخل فى سياسة الدولة لغير مصلحة الدولة، وفى القمة من خياناتهم التجسس ضد ألمانيا الذى احترفه عددٌ كبير منهم.
استند فى ذلك إلى ما أشرت إليه بأن علماء: الآثار، والتاريخ، والأديان المحايدين، يؤكدون دائمًا وأبدًا أن: مصر بحضارتها العريقة انتزعت بنى إسرائيل من براثن الجوع والجدب فى أرض كنعان، ووفرت لهم المأوى الآمن، والعيش الكريم، بدليل هرب سيدنا إبراهيم- عليه السلام- إلى أرض مصر، فمنحته الأمان، والثروة، والولد، وكان على حبيبنا المصطفى وعليه وعلى بقية أنبياء الله السلام- كل متاعه فى الدنيا خيمة!، وها هو يوسف الصديق، من عبد إلى وزير، ثم أمين على خزائن الأرض.
تلخيصًا يمكن القول إن الإجرام الصهيونى بحق الأبرياء ليس وليد اليوم أو أمس، إنه سلوك متجزر فى ثقافتهم وعقيدتهم منذ الولادة بحسب توراتهم المحرفة.. ففى كتابه «إسرائيل البداية والنهاية».. يوضح د. مصطفى محمود بغى وظلم وطغيان قادة الكيان اللقيط مع دولنا العربية، وكأنهم يتعاملون مع أصفار، حيث نجدهم يتوسعون وكأنهم يمرحون فى فراغ دون أدنى نوع من أنواع المواجهة.
وذلك نتيجة غياب الموقف العربى المشتت بسبب التفرقة التى ستؤدى بهم يومًا ما– إذا أصروا على بقائهم فرادى وضعاف- إلى التنازل عن هويتهم ومواقع أقدامهم، ونتيجة هذا الهوان والذل لدينا الآن فى غزة 17954 طفل شهيد، و188 طفل شهيد فى الضفة، أما عدد المفقودين من الأطفال والنساء فى فلسطين المحتلة فكان 4700، 51621 شهيدًا، كما وصل عدد الجرجى الى 121925، وعدد النازحين تجاوز الـ200000، وعدد المبانى المتضررة تقريبًا أصبح 170812.
ومن الإبادة الجماعية فى فلسطين المحتلة إلى مذبحة مدرسة بحر البقر 8 أبريل عام 1970، علينا ألا ننسى جرائم بنى صهيون بحق أطفالنا، ومن باب العلم بالشىء حتى ننشط ذاكرتنا بنوعية العدو الذى ارتكب هذه الجريمة فى قرية «هرية رزنة» مركز الحسينية فى محافظة الشرقية، فقد قادتنى الصدفة البحتة بزيارة هذه القرية برفقة زميل سلاح أثناء فترة تجنيدى بقواتنا المسلحة فى سيناء الحبيبة عام 1985.. كانت المدرسة وقت المجزرة عبارة عن ثلاثة فصول يدرس بها 130 طفلًا تبدأ أعمارهم من 6 وحتى 12 عامًا.
أثناء الزيارة وقعت عينى على سجل ملىء بذكريات جريمة بشعة ارتكبها طيران العدو اللعين يوم 8 أبريل عام 1970 بحق 80 طفلًا بريئًا.. استشهد منهم 30 وأصيب 50 آخرون بخمس قنابل وصاروخين كانت تحملها طائرات الفانتوم الأمريكية، لتمزق أجسادهم الطاهرة وتحولها إلى أشلاء ودماء متناثرة على أرضية الفصول وأوراق كراريسهم وكتبهم ولقيماتهم البسيطة وبقايا دككهم الخشبية التى كانوا يُحصلون عليها دروسهم.
هذه المجزرة أكدت أننا أمام عدو لا يعترف بدين أو أعراف أو قوانين.. عدو يتعامل مع غيره بفوقية ممقوتة وغريزة انتقامية غير مبررة لتحقيق أهدافه غير الشرعية فى السيطرة على المنطقة لنهب ثرواتها وإذلال شعوبها بمساعدة دول كبرى مثل أمريكا وغيرها.
وأذكر بهذه المناسبة ما كتبه شاعرنا الكبير الراحل صلاح جاهين عن هذه المذبحة مخاطبًا ضمير العالم «الميت أصلًا» بقصيدة يقول فيها: «الدرس انتهى لموا الكراريس بالدم اللى على ورقهم سال.. فى قصر الأمم المتحدة مسابقة لرسوم الأطفال.. إيه رأيك فى البقع الحمرا يا ضمير العالم يا عزيزى.. دى لطفلة مصرية سمرا كانت من أشطر تلاميذى»، ولأننا عشنا وما زلنا حتى اللحظة نعيش فى محيط عالم بلا ضمير.. عالم لا يعرف ولا يعترف ولا يتعامل إلا بمنطق المصالح والبلطجة والقوة من خلال مؤسسات صهيو- عالمية ظالمة.
فكان لزامًا على أبطالنا أن يثأروا لفلذات أكبادنا على طريقتهم الخاصة وفى أقرب وقت ممكن.. وبالفعل تولى تنفيذ هذه المهمة الجسورة عناصر من سلاح الصاعقة بقيادة الضابطين: محمد التميمى وعبدالحميد خليفة.. فقتلوا 35 ضابطًا ومجندًا من قوات العدو فى عمليتين كبيرتين سُميتا فى التاريخ العسكرى الإسرائيلى «السبت الحزين».
لاحظ معى عزيزى القارئ.. أبطالنا- كعادتهم دائمًا وأبدًا- لم يثأروا لأطفالنا من مدنيين إسرائيليين فى مدارس أو مستشفيات كما فعل العدو ويفعل دائمًا.. وهنا تتجلى الأخلاق الحميدة والعقيدة القتالية الشريفة لقواتنا المسلحة فى تعاملهم مع العدو مهما وصلت درجة «سفالته» و«حقارته» و«نذالته» و«إجرامه»، عملًا بقول الله تعالى: «وقاتلوا فى سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا، إن الله لا يحب المعتدين».. «سورة البقرة.. الآية 190».
وقد يَتَّخِذُ ضعاف النفوس قاعدة «المعاملة بالمثل» مبرّرًا ليفعلوا ما يشاءون فى أعدائهم، محاربين أكانوا أو مدنيّين، وقد حدث ذلك مرارًا.. لكن الجيش المصرى منذ نشأته لا يُقِرُ أبدًا القسوة أو الظلم مهما كانت المبرّرات.. متحليًا فى ذلك أيضًا برحمة حبيبنا وطب قلوبنا- صلى الله عليه وسلم– الذى تجلت فى حرصه ليس على الأسرى فقط.. بل حتى بحق القتلى ومشاعر ذويهم؛ لذا فقد نهى- عليه الصلاة والسلام- عن النهب والتمثيل بالجثث.
فعن عبدالله بن زيد رضى الله عنه قال: «نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن النُّهْبَى، والمُثْلَة».. وقد كشف عن أخلاقه- صلى الله عليه وسلم- بحق من مثلوا بعمه حمزة بن عبدالمطلب- رضى الله عنه- فى غزوة أحد.. فلم يمثل بقاتل عمه.. وهكذا كانت أخلاق المسلمين الأوائل.. فلم يَرِدْ فى التاريخ حادثة واحدة تقول إنهم مَثَّلوا بأحدٍ من أعدائهم.
لكن ثقافة وعقيدة جيش الاحتلال لا تعترف إطلاقًا بحرمة دماء وقدسية جثث الشهداء سواء أكانوا مدنيين أو عسكريين.. وخير دليل على ذلك الفيلم الإسرائيلى الوثائقى «روح شاكيد» الذى كشف قيام فرقة من الجيش الإسرائيلى بقيادة الضابط بنيامين بن إليعيزر- الذى شغل عدة مناصب وزارية لاحقًا- بعد انتهاء حرب يونيو 1967 بقتل 250 أسيرًا مصريًا عزلا ودفنوهم فى سيناء.. وأظن أنه من حقنا الآن ومن قبل أن نطالب المنظمات العالمية- التى تدّعى زورًا وعدوانًا الحيادية- بالتعويض المادى والمعنوى عن تلك الجرائم الموثقة بالصوت والصورة.. مش كده ولا إيه؟!